فلسفة كافنديش في حجة التقلب والحيوية

اقرأ في هذا المقال


بالإضافة إلى التزامها بالفلسفة المادية بذلت الفيلسوفة مارجريت لوكاس كافنديش جهدًا لرفض موقف كان غالبًا مرتبطًا بالمادية في القرن السابع عشر أي موقف الآلية، ويمكن فهم الآلية على أنّها وجهة نظر مفادها أنّ العالم الطبيعي وكذلك البشر يتكونون من مكونات مادية موحدة تتفاعل وفقًا لقوانين الحركة والاصطدام، ويمكن العثور على بيان واحد من هذا الرأي والتي كانت كافنديش مألوفًا به في الفصول الافتتاحية لكتاب توماس هوبز (Leviathan)، وقدم رينيه ديكارت أيضًا وصفًا ميكانيكيًا للعالم الطبيعي بصرف النظر عن التزامه بوجود الأرواح غير المادية للبشر بالطبع.

سمات العالم الطبيعي:

جادلت كافنديش بأنّ الآلية لا يمكن أن تكون وصفًا دقيقًا للعالم الطبيعي، لأنّها لا تستطيع تفسير العالم الذي نراقبه بشكل صحيح، وزعمت أنّ سمتين بارزتين للعالم الطبيعي هما التنوع والنظام، فالعالم من حولنا مليء بمجموعة واسعة من أنواع مختلفة من المخلوقات والأشياء وكل منها يؤدي أنشطة مميزة أو يحمل خصائص مميزة، وعلى الرغم من وفرة العالم الطبيعي إلّا أنّه كان منظمًا أيضًا.

إذا فهمنا طبيعة كائن أو مادة معينة فيمكننا التنبؤ بنجاح بكيفية تصرفه أو تفاعله مع محفزات معينة، واستنتجت كافنديش أنّه إذا تم تشكيل العالم في نهاية المطاف من مادة موحدة يتلقى وينقل الحركة بشكل سلبي، ووفقًا لقوانين الاصطدام الرياضية فيجب أن يكون الكون إما متجانسًا تمامًا أو فوضويًا تمامًا، وبعبارة أخرى إذا كانت المادة المنفعلة والموحدة التي تنقل الحركة هي في الحقيقة كل ما كان علينا شرح الطبيعة فلن نكون قادرين على تفسير تنوعها ونظامها فستفتقر إلى أحدهما أو الآخر.

وبدلاً من ذلك زعمت أنّ الأجزاء المختلفة من المادة المادية اللانهائية تحمل درجات مختلفة من الحركة بطبيعتها، ولا يمكنهم نقل الحركة مباشرة من جسم إلى آخر لأنّ الحركة هي خاصية للجسم الذي يمتلكها وليست كشيء يمكن أن يوجد بمعزل عن جسده، وبالتالي لا تستطيع الهيئات الفردية إعطاء أو تلقي اقتراحاتهم، ومن ثم فإنّ الظواهر التي نلاحظها لا يمكن تفسيرها بالرجوع إلى قطع منتظمة من المادة تتبادل الحركة عبر الاصطدام.

تشرح أن ما نراه يشبه الرقص حيث يتحرك كل جسم وفقًا لمبدأه الداخلي المميز بحيث يمكن للراقصين على حلبة الرقص إنشاء نمط، فمثلًا عندما تشرح الإدراك تدعي أنّ الأرواح العقلانية تتدفق داخل وخارج الجسد من خلال العينين وتلمس الشيء الذي يتم إدراكه مختلطًا مع الأرواح العقلانية الموجودة فيه، فالكائن الذي يمتلك أرواحه وحركاته المميزة يرقص بنمط أمام الأرواح العقلانية التي تتدفق عائدة إلى العينين، ثم تأخذ هذه الأرواح العقلانية الرقص بنفسها وتتدفق عائدة إلى الدماغ وتستمر في الرقص، والتي تعتبرها كافية لإدراك العقل للشيء بفضل احتواء العقل على الرقص أو النمط المميز.

في هذه الأعمال المبكرة أوضحت أيضًا أنّ الأرواح العقلانية تنسخ هذه الرقصات بناءً على (التعاطف الطبيعي) بين الأجسام المجاورة لا سيما بين الأرواح العقلانية للمدرك والشيء المدرك، ولاحظت أنّه خلال حساب الإدراك هذا لا تنتقل الحركة أبدًا من جسد إلى آخر، وبدلاً من ذلك تؤخذ الحركات والرقصات من النشاط الداخلي للأرواح العقلانية أي من طبيعة المادة المتحركة، وتتحرك المادة نفسها وفقًا لطبيعتها وتبدأ التغييرات في حركتها عبر التعاطف الطبيعي.

حجة التنوع والانتظام:

ومع ذلك بحلول ستينيات القرن السادس عشر استبدلت إلى حد كبير استعارة الرقص بمصطلحي (التقليد) و(الاكتشاف)، والأخير بمعنى تتبع أو نسخ شكل أو نمط مميز للحركة، ومع ذلك فإنّ الحساب هو نفسه إلى حد كبير، ويمكن إعادة بناء حجتها من الملاحظات على النحو التالي:

1- تتحرك الأجسام بطرق منظمة ومتغيرة بلا حدود.

2- إما أن تحركها الأرواح أو تحركها الأجساد.

3- ولكن ليس الأرواح لأنّ ذلك أمر غامض فكذلك تكون الأجساد.

4- إذا كانت الحركة الجسدية تخرج من الجسد، وجب أن تصدر من مادة جامدة (آلية) أو من مادة نشطة (حيوية).

5- لكن ليست المادة غير الحية (الآلية) بالنسبة للحساب الآلي للحركة الجسدية (مثل أرواح الحيوانات والجسيمات الدقيقة غير الحية التي تنقل القوة)، ولا يمكنها تفسير التنوع اللانهائي والانتظام في النشاط في الطبيعة.

6- لذلك يجب أن يكون السبب الجسدي للحركة هو مادة ذوات الجسم، والتي يُزعم لها القدرة على إنتاج مجموعة متنوعة لا حصر لها من التأثيرات المنظمة.

هذا ما يمكن أن يسمى الحجة من تنوع وانتظام الطبيعة للمادة ذاتية الحركة، تتضمن المقدمة رقم 5 الحجة القائلة بأنّه إذا كان العالم قد تم تشكيله في نهاية المطاف من مادة موحدة، ويستقبل وينقل الحركة بشكل سلبي، ووفقًا لقوانين الاصطدام الرياضية فيجب أن يكون الكون إما متجانسًا تمامًا أو فوضويًا تمامًا، وفي هذه الحجة حول المادة ذاتية الحركة تظهر العديد من الموضوعات المركزية لفلسفة كافنديش الطبيعية من حيث رفضها المادي للأسباب غير المادية وإنكارها للتفسير الآلي والحيوية الناتجة عنها.

ميزة أخرى مهمة لفلسفتها الطبيعية والتي تظهر بشكل واضح بشكل خاص عندما تنتقد الآلية، وهي رفضها أخذ الفيزياء الرياضية كنموذج، في حين يمكن وصف الفلسفة الطبيعية الديكارتية والهوبزية بأنّها محاولات لفهم الطبيعة باستخدام الاستعارات وأنماط التفسير المأخوذة من الفيزياء الرياضية الجديدة، وتستمد كافنديش بدلاً من ذلك من مصادر أخرى لا سيما تجاربها الشخصية مع حياة الريف وبشكل أقل مباشرة علوم الحياة.

فلسفة كافنديش الطبيعية والبيولوجيا:

عند شرح الظواهر الطبيعية غالبًا ما تشير إلى سلوكيات الحيوانات والبشر بالإضافة إلى وعيها بالظواهر النباتية، ولقد ذكرت في الواقع في خمسينيات القرن الماضي أنّ جيرالدز هيربال وهو كتاب مرجعي نباتي وكان العمل العلمي الوحيد الذي قرأته، وربما لهذا السبب غالبًا ما شرحت سلوكيات الأرواح المنطقية للحيوان أو النبات من حيث سلوكياتهم على المستوى الكلي، وليس من منظور التفسير الذري أو الجسدي والرياضي.

بحلول الستينيات من القرن السادس عشر على الأقل نعلم أنّها قد قرأت وشاركت في أعمال نشطاء حيويين آخرين ومناهضين للميكانيكا مثل الكيميائي يوهانس بابتيستا فان هيلمونت، ومع ذلك حتى قبل ذلك الوقت كان تفضيلها للاستعارات البيولوجية على استعارات الفيزياء الرياضية واضحًا.

يمكن أيضًا ملاحظة تفضيل كافنديش للأنماط البيولوجية للتفسير في مذهبها العضوي، حيث إنّها لا تنكر النزعة الذرية فحسب، بل تجادل أيضًا بأنّ أجزاء من الأجسام تمتلك جزئيًا حركاتها وطبيعتها المميزة بحكم النظم العضوية الأكبر التي توجد فيها، فقدمت حجة ليست للنزعة العضوية وبدلاً من ذلك فهي تعني أن توضح وجهات نظرها حول الأفراد بشكل عام على سبيل القياس.

على الرغم من أوجه التشابه بين حيويتها مع فان هيلمونت أو ربما هنري مور وتحيد كافنديش عنها أيضًا في التزامها بالمادية، وفي الواقع تفسر الحياة في الطبيعة من خلال الادعاء بأنّ كل الحركة هي الحياة، حتى في أول عمل لها عام 1653، وتقول إنّ البشر أحياء لأنّهم كائنات مادية تتكون من مادة بدرجات متفاوتة من الحركة وتتحرك بنمط مميز.

بالنسبة لكافنديش هذا هو كل ما يحتاجه شيء ما ليكون على قيد الحياة، ولاحظت مع ذلك أنّ كل الأشياء في الطبيعة من البشر والحيوانات والنباتات وصولاً إلى المعادن والمصنوعات اليدوية هي الأشياء التي هي عليها، لأنّها تتكون من مادة ذات أنماط ودرجات حركة مميزة، وفي هذا الصدد تشبه هوبز على الرغم من أنّها سترفض في النهاية نظرته الآلية للمادة، خاصة مع وجهة نظرها بأنّ كل المادة تتحرك ذاتيًا.

لذلك قد نقول إنّ فلسفة كافنديش الطبيعية ملتزمة بالحيوية الشاملة أو الروحانية أو حتى كما قال كودوورث لاحقًا (hylozoism)، ولكن يجب أن نتذكر أنّ وجهة نظرها تنحرف عن أفلاطونيين كامبردج وفان هيلمونت في إنكارها أنّ مبادئ الحياة يجب تفسيرها بالرجوع إلى القوى أو الكيانات أو الخصائص المادية، وكل المادة هي إلى حد ما حية وكل الطبيعة مشبعة بمبدأ الحياة ولكن مبدأ الحياة هذا هو مجرد حركة.

فلسفة كافنديش في موضوع المرض:

وهكذا تقدم كافنديش حسابًا انكماشًا إلى حد ما للحياة كحركة وفي هذا الصدد قد تشبه فلسفتها الطبيعية هوبز أو ديكارت، وعلى الرغم من هذا التشابه ترفض كافنديش مجددًا آليتها في إنكارها للحتمية حتى فيما يتعلق بالتفاعل الجسدي، وعلى الرغم من أنّها تناشد في كثير من الأحيان تنظيم وانتظام الطبيعة في الدفاع عن نظريتها عن المادة ذاتية الحركة، فإنّها تدرك أيضًا وجود اضطراب في الطبيعة كما هو الحال في المرض.

في الواقع تشرح المرض على أنّه تمرد جزء من الجسم ضد الكل، موضحة أنّ بعض أجزاء المادة قد اختارت بحرية حركات بديلة وبالتالي عطلت الكل المتناغم، وباختصار تنسب كافنديش الحرية التحررية ليس فقط إلى الوكلاء البشريين ولكن حتى إلى أجزاء من المادة نفسها، موضحًة سلوكيات الكائنات باستعارة اجتماعية (سياسة الجسد)، وقد نقول إذن إنّها تستمد من تجارب العالم البيولوجي والنباتي لشرح ما وراء الطبيعة، ولكنها تدمج أيضًا إحساس هوبز بالجسد السياسي في الميتافيزيقيا الخاصة بها وبذلك تعزز رفضها لوجهة النظر الآلية للعالم.

ومع ذلك لا تتوقف كافنديش عند شرح مبدأ الحياة بالرجوع إلى درجات الحركة في المادة، لأنّها تدعي أيضًا تفسير التمثيل العقلي والمعرفة في النهاية بهذه الطريقة، وعندما يحدث نمط معين من الحركة في الدماغ على سبيل المثال من خلال الإدراك يدرك الشخص الشيء، بحيث أن يكون لدى الشخص فكرة عن الشيء هو فقط لاحتواء دماغه لحركته المميزة.

بشكل عام تعتبر أنّ وجود مثل هذه الحركات المنقوشة في المادة يعني أنّ المادة المذكورة لها معرفة على الأقل بمعنى ما، ومع ذلك تجادل أيضًا بأنّ مثل هذه الحركات يمكن العثور عليها في جميع أنحاء الطبيعة فلكل جسم حركاته المميزة الخاصة به، ولهذه الأسباب فإنّ مادية لها الحيوية تتناسب بشكل جيد مع روعتها الشاملة.

المصدر: Margaret Cavendish (1623—1673)Margaret Lucas CavendishMargaret Cavendish, Duchess of Newcastle-upon-TyneAugustine, On Free Choice of the Will, Thomas Williams (ed. and trans.), Indianapolis and Cambridge: Hackett Publishing Company, 1993.Cavendish, Margaret, Philosophical Fancies, London: printed by Thomas Roycroft for J. Martin and J. Allestrye, 1653.Cavendish, Margaret, The World’s Olio, London: printed for J. Martin and J. Allestrye, 1655.Cavendish, Margaret, The Description Of A New World, Called The Blazing World And Other Writings, ed, Kate Lilley. London: William Pickering, 1992.Battigelli, Anna, 1998, Margaret Cavendish and The Exiles of the Mind, Lexington: The University Press of Kentucky.


شارك المقالة: