قصة كرة الشحم

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأدب التي صدرت عن الأديب غي دي موباسان، وقد تطرق الكاتب من خلال محتوى القصة الحديث حول وصف قسوة واستغلال أبناء الطبقة البرجوازية وطبقة النبلاء للناس الضعفاء، وهذا الأمر هو ما قاد ثورة العمال في كومونة إلى أدنى مستوى، فهناك الكثيرون منهم من كان يستغل الآخرين من أجل مطامعهم وغاياتهم بعض النظر عما سوف يتسبب لهم من أذى نفسي وعاطفي.

قصة كرة الشحم

في البداية تدور وقائع وأحداث القصة في تلك الفترة التي كانت بها الحرب الفرنسية البروسية في أوجها، وقد بدأت تتوسع أكثر فأكثر، حيث أنه كان هناك إحدى المناطق التي تعرف باسم منطقة الرون، والتي كانت في ذلك الوقت تابعة إلى مدينة النورماندي في دولة فرنسا، وفي تلك الأثناء قرر بعض الأشخاص على العزم بمغادرة القرية؛ وذلك خشية على حياتهم من تلك الحرب، وبالفعل حينما حزموا أمتعتهم واستقلوا إحدى العربات المخصصة في نقل الركاب، وقد كان عدد هؤلاء الأشخاص ما يقارب عشرة أفراد، وهم راهبتان وزوجان من الطبقة البرجوازية وزوجان من التجار وزوجان من النبلاء ورجلاً مناصراً للديمقراطية.

وقد كان من ضمن هؤلاء الأشخاص أيضاً فتاة تدعى اليزابيث كذلك، وهي فتاة لطيفة من أصول روسية، كما كانت تلك الفتاة في العادة تتم مناداتها بـ بول دو سويف أو ما يعرف بكرة الشحم، وقد كان السبب في تلقبها بهذا اللقب لأنها تمتلك جسم ممتلئ، وقد كانت تلك الصفة من أكثر الصفات التي تتميز بها بين الناس، كما كانت تثير النظر ببشرتها البيضاء اللامعة، كما كان يتم تشبيهها في كثير من الأحيان بالتفاحة الحمراء.

وفي ذلك الوقت بدأت الرحلة، ولكن بسبب الظروف السائدة واجهت الرحلة العديد من الصعوبات والمشاكل الكثيرة، وقد كان من أبرزها هو نقص الطعام، إذ لم يكن بمقدور أي من الأشخاص أن يحضر أي نوع من أنواع الطعام؛ وقد كان السبب في ذلك هو أن جميع المحلات في قرية الرون بإغلاق كامل أبوابها؛ وذلك خشية اجتياح القوات البروسية لهم وتدمير محلاتهم، ولكن ما كان في حالة استثنائية من بين جميع هؤلاء هي الفتاة بول، فلا يمكنها أن تنقطع عن الطعام، وقد أحضرت معها بعضاً منه معها، وعلى الرغم من نظرات السخرية التي تعرضت لها في عيون الركاب، إلا أنها تقاسمت معهم طعامها.

وفي تلك الأثناء بعد أن ساروا برحلتهم لفترة بسيطة وصلوا إلى أحد النزل الذي كان معروف لاستقبال المسافرين في إحدى المدن التي تعرف باسم مدينة توتسن، وهناك توقفت العربة بهم من أجل أخذ قسطاً من الراحة، ولكن ما حدث في تلك اللحظة أنهم اكتشفوا أن القوات البروسية قد وصلت إلى النزل واحتلته، كما اتخذته مركز لها من أجل أن ييتم  إطلاق أوامرهم ومركز لقيادتهم وتنفيذ مخططاتهم، ولهذا بدأوا الضباط بالتوافد إليه والإقامة به، وحين شاهدوا الضباط الركاب الفارين سمحوا لهم بالاستمرار بالإقامة في النزل، وهنا حجز كل منهم غرفة؛ وذلك حتى يقضوا ليلة واحدة للاستراحة، ومن ثم في صباح اليوم التالي يتابعوا مسيرهم في رحلتهم.

وفي الصباح حينما هموا جميعهم تهيأت أنفسهم للانطلاق في متابعة رحلتهم تفاجئوا بأن أن الضابط أصدر قرار بمنعهم من مغادرة النزل والسفر، وهنا هموا جميعهم بالسؤال حسب سبب منعهم من السفر، فأخبرهم من يدعى السيد فولفيه وهو مالك النزل أن الضابط أمره بأن يفك الخيول من العربة التي يعتلونها وأن لا بقوم بربط الخيول بها إلا بعد أن يسمح له، وبعد التحري حول السبب الذي جعل الضابط يمنعهم من السفر تبين أن الضابط حاول طلب الزواج مع الفتاة بول، إلا أنها رفضت ذلك الأمر وبشدة، وعلى الرغم من محاولات الضابط مراراً وتكراراً لها، إلا أنها أصرت على رفضها، فقد رغبت في أن تكمل رحلتها مع المجموعة.

وحينما علموا جميعهم بذلك ذهب أحد المسافرين وهو البرجوازي الذي يدعى السيد لوازو بعد أن شجعته زوجته إلى الضابط المسؤول ليتحدث إليه حول الأمر إليه، ولكن أصر الضابط على قراره ورفضه لتكملة رحلة سفرهم، وأخبره أنه لن يتم لهم السماح بمتابعة مسيرهم إلا إذا وافقت الفتاة بول على الزواج منه.

وفي تلك الأثناء أصيبت المجموعة بحالة من الاستياء جراء ردة فعل الفتاة بول مع الضابط، وقد كانوا جميع الركاب لم يسألوا تلك الفتاة عن سبب رفضها في خوض علاقة مع الضابط، فكلاهما من ذات الجنسية، ولم يكن أحد منهم متفهم لموقفها، فالجميع منهم كان غايته هو الوصول إلى النجاة وبر الأمان بنفسه، ولم يهتم للطريقة أو الأسلوب الذي يتبعه من أجل الوصول إلى ذلك، فالجميع أرادوا استغلال تلك الفتاة المسكينة من أجل تحقيق منافعهم بالرغم من أنهم الجميع يستهزؤون بها ويسخرون منها طوال الوقت.

وفي لحظة من اللحظات حاول السيد لوازو أن يتحدث للفتاة بأسلوب لطيف على غير المعتاد وأن يحاول أن يقنعها بالأمر، وبالفعل تحدث معها بلهجة أبوية يملأها العطف والحنان والذي كانت قد افتقدت الفتاة بول هذا الشعور منذ أن توفيا والديها بينما ما زالت في مرحلة طفولة مبكرة جداً، كما أنه حاول أن يحتويها ويحتضنها بطريقة مثل والدها تماماً، وحينما قام لوزارو باستخدام هذا الأسلوب، كان قد نجح بالفعل في أن يجعلها توافق على طلبه في أن توافق على الزواج من الضابط الروسي، إذ بعد ذلك ذهبت بول إلى الضابط وأخبرته بموافقتها على الزواج منه، ولكنها اشترطت عليه أن تقوم بالسفر مع مجموعتها من ثم تعود وتستقر معه هنا، وحينها ذهب جميع الركاب من أجل شراء الطعام.

وفي صباح اليوم التالي جاء إلى الركاب المسافرين رسول من الضابط وأخبرهم أن الضابط قد سمح لهم بالمغادرة واستكمال مسير رحلتهم، وهنا سرعان ما هموا بركوب العربة، وحينما نزلت الفتاة بول مسرعة محاولة أن تلحق بهم بالرغم من أنها كانت لم يتسنى لها أن تشتري أي طعام، إلا أنه من الأولويات لديها اللحاق بالعربة، وبعد أن اعتلت لمتابعة رحلتها معهم تحاشاها جميع الركاب ولم يرضى أحداً منهم من أن يجلس إلى جانبها، وكأنها أصبحت وباء معدي، حتى السيد لوازو لم يرضى أبداً التحدث إليها ولو بكلمة واحدة، ذلك الذي قبل يوم واحد فقط يمثل أنه في مكانة والدها وطغى عليه العطف والحنان.

وفي لحظة من اللحظات أخرج جميع الركاب ما لديهم من طعام، ولكن لم يقوم أحدهم بتقديم أي جزء من الطعام لها ولو بسيط، حتى الراهبتان لم يفكران في تقديم ولو كسرة خبز لها، وهي من تقاسمت طعامها معهم قبل يومين.

المصدر: كتاب الحلية المفقودة مجموعة قصصية مختارة من الأدب الفرنسي ل غي دي موباسان


شارك المقالة: