فلسفة الفن لدى دو بوا

اقرأ في هذا المقال


رسم بول تايلور بشكل مقنع إطارًا عامًا لفهم فلسفة وليام إدوارد بورغاردت دو بوا (William Edward Burghardt Du Bois) في الفن، ووفقًا لتايلور يؤيد دو بوا الصورة التعبيرية للعالم، والمفتاح الذي يكمن في التصميم على التفكير في الأشياء على أنّها تعبيرات محددة ولكن مؤقتة لعالم متطور، ووفقًا لوجهة النظر هذه يتكشف العالم في أشكال جديدة بالطريقة التي تتكشف بها البذرة إلى شجرة.

الفن العالي والفن المنخفض:

كذلك يضيف تايلور بأنّه من خلال التوضيح بمرور الوقت ما كان غير مكتمل وذلك من خلال تحقيق ما كان موجودًا سابقًا فقط في الإمكانيات، وبالنظر في منظور مراجعات ماركس وديوي لتعبيرية هيجل يتصور تايلور دو بوا الحياة الأخلاقية كعمل قيد التقدم، أي كمشروع مستمر للزراعة الذاتية الكلية للأفراد يشكلون أنفسهم فنياً من خلال الاستجابة بطريقة إبداعية للتواريخ واللغات والهياكل الاقتصادية التي تقيدهم.

ربما يكون تعبير دو بوا عن التزامه بالمثالية الكلية للزراعة الذاتية أكثر وضوحًا عندما يدافع في تضخيم انتقاده لبوكر تاليافيرو واشنطن (Booker T. Washingto) عن أهمية تعليم الفنون الحرة، ومرددًا صراحة ماثيو أرنولد (Matthew Arnold) حيث دعا دو بوا إلى تعليم الفنون الحرة كوسيلة لتنمية الذات أو كما يكتب أحيانًا تطوير الذات من خلال التعرف على أفضل ما قيل وفكر في العالم، كما إنّ تطوير الذات من خلال اكتساب الثقافة هو هدف نخب التعليم الذي تطلبه لرفع مستوى الجماهير.

يكتب دوبويز أنّ كلية الزنوج يجب أن تطور الرجال فوق اشتراكيتنا الحديثة ومن عبادة الجماهير، كما يجب أن تستمر في أنّ الفردانية العليا التي تحميها مراكز الثقافة، كما يجب أن يكون هناك احترام أسمى للأرواح البشرية ذات السيادة التي تسعى إلى معرفة نفسها والعالم عنها، والتي تسعى إلى الحرية من أجل التوسع والتنمية الذاتية.

بالنسبة إلى دو بوا في النفوس فإنّ الفن الذي تقدره النفوس ذات السيادة هو الفن الرفيع، أو بعبارة أخرى الفن هو الذي يتشارك مع النفوس السيادية التي تقدره خاصية التطوير الذاتي الشامل، وفي أغاني الحزن وهو الفصل الأخير من النفوس يمثل دو بوا روح المجموعة التي توحد الأمريكيين السود لتوضيح رسالتها المميزة من خلال الأغنية الشعبية.

بالنظر إلى المنظور التاريخي فإنّ الروح المجسدة موسيقيًا للقوم الأسود حيث إنّها تتحقق عبر الزمن في الأغنية الشعبية بعد الأغنية الشعبية، وتكتسب اتساعًا روحانيًا شاملاً يتغلب على التحيز العنصري والريفية.

وبالنسبة لهذه الأغاني التي تُظهر الروح الشعبية النامية والتي تشكل تقليدًا متطورًا للفن الموسيقي الأسود يقارن دو بوا مجموعة من أغاني المنشد الخاملة الروحية وتراتيل الإنجيل وأغاني الراكون، وفي جوهره يجادل بأنّه بما لا يقل عن أوبرا فاجنر التي أعجب بها حيث تنتمي الأغنية الشعبية السوداء المستوحاة روحياً إلى قانون الفن الراقي الذي تم استبعاد الفنون المنخفضة لأغنية المنشد وما شابه ذلك.

من وجهة النظر هذه فإنّ التعبيرات السياسية المبكرة لدو بوا هي جزء من فلسفته التعبيرية الواسعة في الفن، لأنّها تؤكد أنّه لكي يكون القادة السياسيون السود شرعيون وفعالون، ويجب أن يأخذوا تأثيرهم ليس من كتلة الأغنية الشعبية غير الملهمة للجماهير، فقد يستمتع بها ولكن من الروح والرسالة الروحية المتجسدة في الأغنية الشعبية السوداء.

الفن والجمال والدعاية:

مقال دو بوا معايير الفن الزنجي (Criteria of Negro Art) الذي نشر في عام 1925 هو أهم مساهماته في فلسفة الفن، وهذا المقال هو أوضح بيان لدو بوا عن خلافه مع الفيلسوف وعميد نهضة هارلم آلان لوك حول العلاقة بين الفن والدعاية، وضد وجهة نظر لوك القائلة بأنّ العبقرية والموهبة يجب أن تختار الفن وتضع الدعاية جانبًا، قال دو بوا: “أنّ كل الفن هو دعاية ويجب أن يكون دائمًا”، وموضوع النقاش الكبير بين دو بوا مع لوك هو دور الفنون في خلق الاحترام للأشخاص الذين يعانون من الإذلال وكراهية الذات.

يدّعي دو بوا أنّ الفنانين يعتمدون على الجمال لتوصيل الحقيقة والخير (في جميع جوانبها من العدالة والشرف والحق)، وفي الحالة الأولى لتعزيز التفاهم العالمي وفي الحالة الثانية لكسب التعاطف والاهتمام الإنساني، ويكتب أنّ: “رسول الجمال يصبح هكذا رسول الحق والحق ليس بالاختيار بل بالإكراه الداخلي والخارجي، وهو حر ولكن حريته مقيدة بالحقيقة والعدالة”.

بالنظر إلى هذه الادعاءات من منظور تعبيري دو بوا يفسر تايلور بشكل معقول دو بوا على أنّه يجادل بأنّه لأنّ الفنانين متورطون جدليًا في شبكات أوسع من المعنى فيما يتعلق بالحق والعدل، ويجب أن يخلقوا أنفسهم كأفراد من خلال العمل على توجههم نحو هذه الشبكات وكل الفن هو دعاية، ووفقًا لهذا الحساب لا يمكن لأي عمل فني أن يدعي بشكل معقول اشتقاق محتواه من مجال متميز وغير منتهك للقيمة الجمالية، لأنّ كل الفن يستمد محتواه من المجال العام ذي القيمة الأخلاقية السياسية التي يجب على الفنان أن يستجيب لها بشكل خلاق.

تُجبر الفنانة في آنٍ واحدٍ ظاهريًا وداخليًا على شبكات المعاني التي تثقل كاهلها، لأنّه بينما تفرض شبكات المعنى هذه نفسها من الخارج، فإنّ الفنانة تعاني منها كمعايير تشكل داخلها كموضوع، والحرية التي يمكن لرسول الحق والحق أن يطالب بها فيما يتعلق بهذه المعايير هي أقرب إلى التشريع الذاتي، كما إنّها الحرية التي تتمتع بها في الاستجابة لها بشكل خلاق في تحديد علاقتها بهم وفي الواقع جعلها خاصة بها.

من خلال ممارسة حريتها أخيرًا ومن خلال إنشاء أعمال فنية جميلة تعزز غايات التعاطف والفهم العالمي، قد تتعهد الفنانة بتوسيع الآفاق الأخلاقية والمعرفية للمخاطبين المقصودين، وبالتالي توسيع قدرتهم على الحكم، وعند تأليف كتاب مثل النفوس على سبيل المثال تعهد دو بوا بتوسيع قدرات نظرائه البيض للتعاطف مع وتقييم المعاناة في أرواح الأمريكيين السود.

ما هي طبيعة الجمال حتى يتمكن من تحقيق هذه الغايات من خلال إيصال الحقيقة والخير؟ لم يذكر دو بوا أبدًا إجابة واضحة على هذا السؤال، ولكنه يقدم أدلة على إجابة في عن الجمال والموت (Of Beauty and Death)، حيث في هذا المقال وهو أكثر تأملاته المستمرة حول طبيعة الجمال، يقارن دو بوا الجمال بالقبح والكراهية والمرض بكل تناقضهما وغير المنطقي، ويكتب: “هو اكتمال ويرضي كما إنّه دائمًا جديد وغريب وإنّه الشيء المعقول”.

ربما تكون وجهة نظر دو بوا تعبيرية حيث أنّ الجمال يرضي من خلال توضيح أفكارنا عن الحقيقة (في نفس الوقت متسقة ومعقولة) والخير (عكس الكراهية والمرض)، وذلك يعني بتجسيد تلك الأفكار في أعمال فنية جديدة ومقلقة.

المصدر: William Edward Burghardt Du Bois (1868—1963)W.E.B. Du BoisByerman, Keith E. Seizing the Word: History, Art, and Self in the Work of W. E. B. Du Bois (Athens: University of Georgia Press, 1994).Du Bois, W. E. B. Black Folk, Then and Now (Millwood, N.Y.: Kraus-Thomson Organization Limited, 1975).


شارك المقالة: