قصة ضحية من ضحايا الإعلانات

اقرأ في هذا المقال


تُعد هذه القصة من القصص القصيرة التي صدرت عن الأديب إميل فرانسوا زولا، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول أحد الشباب الذي أمضى حياته يتبع الإعلانات والعمل بكل منتج يتم الإعلان عنه في الصحف والجرائد اليومية، وبقي على هذا الحال إلى أن أصبح ذلك الأمر قد استخف بكل ما به من ذكاء وقوة في الجسد، وقد وصل إلى أن جاء اليوم الذي توفي به جراء استخدامه لأحد العقاقير التي أعلنت إحدى السيدات أنها تعود بعمر الإنسان إلى مرحلة الشباب.

قصة ضحية من ضحايا الإعلانات

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسية فيها وهو شاب يدعى كلود، حيث أنه في أحد الأيام كان كلود قد جعل من الإعلانات والصحف واللافتات نمط حياة له، وكان يسير في كافة أمور حياته حسب ما يشاهده ويقرأ عنه في الإعلانات، وكان على الدوام منطقه أنه ليس عليه في هذه الحياة إلى أن يستفيد ويواكب منافع العصر الحديث، وقد كان ذلك النمط الذي يعيشه بالنسبة إليه الدليل المعصوم الذي يبيت فيه مختلف المسائل.

فحين يشعر في حيرة من أمره في أمر ما، فإنه يتطرق إلى الإعلانات من أجل العثور على حل، ولم يقوم في أي يوم من الأيام في التفكير بتغيير نمط حياته أو أنه قام بشراء أي غرض جديد كما أنه لم يقدم على أي عمل، وكل ما يقوم به هو تتبع الإعلانات، وبقي على هذا الحال إلى أن جاء اليوم الذي فكر به أن يقوم بشراء قطعة أرض وبناء منزل عليها.

وفي قطعة الأرض التي اشتراها تلك لم يكن من الممكن أن يتم البناء على أعمدة رافعة، ولكن كلود فكر في طرق مختلفة من أجل إتمام بناء المنزل، وبالفعل شيده وفق أحدث الأنظمة المعمارية الجديدة، وقد تم بناءه شاهق إلى الأعلى يترنح في الريح ويتفتت الجزء العلوي منه جراء تعرضه للأمطار والعواصف.

من الداخل كانت هناك المواقد مجهزة بأحدث الأنظمة المانعة للدخان، إلا أنه مع كل ذلك تبعث دخاناً خانقاً، كما أن الأجراس الكهربائية كانت لا تعمل على الاطلاق، بينما الحمامات والتي تم بنائها بأحدث النماذج كانت قد تحولت إلى بالوعة كريهة من القذارة والأوساخ، وعلاوة على ذلك كله كانت قطع الأثاث والتي من المفترض أنها تتحرك ضمن آليات دقيقة ترفض أن تنفتح أو حتى أن تغلق.

كما أنه كان هناك في ذلك المنزل بيانو آلي، إلا أنه في الواقع لم يكن سوى بيانو يدوي ومن الأنواع الرديئة، كما كان يوجد خزينة منيعة لا يمكن خلعها ولا حتى حرقها، إلا أنه في يوم من الأيام قامت مجموعة من اللصوص بحملها على ظهرهم في إحدى ليالي فصل الشتاء وفرّوا بها وهم يشعرون بطمأنينة كاملة، إذ اعتقدوا أنها مليئة بالأموال والمجوهرات.

وبعد أن قضى كلود معاناة كاملة قد عاشها بكامل تفاصيلها قبل شراء قطعة الأرض، فقد عاش كذلك ذات المعاناة بعد قيامه ببناء ذلك المنزل، ولم تكن تقتصر معاناته على أملاكه، بل كانت تتألم نفسية كذلك، وقد وصل به الحال إلى أنه كانت ملابسه كانت تنشق في وسط الشارع، حيث أنها كان يقوم بشرائها من تلك المحلات التي تعلن عن تخفيضات كبرى بسبب التصفية.

وفي أحد الأيام التقى أصبح كلود رجل أصلع تماماً، إذ أراد في يوم ما أن يقوم بتغيير لون شعره الأشقر بلون أسود، وقد كان ذلك الأمر نابع من متابعته لقراءة الإعلانات وحبه في تتبع الموضة، إلا أنه حين استخدم سائل الشعر من أحد الإعلانات جعل شعره يتساقط، ولكن في تلك اللحظة لم يكن يشعر بالحزن شراء ما حصل معه، بل كان يعتقد أن ذلك السائل قد عمل على تساقط شعره وأنه بعد ذلك سوف يستخدم مرهم معين ويمنح شعراً أسود أكثر كثافة من شعره الأشقر السابق بمرتين.

وفي ذلك الوقت من كثر أنواع العقاقير والمراهم التي استخدمها لشعره، وبعدما كان شاب قوي الجسد والبنية، بات شاب هزيل فاقد الأنفاس، ومن هنا بدأت الإعلانات تقضي عليه تماماً، كما أصبح متأكد من أنه مريض بتلك الإعلانات، وحاول أن يعالج نفسه، ولكن كذلك كان يستخدم العلاجات التي يتم وصفها في الإعلانات، وقد سعى حينها إلى مضاعفة مفعول الأدوية، كما كان حريصاً على أن يقوم باتباع كافة أنواع العلاجات في آن واحد، وفي استخدامه إلى تلك العقاقير كان قد احتار في أمره أمام المديح الذي يتم وصفه لجميع العقاقير.

ومنذ ذلك الوقت كانت قد سيطرت الإعلانات عليه بشكل كامل حتى أنه تم الاستخفاف بذكائه، الذي كان يشتهر به في السابق، إلى أن وصل به الأمر إلى أن ملأ مكتبته بالمؤلفات التي أوصت بها الصحف، وقد كان يصنفها حسب نظام تصنيف بالغ الحذاقة، إذ أنه كان يقوم بترتيب الكتب حسب درجة فوائدها بالنسبة إليه، وقد كان حريص على ترتيبها حسب تدرج الغنائية في المقالات، وقد كانت تلك الطريقة المتبعة في دور النشر، وبقي فترة طويلة على هذا الحال إلى أن تكدست لديه العديد من الحماقات المعاصرة.

وكان كلود يقوم بإلصاق على ظهر كل كتاب الإعلان الذي كان قد دفعه من أجل شرائه، حيث رأى أنه بتلك الطريقة حين يقوم يفتح الكتاب يشعر بذات الحماس عند شراؤه له، وهنا إما أن يقوم بالضحك أو البكاء حسب الصيغة التي كان مكتوب بها الإعلان، ومن هنا بدأت تظهر عليه مواصفات تحوله إلى شخص أحمق وأبله.

وفي الجزء الأخير من تلك المعاناة كان قد قرأ كلود في أحد الإعلانات حول إحدى السيدات التي تسير في نومها وتشفي جميع العلل، ولم لبث أن قرأ كلود هذا الإعلان إلى أن سارع بالتوجه إليها؛ وذلك من أجل أن يستشيرها بشأن الأمراض التي يعاني منها، وحين وصل إليها وعرض عليها حالته، كانت بدورها قد تكرمت وعرضت عليه أن تقوم إعادة إليه شبابه.

وهنا اندهش من الأمر وطلب منها أن تقوم بإعادته إلى سن السادسة عشر، وهبت إليه إلى أنه كل ما يتوجب عليه فعله هو أن يقوم بالاستحمام وتناول عقار معين، وبالفعل أخذ كلود العقار وعاد إلى منزله، وما إن وصل إلى هنا قام بتناول العقار وغطس في حوض الحمام، وعاد به الزمن إلى شباب المطلوب، إلا أنه بقي في ذلك المغطس ولم يرغب بالخروج منه، وبعد مرور ما يقارب نصف ساعة تم العثور عليه مختنقاً في ذلك المغطس.

المصدر: كتاب الفيضات ومنتخبات قصصية أخرى - إميل زولا - 2014


شارك المقالة: