قصة البرميل الصغير

اقرأ في هذا المقال


تُعد هذه القصة من القصص القصيرة الرائعة التي صدرت عن الأديب غي دي موباسان، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول حادثة مكر وخداع تعرضت إليها إحدى السيدات من أقرب الناس إليها، وهو شخص كانت قد ربيته على يديها في القديم حينما توفي والداه وهو صغير في العمر.

قصة البرميل الصغير

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسية وهو سيد يدعى المعلم شيكوا وهو ما كان صاحب نزل يعرف باسم نزل ليبريفيل، حيث أنه في أحد الأيام قام بإيقاف عربته أمام إحدى المزارع التي تعود ملكيتها إلى سيدة تدعى ماجلوار، كان السيد شيكوا رجل قوي ويقارب عمره على الأربعين، كما كان رجل محنك وماكر ويتم وصفه بين أبناء المنطقة بالثعلب، وفي تلك اللحظة قام بربط ربط حصانه إلى أحد الأعمدة الحاجزة ودخل إلى الفناء، كانت أرضه محاذيه إلى إحدى القطع الزراعية التي يطمع بامتلاكها منذ زمن طويل وقد حاول شراؤها مرات عدة، إلى أن صاحبتها والتي تدعى العجوزة ماجلوار كانت دائماً ترفض الأمر تماماً وتقول: ولدت فيها وسوف أبقى بها إلى أن أموت فيها.

كانت العجوز على الرغم من تقدمها في العمر إلا أنها سيدة نشيطة وباستمرار تقضي وقتها في العمل، كما أنها هي من ربت شيكوا في صغره، وفي تلك الأثناء جاء شيكوا وجلس إلى جانبها ملتزم الصمت بعد التحية، وبقي يراقبها وهي تتابع عملها في المزرعة، وفي تلك اللحظة بدا الضيق والتردد يبدو على ملامح شيكوا، وفي فمه كلام يحصره في داخله، وأخيراً نطق وقال للعجوز: أريد منك أن تبيعيني المزرعة، ولكن أريد منك في البداية أن تستمعي إلي حتى أنهي كلامي، ولكن تبقين تحتفظين بها، وهنا توقفت العجوز عن عملها وثبتّت نظرها نحوه، وقد تابع حديثه بقوله: سوف أقدم لك كل نهاية شهر مئة وخمسين فرنك، وهذا الأمر لن يتغير شيء على الاطلاق، وتبقين في بيتك.

وبينما كان شيكوا ينظر إليها وهو يغمره السرور كانت العجوز تحدق النظر إليه بكل حذر، حيث أنها كانت تبحث عن الفخ الذي يقوم بنصبه لها، وهنا استطرد حديثه قائلاً: سوف تمضين بقية حياتك بهذه المزرعة، وكل ما أريده منك أن تكتبي لي ورقة عند كاتب العدل توضحي به أن تلك المزرعة تعود لي من بعدك وليس لأبنائك.

وفي تلك الأثناء ظلت العجوز قلقة من الأمر، ولكنه قد وافق هواها، وهنا طلب منه أن يمهلها أسبوع من أجل أن تفكر في الأمر جلياً، ظلت السيدة ماجلوار تفكر في ذلك الموضوع على مدى أربعة أيام، وقد كانت تشتم رائحة الغدر من هذا الموضوع، ولكن أغواها ذلك المبلغ المالي الكبير الذي سوف يقع في جيبتها دون أي تعب أو مجهود منها، وأول ما قامت به هو أنها توجهت نحو كاتب العدل وسردت عليه عرض شيكوا، وهنا نصحها بالقبول والموافقة، ولكن طلب منها أن تشترط عليه بأن يدفع لها خمسين ريالاً بدلاً من ثلاثين، حيث أن مزرعتها تساوي ذلك المبلغ.

وفي ذلك الوقت سرّت العجوز بما سمعت وظلت تردد: خمسون ريالاً شهرياً، إلا أنها وعلى الرغم من الفرحة التي شعرت بها، إلا أنها كانت تخشى أمر لم تحسب حسابه، ولكن في النهاية طلبت تحضير العقد، وحينما جاء شيكوا من أجل أن يحصل على قرارها النهائي، ترددت كثيراً وقد كانت حجتها أنه لا يقبل أن يدفع خمسين ريالاً وأخيراً بعد إصرار شيكوا أعلنت له عن شروطها، وهنا ارتعش ورفض تماماً، إلا أنها سعت من أجل محاولة إقناعه، بقولها ربما لن أعيش أكثر من خمس سنوات، وفي النهاية وافق على طلبها.

ومنذ ذلك الوقت مرت ثلاث سنوات والعجوز في أحسن حال، وقد بدت وكأنها لم تكبر أبداً بينما شيكوا كاد أن ييأس من الدفع لتك العجوز، إذ كان يتخيل أنه يدفع ذلك المبلغ الكبير منذ زمن طويل، وقد كان يذهب بين الحين والآخر من أجل الاطلاع على وضع العجوز، وقد كانت بدورها تستقبله بعينين ماكرتين، وكأنها تهنئ نفسها بأنها تمكنت منه.

وفي أحد الأيام فكر في أن يدعوها لتناول الغداء عنده في المنزل، وقد تحجج بأن الناس بدأوا يثرثرون ويقولون أننا لم نعد أصدقاء كما كانا في السابق، وهذا الأمر يؤلمني أشد ألم، وحين تلبين دعوتني، فإن ذلك الأمر سوف يسعدني جداً، وبالفعل كانت بعد مرور ما يقارب على الأسبوع قد لبت العجوز دعوته، وحين قدمت إليه في منزله بدا يعاملها وكأنها سيدة عظيمة بكل ما في الكلمة من معنى، وقدم لها أفخم أنواع الأطعمة، لكنها لم تأكل إلا القليل، فهي كانت سيدة قنوعة منذ نعومة أظافرها، فقد قضت حياتها في تناول القليل من الحساء وكسرة من الخبز مدهونة بقليل من الزبدة.

ولكن بعد وجبة الغداء تلك أصر عليها شيكوا أن تقوم بشرب أي نوع من المشروبات، وبعد أن رفضت القهوة أصر عليها أن تشرب قليلاً من أحد أنواع الشراب المميزة لديه، وأوضح لها بأنه سوف يجلب لها من ذلك النوع الذي يبدو وكأنه حليب، وبعد أن حظي هذا النوع من الشراب على إعجابها وعدها شيكوا بأن يقدم لها قدح كامل منه، وأشار أنها يكن لها قيمة كبيرة بداخله، وهذا أقل ما يمكن أن يقدمه لها.

وبعد أن عادت تلك السيدة إلى المنزل بدأت كل يوم في الشرب من ذلك البرميل، وهنا كان يلاحظ كل من يزورها من سكان المنطقة وقد ثارت حولها الشائعات في أن السيدة ماجلوار كانت تتناول الكحوليات، إلى أن أوصل بها الأمر أن ترتمي في الطرقات وفي كل مكان تذهب إليه، ومنذ ذلك الوقت وقد توقف شيكوا عن زيارتها.

وحينما كان أحد من أهالي المنطقة يسأله عنها، كان يثور بداخله الغضب ويتهجم عليه ويقول: من التعاسة أن يرى الإنسان من كانت في مقام والدته أن تدمن على الكحول في مثل هذا العمر، ولكن حينما يشيخ المرء ويتقدم في السن لم تكن هناك جدوى من ردعه عن أي أمر، ولكن لا بد من أنه سوف ينقلب الدهر عليها.

وبالفعل في النهاية هذا كان ما حدث للسيدة العجوز، إذ أنه حينما حل فصل الشتاء كانت قد وقعت من شدة تناولها للكحوليات على كوم من الثلج، وبقيت على هذا الكوم دون أن يعلم أحد بحالها وتوفيت حينها، وأخيراً حصل شيكوا على ملكية المزرعة وقد شعر بالفخر من مكره، وأعلن قائلاً: تلك العجوز البلهاء لو أنها لم تدمن الكحول لعاشت أكثر من عشر سنوات.

المصدر: كتاب المفقودة مجموعة قصصية مختارة من الأدب الفرنسي - غي دي موباسان - 2015


شارك المقالة: