قصة قصيدة لأجل ذلك سهروا في الليل ولم يناموا

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة لأجل ذلك سهروا في الليل ولم يناموا

أمّا عن مناسبة قصيدة “لأجل ذلك سهروا في الليل ولم يناموا” فيروى بأن أحد التابعين الجليلين وهو رجل يقال له الربيعة بن خيثم، وكان الربيعة مشهور بين أهل المدينة بأنه يحب السهر حتى ساعات متأخرة من الليل، وبأنه لا يحب أن ينام حتى تشرق الشمس، وكان لربيعة ابنة، وفي يوم من الأيام جلست ابنته معه، وسألته بكل احترام قائلة: يا أبي، من أحب الناس إليك من خلق الله عز وجل؟، فقال لها: سيدنا محمد صل الله عليه وسلم، فقالت له ابنته: يا أبي، بحرمة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم أن تنام في هذه الليلة باكرًا، ومن ثم خرجت من مجلسه، وتوجهت عائدة إلى غرفتها.

وبعد أن خرجت ابنته من مجلسه، أخذ ربيعة يفكر في كلامها، ومن ثم قال: يا الله، أنت تعلم بأني أحب السهر أكثر مما أحب النوم، ولكن من أجل ما أقسمت ابنتي علي به فسوف أنام في هذه الليلة باكرًا، ولن أسهر، وتوجه إلى منامته، وخلد إلى النوم، وبينما هو نائم، رأى في المنام بأن هنالك فتاة من أهل البصرة يقال لها ميمونة، وبأن هذه الفتاة سوف تكون زوجته في الجنة، وعندما استيقظ من نومه في الصباح، جهز راحلته، وخرج متوجهًا إلى البصرة في العراق، وعندما وصل خبر قدومه إلى البصرة، خرج بعض من أهلها لاستقباله، وعندما وصل رحبوا به وأدخلوه إلى المدينة.

وعندما دخل ربيعة أهل البصرة عن هذه الفتاة، فرد عليه أهل البصرة مستغربين من سؤاله عنها بأنها فتاة مجنونة، تقوم برعي الأغنام في النهار، وبالأجرة التي تأخذها من رعي الأغنام تقوم بشراء التمر، وتوزعه على الفقراء، ومن ثم تصعد على سطح بيتها، وتأخ تصيح وتبكي طوال الليل، فلا يستطيع أحد من جيرانها أن ينام، فاستغرب ربيعة من حال هذه الفتاة، وسألهم عما تقول في صياحها، فأجابوه بأنها تقول:

عجبًا للمحب كيف ينام
كل نوم على المحب حرام

فقال لهم ربيعة: والله إن كلامها ليس بكلام مجنون، ومن ثم سألهم عن مكانها، فأخبروه بأنها في البراري تقوم برعي الأغنام، فتوجه صوب البراري، ووجدها في محراب تصلي، وفي الخارج كانت الأغنام ترعى، والذئاب من حولها تقوم بحمايتها، فتعجب مما رأى، وأخذ ينتظرها حتى أكملت صلاتها، وعندما انتهت من صلاتها، توجه إليها، ورد عليها السلام، وقال لها: السلام عليكم، فردت عليه قائلة: وعليكم السلام يا ربيعة، فدهش ربيعة مما سمع، وقال لها: وكيف عرفت اسمي؟، فقالت له: لقد أخبرني باسمك من أخبرك باسمي في المنام، وأخبرني بأني سوف أكون زوجتك في الجنة.

فسألها ربيعة عن خبر الغنم والذئب، فردت عليه قائلة:

لما تعلق قلبي بحبه واحتكم
تركت الدنيا عن قلبي فأصلح ما بين الذئاب والغنم

ثم قالت له: أطلبك شيئًا، فقال لها: نعم، فقالت له: اسمعني شيئًا من كلام سيدي، فإن نفسي قد اشتاقت إليه، فقرأ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}، وهي تستمع له وتبكي، حتى وصل إلى قوله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا}، فصرخت صرخة، ووقعت ميتة، فاحتار في أمرها، ولم يعرف ماذا يصنع، وبينما هو واقف فوقها، أتت جماعة من النساء، وقلن له: نحن سوف نغسلها ونجهزها، فقال لهن: وكيف عرفتن بأنها ماتت؟، فقلن له: لقد كانت تدعي بأن لا تموت إلا بين يدي ربيعة، وعندما عرفنا بأنك خرجت إليها، تأكدنا من أن الله استجاب لدعائها، فأخذنها وهن ينشدن شعرًا كانت تردده، وتقول فيه:

لأجل ذلك سهروا في الليل ولم يناموا
فإذا ماتوا في حبه شوقًا إليه لم يلاموا

أهل المحبة بالمحبوب قد شغلوا
وفي محبته أرواحهم بذلوا

وخربوا كل ما يفنى وقد عمروا
ما كان يبقى فيا حسن الذي عملوا

نبذة عن ميمونة المجنونة

هي ميمونة، اشتهرت بأنها مجنونة، من أهل البصرة في العراق.

المصدر: كتاب "الشعر والشعراء" تأليف ابن قتيبة كتاب "الأغاني" تأليف أبو فرج الأصفهاني كتاب "العقد الفريد" تأليف ابن عبد ربه الأندلسي كتاب "البداية والنهاية" تأليف ابن كثير


شارك المقالة: