علم الظواهر التأويلية لهايدجر وتطورات أخرى في الفلسفة

اقرأ في هذا المقال


مارتن هايدجر:

كان مارتن هايدجر أحد أبرز فلاسفة ألمانيا في النصف الأول من القرن العشرين ومصدر إلهام للفلسفة من خلال عمل برينتانو(Von der mannigfachen Bedeutung des Seienden nach Aristoteles 1862 – حول الحواس المتعددة للوجود في أرسطو)، بينما كان لا يزال يدرس علم اللاهوت من عام 1910 إلى عام 1911 واجه هايدجر كتاب هوسرل Logische Untersuchungen.

أعمال هايدجر في علم الظواهر:

منذ ذلك الحين تابع مسار علم الظواهر باهتمام كبير ومنذ عام 1916 كان ينتمي إلى الدائرة الضيقة من الطلاب وأتباع الحركة، وكان الطابع النموذجي للحدس الفينومينولوجي في ذلك الوقت محور تمارين والتدريبات ندوة هوسرل ، من المؤكد أنّه ظهر فرق مبكر جدًا بين هوسرل وهايدجر، فقد كانت مناقشة واستيعاب أعمال الفلاسفة المهمين في تاريخ الميتافيزيقيا فبالنسبة لهايدجر مهمة لا غنى عنها، في حين شدد هوسرل مرارًا وتكرارًا على أهمية بداية جديدة جذريًا – مع استثناءات قليلة (من بينهم رينيه ديكارت وجون لوك وديفيد هيوم وكانط) – أراد أن يضع تاريخ الفلسفة بين قوسين.

إن عمل هايدجر الأساسي (Sein und Zeit (1927 – الوجود والزمن، والذي كان مخصصًا لهوسرل اعترف بقوة بأنّ مؤلفه مدين للظواهر، وفي ذلك تم فهم الفينومينولوجيا كمفهوم منهجي وهو مفهوم ابتكره هيدجر بطريقة أصلية ونتج من استجوابه للعودة إلى معاني المفاهيم اليونانية للظاهرة والمنطق.

فالظاهرة هي ما يظهر نفسه من نفسه، ولكن مع مفهوم الشعارات يعني ذلك السماح لما يظهر نفسه من نفسه بنفس الطريقة التي يظهر بها نفسه من نفسه، وقد شكّل هذا المفهوم للظواهر الذي اعتمد على أرسطو أكثر منه على هوسرل ، تغييرًا أدى لاحقًا إلى اغتراب بين هوسرل وهايدجر لأنّه في Sein und Zeit – الوجود والزمن لم يعد هناك اختزال فينومينولوجي أو غرور متسامية أو حدس.

من الجواهر بمعنى هوسرل كانت بداية هايدجر الجديدة وفي نفس الوقت استئنافًا للسؤال الأساسي للفلسفة أي ذلك المتعلق بمعنى (شِن – Sein) الوجود، ويمكن تعريف طريقته في الاستجواب على أنّها تأويلية من حيث أنّها تنطلق من تفسير الوضع الإنساني وبالتالي فإنّ ما وصفه هو شرح ما هو مفهوم بالفعل.

في قلب Sein und Zeit – الوجود والزمن يكمن تحليل هايدجر للشخص (الفرد البشري) الذي يطرح السؤال – من هو القادر على طرح السؤال؟ – بخصوص الوجود والذي من خلال هذه القدرة على وجه التحديد يحتل موقعًا متميزًا فيما يتعلق بجميع الكائنات الأخرى أي بمعنى أنّ من Dasein والتي تعني حرفيا (التواجد هناك).

من خلال تصور الدازاين على أنّه وجود في العالم جعل هايدجر المشكلة القديمة المتعلقة بالعلاقة بين الذات والموضوع غير ضرورية، والهياكل الأساسية للدازين هي المزاج البدائي (Befindlichkeit)، والفهم (Verstehen)، والشعارات (Rede)، فهذه الهياكل بدورها تأسست في إضفاء الطابع الزمني على الدازاين Dasein، والذي نشأ منه المستقبل والوجود (الماضي) والحاضر.

الاحتمالان الأساسيان لوجود الإنسان هما تلك التي يأتي فيها الدازاين – Dasein إلى ذاته والذي يسمى الأصالة أو يفقد نفسه ويُطلق عليه عدم الأصالة ويكون الدازاين – Dasein غير أصيل، فعلى سبيل المثال عندما يسمح للآخرين بإعطاء إمكانيات الاختيار من أجل (التواجد الإلكتروني) الخاص به بدلاً من أن يقرر بنفسه، ولا علاقة لمفهوم هايدجر للرعاية (Sorge – cura) بالضيق (Bekümmernis) ولكنّه يتضمن وحدة اللحظات المفصلية لوجود الإنسانية في العالم.

تجلت الطبيعة التأويلية لفكر هايدجر أيضًا في تفسيره للشعر حيث اكتشف روحًا متجانسة في فريدريك هولدرلين وهو أحد أعظم شعراء ألمانيا والذي افتتح تفسيرًا جديدًا لعمله، لكنّها تجلت بشكل متساوٍ في تفسيره للميتافيزيقا الذي حاول هايدجر تصوره على أنّه حدث يحدده نسيان الكينونة وهو حدث في قلبه تجد البشرية نفسها ويمكن أن نجد أوضح تجلياته في (التقنية) وهي المحاولة الحديثة للسيطرة على الأرض من خلال التحكم في الكائنات التي تعتبر كائنات.

لم يتم العثور على مفهوم الوعي التجاوزي الذي كان مركزيًا بالنسبة لهوسرل، ففي هايدجر والذي يُظهر بوضوح كيف أنّ هايدجر في Sein und Zeit – الوجود والزمن قد فصل نفسه بالفعل عن فينومينولوجيا هوسرل.

تطورات أخرى في فلسفة علم الظواهر:

كان يوجين فينك لعدة سنوات متعاون مع هوسرل، الذي أدى مقالته Die phänomenologische Philosophie Edmund Husserls in der gegenwärtigen Kritik إلى تطرف المثالية الفلسفية المتعالية لهوسرل، حيث تحولت لاحقًا في اتجاه آخر مما اقترب من موقف هايدجر نفسه وفي نفس الوقت من هوسرل.

تم نشر لودفيج لاندجريب Ludwig Landgrebe الذي كان مساعدًا شخصيًا لهوسرل لسنوات عديدة، ففي عام 1939 (Erfahrung und Urteil – الخبرة والحكم)، وهو أول أعمال هوسرل بعد وفاته المخصصة لعلم أنساب المنطق من بين علماء اللغة الألمانية، وظل لاندجريب Landgrebe أقرب ما يكون إلى آراء هوسرل الأصلية وطورها بإستمرار في العديد من الأعمال.

المصدر: أطلس الفلسفة، د.جورج كتورة، الطبعة الثانية 2007. ادموند هوسرل , أزمة العلوم الاوروبية و الفلسفة الترانساندانتالية ( مدخل الى الفينومينولوجيا ) , ترجمة اسماعيل مصدق , مرجعة جورج كتورة , المنظمة العربية للترجمة , بيروت , لبنان , الطبعة الاولى , يوليو سنة 2008.سماح رافع محمد , الفينومينولوجيا عند هوسرل (دراسة نقدية في التجديد الفلسفي المعاصر ), دار الشؤون الثقافية العامة , بغداد , سنة 1991 Phenomenology


شارك المقالة: