قصة الحفل الراقص

اقرأ في هذا المقال


تُعد هذه القصة من روائع الأدب الأميركي الصادرة عن الأديب العالمي ارنست همنجواي، وقد تطرق من خلال مضمونها للحديث حول هؤلاء الفاقدين للسعادة، إذ لم يكن فقدانهم للسعادة جراء عدم وجودها وحصولهم عليها، وإنما لعدم معرفتهم في كيفية استغلال تلك اللحظات السعيدة التي تمر بهم، وأن أكثر الأشخاص الذين تخلو حياتهم من حالات الاكتئاب والإحباط هم من يعرفون تماماً كيف يستغلون كل لحظة سعادة تمر بهم، مهما كانت تلك اللحظات من السعادة بسيطة ولحظات قليلة.

قصة الحفل الراقص

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في أحد الأيام بينما كان هناك جموع كبيرة من عناصر الشرطة يطوقون إحدى الأماكن التي يقام بها أحد المهرجانات الكبيرة والضخمة التي كانت مقامة في أحد القصور في المدينة؛ وذلك من أجل الحفاظ على الأمن في المنطقة وسلامة الزائرين والحضور في المهرجان، وقد كانت أبواب ذلك القصر مغلقة بإحكام، ويتم الدخول إلى القصر من خلال بوابة صغيرة توجد في جانب باب القصر، وإلى جانب تلك البوابة كان هناك الجدار يقف عليه شرطي يدعى لولوج، وعلى وجه التحديد عند مدخل تلك البوابة الصغيرة.

وقد كانت مهمة ذلك الشرطي أنه لا يسمح لأحد بالدخول إلى ذلك المهرجان إلّا من كان قد حصل على تذكرة مدفوعة مسبقاً، حيث يقوم باستلام التذكرة من يد الزائر، ومن ثم يقوم بتقطيعها إلى نصفين، يحتفظ النصف الأول ومن ثم يقوم بإعادة النصف الثاني للزائر، ثم بعد ذلك يقوم بتفتيش الزائر من أعلى رأسه إلى أسفل قدمه؛ وذلك خوفاً من أن تصادف يداه آداه معدنية تحت ملابسه، وبعد أن ينتهي من عملية التفتيش يقوم بدفع الزائر بكامل قوته إلى داخل البوابة الصغيرة، ومن هنا يتفرغ للقيام بذات الشيء مع الزائر الموالي، وقد كان هناك في تلك الأثناء هناك طابور طويل من المنتظرين على يسار الشرطي، وقد كانت ساعات قليلة ويبدأ الحفل.

وفي تلك الأثناء كان هناك داخل قصر المهرجان عدد كبير من الباعة، وبموازاتهم مع الزائرين كانوا يفوقونهم في العدد، وقد كان أغلب هؤلاء الباعة من فئة الأطفال وأكثر ما يقومون به من بيع هو المشروبات مثل الشاي والقهوة الجاهزة، وبعض الشطائر المحشوة بالبطاطا المقلية، إلا أنه ما كان مختلف في تلك البضاعة التي يقومون ببيعها أنها تزيد عن سعرها في السوق أو خارج سور القصر بما يقارب ثلاثة أضعاف، ولكن على الرغم من ذلك كانت الجموع من الناس والباعة يتبادلان المال والشطائر والشكر واللاشكر على واجب.

وفي تلك الأثناء من داخل ذلك القصر اندفعت أصوات موسيقى صاخبة وصارخة دون سابق إنذار عبر أبواق ضخمة من على المنصة، بينما لا يزال التقنيون يرتبون الآلات الموسيقية ويقيمون بتثبيت أسلاك الميكرفونات والتأكد من اشتعال مصابيح الإنارة جميعها، وقد كان ذلك الصوت خارج من أحد الزوار المتواجدين إذ قام من خلال الأبواق بتوجيه دعوة لإحدى الفتيات من أجل مرافقته لحلبة الرقص، ولكن لم يلقَ أي رد أو إجابة على دعوته، وفي تلك اللحظات كانت لم تبدأ السهرة بعد.

وهنا شعر الزائر في حالة حرج شديدة وحينها من أجل أن يتدارك الموقف قال للجميع: هذا مجرد شريط موسيقي تم تشغيله من أجل الترويج وفض الملل من بينهم جراء انتظارهم، لحين تكتمل الفرقة الموسيقية من تجهيزاتها على منصة العرض وتمتلئ مقاعد المدرجات بالعدد المتوقع من الزوار، وهنا اقتنع الجميع بكلماته، أما بالنسبة إليه فقد أصيب بحالة من التوتر والارتباك وقد شعر أن قدماه كادت أن تسقط منه.

ولكن كان هناك العديد من الأشخاص الذي تشكروه على هذا البث التجريبي الذي أغرق ضجيج الأطفال الباعة، حيث أنه في ذلك الوقت كان الباعة يجرون في الممرات وصياحهم يعم المكان ويصعدون إلى المدرجات وهو يحملون سطول من شراب الليمون البارد وسلال الشطائر الساخنة وظلوا يتخطون الزوار الجالسين الذين كان أغلبهم قد أنفقوا ما كان لديهم على تذكرة الدخول، وجلسوا ينتظرون العرض بصبر غير مشكوك فيه.

وفي لحظة ما على المنصة قام أحد التقنين والتقط الميكروفون من أجل أن يختبر حال الصوت فقال: آلو ، آلو ، آلو ، وهنا كان أحد الزائرين وهو جالس على مقعده قد استذكر بعض العبارات الخاصة بخطابات السياسيين والحكام المحترفين في مجال السياسة، وصاح على مسامع الجميع وقال مقلد لأحد الحكام: أيها الشعب الأبي! أيها الشعب الأبي! وهنا كان بعض الزائرين حين سمعوا بذلك استلقوا على ظهورهم من شدة الضحك.

ولكن في ذلك الوقت سرعان ما همّ مجموعة من الموجودين وحاولوا أن يسكتوه، كما أنهم حاولوا تغطيه أفواه من هموا بالضحك والسخرية وقاموا بتغطية وجوههم بأيديهم؛ وذلك خوفاً ان تحدث مشاجرة هم بغنى عنها، وبدأوا بالهمس فيما بينهم ويقولون: الويل له! سوف يفسد لنا احتفالنا من المؤكد أنه سوف يفسدها، وفي تلك اللحظات قام بعضاً منهم وقرروا أن يغادر المكان والتوجه إلى ناحية أخرى على مدرج آخر، بينما الباقين هموا بالرقص على إيقاع أول أغنية التي تم البدء بعزفها على المنصة للتو.

وفي تلك الأثناء كان المهرجان مليء بالحيوية والنشاط والحركة وقد وصف بأنه كفيضان من الحركة تدور في كامل المدرجات، كما بدأت الحلبة تعج بالراقصين، الممرات في كل مكان مليئة بالراقصات، كما أن المقاعد في المدرجات كانت ملآى بالعجائز والضعفاء وضعاف البصر والأقزام والذين بدورهم يقومون بحراسة المقعد من الزائرين الجدد لحين يعود صاحبه مقابل مبلغ بخيس من النقود.

وهناك على تلك الحلبة بينما الجميع يرقص والكل يدور حول نفسه، وكانت في كل مرة يتم تغيير الإيقاع وذلك من أجل أن لا تصبح الجموع تشعر بالملل من ذات الإيقاع، وفي لحظة من اللحظات تقدم أحد الشباب من الزائرين نحو إحدى الفتيات وطلب منها أن ترافقه إلى حلبة الرقص، وقد قابلت الفتاة طلبه بالموافقة، وبالفعل توجهوا إلى حلبة الرقص تحت أنظار عدد من الموجودين، وقد بدا كلاهما يستمتعان بالرقصة واللقاء الجميل بينهم.

وبعد لحظات قليلة أخذ الشاب الميكرفون وأخذ بمناداة العديد من الجموع؛ وذلك من أجل الانضمام إليه وإلى صديقته في الرقص، إذ قال: هيا بنا نرقص سوياً! فليس لدينا غير سوى هذه الليلة للاحتفال، فمع بزوغ فجر صباح الغد سوف نمر من أمام باب هذا القصر وسوف يكون مغلق والمهرجان سوف ينتهي، وحينها تقشعر أبداننا ونحن نستذكر هذه اللحظات السعيدة، فلنعش سعادة هذه الليلة بعيون ومشاعر الغد، فلنرقص ولنستمتع بالرقص.

المصدر: كتاب المجموعة القصصية الكاملة - أرنست همنجواي - 1969


شارك المقالة: