قصة أيزرهادن

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من الروائع الأدبية التي صدرت عن الأديب الشهير ليو تولستوي، وقد تناولت في مضمونها حول أحد الملوك المتغطرسين، حيث أنه كان ذلك الملك يعتقد أنه يسلب حياة الآخرين، إلى أن جاء اليوم الذي ظهر له شبح وأثبت له أن حياة الآخرين ليست بيده، وأنه لا يمكن أن ينزع الحياة من أحد.

قصة أيزرهادن

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول أحد الملوك، حيث أن ذلك الملك يعرف باسم الملك أيزرهادن، وما هو معروف بأنه ملك آشوري، ففي يوم من الأيام انقض هذا الملك على إحدى البلاد مثل انقضاض الوحوش تماماً على الناس، إذ قام بتعذيبهم وهمّ بكل ما يمتلك من قوة بتخريب المدن وأخذ كل ما فيها من ناس وألقى بهم في سجونه كأسرى وعرضهم إلى أشد أنواع التعذيب، وألقى القبض على ملك تلك البلاد وزج به في السجن.

وفي إحدى الليالي بينما كان يجلس ويفكر في أشنع طريقة لقتل الملك الأسير بين يديه سمع صوت حفيف يقترب منه، وحينما رفع عينه إلى أعلى وجد أمامه شبح لرجل طويل القامة يتميز بلحية كثيفة يطغو عليها اللون الأبيض، إلا أن ذلك الشبح كان في عينيه سلام وأمان ولم يشعر الملك الأشوري بالخوف والذعر منه، فقال له الملك: خبرني كيف السبيل إلى تعذيب الملك، فقال له الشبح: ولكنه أنت: فقال له الملك: ماذا تقصد بقولك أنه أنا؟

فرد عليه الشبح: إنك ليللي، إلا أن الملك رد عليه بقوله: هل أصبت بالجنون إن ليللي هو ليللي، وإنما أنا هو أنا، فقال له الشبح: يا صاحبي فأنت وليللي كل لا يتجزأ عن بعضه البعض، فقال الملك: ولكني لا أفهم ما تقصد أنا أجلس وسط قصري وجواري، بينما ليللي هناك في سجنه وفي صباح يوم الغد سوف أعزم على قتله أمام الجميع بأشنع طريقة، فقال له الشبح: ولكنه ليس بإمكانك لن تسلبه الحياة.

وهنا قهقه الملك بصوت عالي وقال: إذن ما رأيك في الأربعة عشر ألفًا من الجنود الذين قتلتهم، فأين هم في الوقت الحالي، لقد قتلتهم وليس لهم أي وجود على وجه الأرض، فرد عليه الشبح: وما يدريك أنهم ليس لهم أي وجود، فقال الملك: إنني لا أشاهد أياً منهم الآن، فلقد شبعت الطيور في يوم الأمس من جثثهم، فقال الشبح: أنت تعيش في الوهم وكل ما فعلته هو أنك قتلت نفسك، فقال الملك: كيف؟ فرد الشبح: أتريد أن تدرك ما حصل، قال الملك: نعم.

وفي تلك الأثناء أشار الشبح إلى إناء فيه كمية من الماء وقال للملك: انهض وأجلس فيه، وبالفعل نهض الملك وجلس بداخل الإناء وأمسك الشبح بقارورة مليئة بسائل، وقال الشبح للملك: أحنى رأسك وقام بسكب السائل عليه، وإذ به يرى نفسه متكأ على سرير إلى جانب سيدة عرف أنها زوجته، ثم بعد ذلك نهضت السيدة وقالت للملك: إن ليللي هو زوجي، لقد شاهدت أعمالك المعقدة يوم أمس، وقد أنهكت قواك وفرحت كثيراً في النوم، انهض يا مولاي إلى البهو الأعظم حيث الحكماء والأمراء ينتظرونك هناك.

وفي تلك اللحظة قال الملك قد ضمر في نفسه أنه ليللي بالفعل، وقد أصيب بالدهشة والذعر كيف أنه لم يتمكن من التعرف على ذاته من قبل، ثم بعد ذلك تهاوى للبهو الأعظم فحيا الأمراء ملكهم ليللي ثم جلسوا بعد أن سمح لهم، وفي تلك الأثناء استهل كبير الوزراء الكلام وقال أمام الجميع: من المستحيل أن نتغاضى جميعنا وتتغاضى الملكة عن الإهانات التي وجهها ملك الآشوريين، ولا بد من الرد عليه بالحرب.

وحينما سمع الملك ليللي هذا الكلام من رئيس الوزراء انتفض من مكانه وقال: إن الأمور لم تحل بتلك الطريقة، فالتصرف ينبغي أن يكون بالسلام لا بالصدام، وفي تلك اللحظة أصدر الملك الأوامر بأن يرسل له مبعوث من أجل التفاوض، كما قام بتزويد المبعوث بما ينبغي أن يقوله ويصرح به، ومنذ ذلك اليوم وقد انتظر الملك عدة أسابيع لعودة المبعوث، إلا أن المبعوث عاد بعد شهر، وعند عودته كان من دون أنف ولا أذان، فقد أخذهم الملك الآشوري رهينة؛ وذلك من أجل أن يقول لقومه أن ما حل به سوف يحل بهم، وفي تلك الأثناء سرعان ما جمع الملك ليللي أمرائه وتشاوروا في الأمر، إلا أن توصلوا أن الحل الوحيد مع الملك الآشوري هو إعلان الحرب عليه وعلى قومه.

ولم يستمر الأمر طويلاً إذ بعد مرور أسبوع واحد بالتمام تقابل الجيشان في إحدى الوديان المكشوفة، وقد دافع الملك ليللي دفاع الأبطال عن قومه، إلا أنه سرعان ما تم تعرضه لإصابة وأخذه كأسير حرب، ولكن على الرغم من كل ما تعرض له، إلا أنه لم يعاني من الآسر والجروح والجوع بقدر معاناته من آلام الروح، ومكث في السجن ما يقارب اثنا عشر يومًا بانتظار الموت، إلى أن جاء اليوم الذي سمع به صوت السلاسل وفُتح باب السجن ودخل جنديان فنهض الملك وكبلوه بالحديد وساقوه إلى ساحة الإعدام.

ثم بعد ذلك توجهوا به نحو منصة الإعدام، وفي تلك اللحظة صاح الملك ليللي وقد فقد كامل شجاعته وهمّ بالبكاء، وسرعان ما وقع على أقدام الجلادين يطلب منهم الرحمة والعفو، ولكن لا مجيب، وهنا صاح الملك بأعلى صوته لا يمكن إنه حلم، وفي تلك اللحظة صاح الملك إيزرهادن وقال: يا إلهي كم عانيت من هذا العذاب وكم طال هذا الكابوس، فرد عليه الشبح: كم طال الكابوس إنه لحظة دون غفوة العين، فهل فهمت الآن.

وفي النهاية نظر الملك نظرة رعب للشبح ولكن لم ينطق بأي حرف لبضع دقائق، فقال له الشبح: هل صدقت أن ليللي هو أنت وأن الجنود الذين عذبتهم وقتلتهم ليسوا أمواتاً، وإنما ذنبهم يقع على عاتقك، إنك تعتقد أيها الملك أن الحياة تجري في عروقك وحدك، إنما حياتك جزء من حياة الناس عامة، ولا بد ان يجيء اليوم الذي يحين به دورك، فأجبني هل بإمكانك أن تجعل الحياة أسوأ مما هي أو أحسن مما هي، هل بإمكانك أن تمدها لتصبح أطول، فما بمقدورك أن تحقق الحياة، هل بإمكانك أن تسعى لتحطيم الحواجز بين الآخرين وحياتك، وأن تنظر إلى الآخرين النظرة التي تنظرها لذاتك وتكن لهم المحبة كما لو كانوا جزء لا يتجزأ منك.

إن من أكثر الأخطاء التي ارتكبتها في حياتك أن تعتقد أن حياة الآخرين الذين قتلتهم قد اختفت، لأنك لا تشاهدها بنفسك، فسر الحياة أنك لا تعرف الزمان والمكان فحياتك وحياة الكائنات واحد، ومن المستحيل أن تهب الحياة لأحد، فالحياة هي الشيء الوحيد الذي يوجد إلى الأبد، قال الشبح هذا الكلام واختفى تماماً.

وفي صباح اليوم التالي أصدر الملك أيزرهادن أمرًا بإطلاق سراح الملك ليللي وإلغاء كل أحكام الإعدام مدى الحياة في بلاده، ثم بعد ذلك استدعى ابنه وتنازل له عن العرش والحكم، وخرج هو إلى الغابات يتأمل جمال الطبيعة وإبداع الخالق، وطاف بين البلاد والمدن لكي ينشر أن الحياة واحدة ولا يمكن لأحد أن يمنحها للآخر.

المصدر: كتاب قصص مختارة لليو تولستوي من قسم الروايات والقصص الأدبية


شارك المقالة: