فلسفة الوجود خلال العصور

اقرأ في هذا المقال



فلسفة الوجود في العصر الإغريقي:

في القدم كان الفلاسفة يفسرون بأن الوجود والعالم جاء حادثاً، فذكرت الفلسفة الإغريقية أن العالم والكون يتحرك شوقاً وحباً لله، فمن مبادئ الفكر الإغريقي المسلّم بها هي الرغبة والشوق والحب، فالرغبة تحرك النفس، والشوق يحرك المادة، والحب يحرك العقل، وبالرغم من هذا التفسير الذي أقنع فقط الإغريقيين بسبب مبادئهم المسلّم بها فهو لا يعد تفسيراً منطقياً لحركة الكون والعالم.

وكما تقول سيمون فيل في كتابها النبع الإغريقي : “أن التمثال الإغريقي يلهمنا الحب من أجل صورته لا من أجل مادته التي صنع منها”.

فالكون يلهمنا الحب من أجل نظامه لا من أجل مادته، لذلك من الممكن أن نستدل على الله بواسطة الحب، لأن الله هو الخير، والحب وحده هو الذي يوصلنا للحقيقة، والخير يرى ويعكس في نفوسنا وفي العالم، فنرى الخير في نفوسنا والجمال في العالم، فكما يرى الإنسان بعينيه ويسمع بأذنيه، فأنه يعرف الخير والجمال بواسطة الحب، فتلك هي عقيدة الإغريق، ووحي الوجود لهم.

الى أن أتى أرسطو واستبدل الحب بالعقل، والجمال بالحقيقة، شريطة بقاء الخير، فهو غاية كل نفس، وفي الإنسان وفي العالم، فقام بتعديل هذه الفلسفة الى أن العالم لم يُخلق حادثاً ولكن وُجد قديماً والله هو من خلق الكون، ليكون له الفضل في التخلص من الفكر الإغريقي بل والفكر الإنساني كله من الأسطورة، وقرن البحث الفلسفي بالمنطق والمبادئ والعلل، التي توصل في النهاية الى الحقيقة.

فلسفة الوجود في العصور الوسطى المسيحية:

من الواضح أن الفلاسفة في العصور الوسطى المسيحية تأثروا بشكل كبير بالفيلسوف أفلاطون، إذ وجدوا ما يتفق مع فكرة الوجود لديهم وتدعم أفكارهم، بناءً على نظرية أفلاطون عن الإله الصانع، وظهر هذا الأثر واضحاً في مدرسة شارتر في فرنسا، فجمعوا أصحاب هذه المدرسة بين الكتاب والوحي من جانب، وحكمة الإغريقيين من الجانب الآخر.

فكان هناك شبه إجماع بين أصحاب هذه المدرسة بأنه لا تعارض بين الفلسفة والدين، فكانوا يبحثون عن أدلة عقلية في العلوم الطبيعية والرياضية، للوصول الى فهم الدين فهماً عقلياً.

فلسفة الوجود في الإسلام:

سعى الغزالي الى ما يسمى بعلم حقائق الأمور، والتي تعرف فيها على آراء المتكلمين والفلاسفة وأهل الظاهر وأهل الباطنية، والصوفية والمتعبدين وغيرهم، وذلك هدفاً منه في الوصول الى الحقيقة، وهو علم اليقين الذي لا يبقى معه شك أو ريب، فكل علم لا يكون أساسه ومعياره اليقين، فلا يمكن الوثوق والأمان به.

تصنيف الغزالي للفلاسفة:

  • الدهريون: هم مجموعة من الفلاسفة القدامى، الذين نكروا وجود الخالق، وزعموا أن العالم لم يزل موجوداً بنفسه وبلا صانع وخالق، وكأنه يشير بشكل واضح الى الفلاسفة الإغريقيين القدامى الذين فسروا وجود العالم بأنه قديم وليس حادث، فقدم العالم ينفي وجود الخالق.
  • الطبيعيون: هم قوم ركزوا في بحثهم عن عالم الطبيعة، وعن عجائب الحيوان والنبات، وأكثروا من الخوض في علم التشريح لأعضاء الحيوانات، لذلك أضطروا للاعتراف بالفاطر الحكيم، ومطلع على غايات الأمور ومقاصدها، أي آمنوا بالله وصفاته، ولكنهم ذهبوا الى أن النفس تموت لذلك جحدوا بأمر الآخرة، وبالجنة والنار، والحشر والنشر والحساب والقيامة وهذا مخالف لأصل الإيمان، الذي يقوم على أساس الإيمان بالله واليوم الآخر.
  • الإلهيون: وهم المتأخرون من مثل سقراط وتلميذه أفلاطون وكذلك أرسطو تلميذ أفلاطون.
    فلم ينكر الغزالي علم الطبيعة الذي بحث فيه أرسطو، ولكن اختلف معه في طرق الأدلة والمقاييس، وشروط مقدمات البرهان، وكيفية تركيبها، بل أن الطبيعة مسخرة لله تعالى، لا تعمل بنفسها بل يوجهها فاطر السموات والأرض، أي أنه بقدرة الخالق يخلق الأشياء ويسخّرها لإرادته.

الجوانب الإيجابية في الفلسفة الغزالي:

  • أن معرفة الخالق، تأتي من معرفة النفس لأحوالها، قبل معرفة الإنسان بالعالم، وذلك كما وضّح أن الشرع لم يتعرض للعلوم الجزئية بالنفي والإثبات.
  • أن طريق النفس في الوصول الى الحقيقة، هو طريق الصوفية، وهو طريق الذوق والقلب، لا طريق العقل والمنطق والبرهان.

عندما جاءت فكرة فلسفة الخلق جاءت لترفع من قدر الإنسان، فالإنسان ليس من معطيات الوجود كما فعل وظن القدماء، لكنه مخلوق مثل سائر المخلوقات، لديه النفس والذوق ولكن تميز بالعقل.

فلسفة ديكارت في العصور الحديثة:

لا يختلف ديكارت في فلسفته عن فلسفة الغزالي، بأن هناك طريق واحد أمامنا للوصول الى الحقيقى، ألا وهو طريق اليقين، بحيث تدرك النفس في قرارتها، أن تلك هي الحقيقة ولا شيء سواها، ويذكر ديكارت بأننا نعرف الله من خلال آثار الله في مخلوقاته، وأن النفس الإنسانية فيها هذا الأثر.

وكذلك لا بد من الذكر أن فلسفة ديكارت تأثرت بالكثير من آراء ونظريات وفلسفة فلاسفة العصر الوسيط، فهناك صلة استمرت بين فلسفة العصر الوسيط والفلسفة الحديثة، كانت نتيجة القول بالخلق، وأنه لا يمكن تفسير الوجود إلّا بوصفه خلقاً، فمهما أراد ديكارت الفصل بين الدين والفلسفة الأولى، فإنه انطلق في تأملاته من المنطق الديني، وهو أنه كائن مخلوق وناقص، وأن الله الخالق، لا بد أن يكون هو الكامل واللامتناهي.

المصدر: الفلسفة الإسلامية، الشيخ كامل محمد محمد عويضه، ط1مباهج الفلسفة، ول ديورانت، ط2 The Philosophy of CreationThe Philosophy of Creation


شارك المقالة: