قصة جرح القلب

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر القصة من روائع القصص القصيرة التي صدرت عن الكاتب والمؤلف العالمي هانس كريستيان أندرسن، وهو من مواليد دولة الدنمارك، وقد كان له باع طويل في مجال التأليف والكتابة، حيث أنه صدر عنه العديد من الأعمال الأدبية التي تلقها عنها الكثير من الجوائز العالمية الشهيرة، وقد اشتهر بأنه من أهم وأبرز الشعراء في دولة الدنمارك.

قصة جرح القلب

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة ضمن جزأين، حيث أن الجزء الأول منها تدور أحداثه حول الشخصية الرئيسية فيه وهي سيدة، وقد كانت تلك السيدة في مرحلة متقدمة من العمر، ولكنها تشتهر بأي مكان تحل به بأنها سيدة المدينة، وفي أحد الأيام استقرت تلك السيدة في إحدى المزارع المتواجدة في الأرياف، وقد كانت تقيم في تلك المزرعة برفقة زوجها، والذي بدوره قرر في أحد الأيام أن يسافر بعيداً عن تلك المزرعة.

ولكن السيدة أول ما وصلت إلى تلك المزرعة ذهبت إلى إحدى المدن القريبة من تلك المزرعة، وكانت بصحبتها كلبتها الخاصة والتي كانت من أنواع الكلاب التي تعرف بنوع البج، وقد سبب زيارتها إلى تلك المدينة القريبة هو أنها عزمت على بيع مجموعة من الأسهم كانت تمتلكها في أحد المعامل الخاصة في صنع الدباغة، والذي كان في الأصل تعود ملكيته لها، وفي تلك الأثناء أشار أحد الرجال المقربين من السيدة إلى أن تقوم بوضع جميع الأوراق التي كانت معها بظرف وأن تكتب عليه عنوان مالك العزبة، والذي كان يدعى الجنرال المشير الفاس.

وبالفعل كانت السيدة قد استمعت إلى كلام الرجل والذي كان في الحقيقة هو من يقوم بسرد أحداث القصة، فأشار إلى أنه بعد ذلك تناولت السيدة قلم، وهنا طلبت منه أن يقوم بإعادة إدلاء عليها عنوان المزرعة التي تقيم بها من جديد، ولكن طلبت أن يكون قول العنوان بشكل بطيء، وتلبية لطلبها فعل الرجل ذلك وأخذت هي بكتابته، ولكن حين وصلت إلى منتصف كلمة الجنرال توقفت يدها عن الكتابة وبقيت يدها في مكانها، وأخذت بالتنهد من أعماق قلبها وقالت: لا أقوى على الإكمال في كتابة ذلك، فأنا لست سوى سيدة أرملة تعيش حياة بسيطة.

ثم بعد ذلك قامت بوضع الكلبة على الأرض، وحين حاولت الكتابة مرة أخرى أخذت الكلبة تهر، حيث كانت قد جلبتها السيدة معها من أجل مراقبة صحتها، إذ كانت تعاني من بعض الأمراض ومن جانب آخر من أجل تسليتها، وبسبب الوضع الصحي للكلبة كان لا يجب وضعها على الأرض.

وفي ذلك الوقت كانت الكلبة تتميز بمظهر خارجي مترهل، وقد أوضحت السيدة أنها لا تعض؛ وذلك لأنها لا تمتلك أسنان في فمها، كما قالت السيدة أنها تعتبر عضو مهم  وجزء من العائلة، وأنها كلبة وفية ومخلصة ولكن يسهل على أي شخص إثارة غضبها، وقد تولد لديها ذلك بسبب استثارة أحفادها لها، حيث أنه في أحد الأيام كانوا يلعبون لعبة حفل الزفاف، وقد جعلوا منها عروس، إذ أن ذلك الأمر قد أشعرها بالإرهاق والتعب، وفي نهاية الحديث قامت السيدة بتسليم الأوراق وحملت الكلبة بين ذراعيها وغادرت المكان.

وهنا بدأ الجزء الثاني من القصة وقد كان ذلك بعد مرور ما يقارب الأسبوع على أحداث الجزء الأول، حيث أشار الراوي فقال: ذهبنا أنا ومجموعة من رفاقي باتجاه المدينة، وهناك أقمنا في فندق صغير، وقد كانت نوافذ غرفتنا مطلة على الفناء الذي يقسم السياج الخشبي إلى قسمين، وقد كان في الجهة الأولى منه يتم نشر الجلود المسلوخة والمدبوغة، وكافة المواد التي يتم استخدامها في المدبغة كانت متواجدة هناك، وقد كان ذلك المصنع تعود ملكيته إلى الأرملة، وفي صباح اليوم التالي توفيت الكلبة وتم دفنها في ذلك الفناء، وفي تلك الأثناء قام أحفاد الأرملة بتجهيز القبر، حيث جعلوا منه قبر مزين وجميل وأن الاستلقاء فيه سعادة وراحة.

وقد كان ذلك القبر محاط بسور مزين بكسر من خزف الأصيص، كما كان مرشوش بالرمل، وفي تلك الأثناء وضعوا على أعلاه نصف زجاجة من الزجاج الذي يتم به تعبئة الكحوليات، إذ جعلوا عنقها إلى الجهة الأعلى، ولم يكن ذلك من أجل الرمز إلى أي شيء على الإطلاق، وبعد أن تم الانتهاء من دفن الكلبة رقص الأولاد حول المقبرة وكان أكبرهم ولد متميز يبلغ من العمر سبع سنوات، والذي بدوره اقترح في ذلك الوقت بأن جعل من القبر معرض يكون ملتقى لجميع الرفاق، ولكن من أجل الدخول لذلك المعرض ينبغي عليهم أن يقوموا بدفع زر حمالة بنطلون، وقد كان كافة الأولاد يملكون ذلك، وهذا الأمر ما سهل دخول جميع الأولاد إلى ذلك المعرض، وقد حصل اقتراحه على إجماع من قِبل الجميع.

وبعد أن تم تزيين القبر قدم إليه جميع الأولاد الساكنين في الحي ذاته والحي الخلفي وقد سلموا كامل أزرارهم، وقد أصبح العديد في ذلك العصر من الذين مشوا بحمالة بنطلون واحدة فقط، وبهذا تمكن كامل الأولاد القانطين في الأحياء المجاورة من زيارة قبر الكلبة، وزيارة القبر الأخاذ كانت تستحق من دون شك، وفي أحد الأيام خارج الفناء الملازم لمعمل الدباغة وقفت هناك فتاة صغيرة ترتدي ثياب رثة وقديمة، ولكنها على الرغم من ذلك كانت مخلوقة بغاية من الرقة واللطافة، وتمتلك أجمل شعر مجعد وعينين زرقاوين صافيتين.

كان النظر إلى عيناها متعة كبيرة، لم تقل تلك الصغيرة ولو كلمة واحدة، كما أنها لم تبكي كذلك، وكل ما كانت تقوم به هو النظر بعيدًا إلى المكان الذي يوجد به قبر الكلبة قدر الإمكان، وفي كل مرة تحاول أن تفتح البوابة وتذهب لرؤية القبر، كانت تتذكر أنها لا تملك زرًا؛ وهذا ما جعلها تبقى خارج البوابة، مما جعلها تشعر بالحزن على حالها في ذلك الوقت.

بقيت تلك الفتاة الصغيرة على حالها لفترة من الوقت واقفة هكذا، وقد استمرت وقفتها حتى انتهى الجميع من زيارة القبر وغادروا المكان بأكمله، حينها جلست في مكانها على الأرض ووضعت يديها ذات اللون الأسمر الصغيرتين على عينيها وانفجرت بالبكاء؛ وذلك لأنها الوحيدة التي لم تتمكن من رؤية القبر من قريب، وقد كان لذلك جرح وشرخ كبير في القلب، تماماً كالذي يصيب الكبار، وقد كان الرجل الراوي يراقب تلك الفتاة من بعيد، وقد أوضح في النهاية جرح تلك الفتاة مثل جروح عديدة أخرى تصيبنا نحن الكبار، والتي مع مرور الوقت يكون بالإمكان الضحك عليها والسخرية منها.

المصدر: حكايات أندرسن - هانس كريستيان أندرسن - 1876


شارك المقالة: