قصة آنيوتا

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من من روائع الأدب الروسي التي صدرت عن الأديب الروسي أنطون تشيخوف، وقد تناول من خلال مضمون القصة الحديث حول قصة فتاة تعمل في مجال الحباكة، تقيم في إحدى الغرف المستأجرة ويقيم معها طلاب من الجامعة، أكثر شخص رغبت في الاستمرار بالبقاء معه بالغرفة هو أكثر الأشخاص سوءًا فيما بينهم.

قصة آنيوتا

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول شاب وفتاة كانا يقيمان في إحدى الغرف المستأجرة في مدينة لشبونه، وقد كان الشاب يدعى ستيبان وهو ما زال طالب في السنة الثالثة في كلية الطب، بينما الفتاة كانت تعمل في مجال الحباكة، وفي يوم من الأيام كان الطالب يجول في الغرفة هنا وهناك في حالة تفكير في تلك المواد التي يقوم بدراستها، والتي كانت تتطلب منه مجهود شاق.

وفي أحد أركان الغرفة كانت هناك تجلس الفتاة التي تدعى آنيوتا إلى جوار النافذة على كرسي، وقد كانت فتاة نحيلة الجسد صغيرة الحجم تتميز بشعرها الأسود وعيناها الرماديتان، وفي تلك الأثناء كانت تقوم بحباكة ياقة قميص رجالي بخيوط حمراء، وفي لحظة من اللحظات دقت ساعة معلنة عن الثانية بعد الظهر، وحينها كانت الفتاة لم تهم بترتيب الغرفة بعد، وقد كان حينها كل شيء بالغرفة مبعثر من سرير وكتب وملابس وقمامة، وقد كان منظر الغرفة يوحي بأن أمر تراكم كل ذلك وكأنه مقصود.

وفي تلك الأثناء قال الطالب بصوت عالي: الرئة اليمنى لجسم الإنسان تتألف من ثلاثة أجزاء، فالجزء العلوي وهنا رفع عينيه باتجاه السقف في محاولة منه لتصور ما قرأه لتوه، وحينها لم يجد أي تصور واضح لما قرأه، فقام بتحسس ضلوعه العليا من فوق القميص، ثم بعد ذلك قال: هذه الضلوع تشبه إلى حد كبير مفاتيح آلة البيانو، ولكن من أجل أن لا يحدث هناك أي خربطة ينبغي علي أن أدرسها على الهيكل البشري لشخص حي.

وهنا نظر إلى شريكته في الغرفة قائلًا: هيا اخلعي سترتك، وحاول أن يقوم بالدراسة عليها، وبالفعل قامت بخلع سترتها واستقامت وفي تلك اللحظة جلس الطالب أمامها وأخذ يعد أضلاعها وقال: الضلع الأول لا يمكن تحسسه لأنه خلف الترقوة، بينما الضلع الثاني يمكنني تحسسه، وهذا الضلع الثالث، وهنا وفجأة سأل الفتاة: لماذا تنكمشين؟

فأجابته قائلة: لأن أشعر ببرودة أصابعك، فرد عليها: لا تخافي لن تموتي، وأكمل عد الأضلاع وهو يتمتم بقوله: أنت نحيفة جدًا، لكن هذا لا يصعب علي أمر تحسس أضلاعك، ولكن ما حدث أنه تاه في العد، فقرر أن يحدد تلك الأضلاع وجاء بقطعة من الفحم وبدأ يخطط على صدر جسدها النحيل صورة الضلوع بشكل متوازي، وبعد أن أتم تسطير ضلوعها أصبح بإمكانه تصورها، وفي لحظة ما طلب منها الوقوف، وقد انغمس في تصوره ولم يدرك أنها أصبحت باردة جداً، إلى درجة أنها ازرقت شفتيها من شدة البرد، وعلى الرغم من كل ذلك لم تتمكن من الاعتراض؛ وقد كان ذلك بسبب شدة خوفها من أن يتوقف عن الرسم وبالتالي يرسب في الامتحان بسببها.

وبعد لحظات قليلة قال لها الطالب: الآن أصبح كل شيء واضح جداً، بإمكانك الجلوس ولكن لا تقومي بسمح أي خط من تلك الخطوط، وأنا بدوري سوف أقوم باسترجاع ما قرأته لبعض الوقت، وهنا عاد مرة أخرى يجول بالغرفة هنا وهناك، بينما الفتاة منكمشة في مكانها من شدة البرد، كما كانت ملتزمة الصمت وكثيرة التفكير.

وعلى الرغم من أن تلك الفتاة قد استضافت في تلك الغرفة العديد من طلاب الجامعات، إلا أن ستيبان كان أسوأهم، وفي ذلك الوقت كان ينبغي عليها أن تقوم بالانتهاء من عملها في الخياطة بسرعة جدًا، إذ يجب عليها تسليمه لصاحبة، وأخذ أجرها من أجل أن تشتري بعض الأمور التي تنقص الغرفة من شاي وسكر، وفي تلك الأثناء جاء صوت من جهة الباب متردد يطلب الاستئذان بالدخول.

وهنا سرعان ما قامت آنيوتا بإلقاء قطعة من الصوف لتغطي به كتفيها، وقد كان ذلك الطارق طالب آخر مجاور لهم في الغرفة يدعى فيتيسوف، وقد جاء من أجل الطلب من ستيبان أن يقوم بالسماح له بأن يعيره شريكته في الغرفة لمدة ساعتين؛ وقدر برر ذلك بأنه يقوم برسم لوحة وقد استصعب الأمر قليلاً ويحتاج إلى مساعدة موديل حي وليس جماد، وافق ستيبان على طلبه وأمر صديقته بالذهاب معه، فقامت بارتداء ثيابها، وبعدها استدار ستيبان نحو زميله وسأله: وما الموضوع الذي تقوم برسمه؟.

وهنا أجابه الزميل: حول الجنون فهو من أجمل المواضيع، ولكنني في البداية كانت هناك العديد من أساليب لي برسمه، إلا أنني لم أوفق في رسمه، والآن مضطر إلى أن أرسمه بالعديد من الموديلات المختلفة، فهكذا قد طلب مني، وماذا عنك أما زلت تستظهر يا لك من طالب صبور، فرد ستيبان: أن الطب علم لا يمكن تخطيه دون استظهار.

وهنا قال الرسام:  إنني اعتذر منك يا ستيبان لما سوف أقوله، ولكنني مجبر على قوله من ذلك المنظر الذي أراه أمامي، إنني أشعر أنك تعيش حياة تماماً مثل حياة الحيوانات، فانظر من حولك سريرك غير مرتب والأوساخ والقمامة هنا وهناك في كل مكان في الغرفة يا لفظاعة المنظر، وعلاوة على ذلك كله إن عصيدة البارحة ما زالت في الطبق، وهذا لا يدل أبداً على أنك رجل متحضر، فالرجل الذي يبدو أنه متحضر يجب أن يكون محبًا للنظافة والنقاء، وقد قال فيتيسوف كل ذلك وهو ينظر باشمئزاز إلى كل ركن من أركان الغرفة وغادر الغرفة برفقة مع آنيوتا.

ثم بعد ذلك استلقى ستيبان على الأريكة وأخذ باستظهار كل أمر حول دراسته، وفي لحظة ما خلد إلى النوم دون إرادته، وبعد أن أمضى ساعه في نومه استيقظ وأخذ بالتفكير من جديد وسرح بخياله وعلى وجه التحديد في مستقبله، إذ تخيل نفسه وسط عيادته الخاصة يستقبل مرضاه، وأنه في ذلك الوقت أصبح متزوج من فتاة جميلة ومرتبه جداً، كما تخيل أنه يجلس معها في غرفة الطعام يتناولان الشاي معاً، على العكس تماماً من تلك الحالة التي يعيشها في الوقت الحالي، إذ كان محق زميله الرسام بحديثه عنه أنه يعيش بوضع قذر وفظيع، كل ما حوله مقيت للغاية، وهنا فكر في أنه ينبغي عليه أن يقطع علاقته بآنيوتا على الفور.

وحينما رجعت آنيوتا من عند زميله الرسام وقد كانت في تلك الأثناء منهكة للغاية من كثرة وقوفها بوضعية واحدة لمدة طويلة، فهمّت بخلع معطفها، وهنا تحدث معها ستيبان بشكل جدي وقال: علينا أن نفترق فأنا لا أرغب بالاستمرار في الإقامة معك، وحين سمعت الفتاة بذلك أخذت معطفها ولملمت أغراضها من خيوط وإبر وقالت له وهي تحتبس دموعها: كما تريد.

وهنا سألها الطالب وقال: لماذا تهمين بالبكاء؟ فأنت فتاة جميلة وذكية، ومن المؤكد أنك تعلمين أننا سوف نفترق في يوم من الأيام، فاستدارت لتودعه، ولكن هنا شعر ستيبان بالشفقة اتجاهها وقال لها: إذا رغبتي في البقاء فلك ذلك، وإذا رغبتي بالذهاب فعليك بذلك، وأخيراً خلعت معطفها وهو يسيطر عليها الصمت والهدوء، ثم جلست وأخذ هو يستظهر الجزء العلوي من عضلة الحجاب الحاجز.

المصدر: كتاب الأعمال القصصية - أنطون تشيخوف - 2009


شارك المقالة: