قصة لماذا البوص مجوف

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من القصص التي صدرت عن الأديبة جابرييلا ميسترال وهي من مواليد تشيلي، وقد اعتبرت من أشهر الأديبات والشاعرات على مستوى أمريكا اللاتينية، وقد حصلت على العديد من الجوائز العالمية كتكريم لها على إبداعها في مجال الأدب، ومن ضمنها جائزة نوبل في الأدب، وقد كانت أول كاتبة أمريكية لاتينية حصلت على تلك الجائزة، واسمها الحقيقي لوثيلا جودوى دى ألكاياجا، وقد جسدت العديد من أعمالها الأدبية إلى الأفلام السينمائية العالمية، كما تمت ترجمتها إلى اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية.

قصة لماذا البوص مجوف

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول عالم النباتات، حيث أنه على الرغم من أن ذلك العالم كان يسوده السلام على الدوام، إلا أنه في يوم من الأيام وقعت به ثورة اجتماعية، وكما ورد في سرد القصة أن الزعامة في تلك الثورة كانت من حظ أحد أنواع النباتات التي تعرف بنبات البوص، إذ أعوادها كانت مغرورة إلى حد كبير، ففي تلك الأثناء هبت عاصفة رياح، وعلى الرغم من تفرد كل نوع من النباتات بحياة خاصة له، إلا أنه جراء هبوب تلك العاصفة تآخت كافة أنواع النباتات، ولكن بعد تلك العاصفة حدث أمر مهم وهو أن جميع النباتات في الغابات العذراء بالإضافة إلى الحدائق البلهاء قامت بإحداث ثورة من أجل الحصول على المساواة والعدل بين كافة أنواع النباتات.

وما قصدت به النباتات من مساواة هو ليس العدل في سمك جذوعها أو في جودة الثمار الناتج عنها، أو في حقها في التساوي بالحصول على المياه النقية، بل ما تعنيه كان الارتفاع ليس أكثر، حيث أنه كانت أكثر الميزات المُثلى هو أن ترفع كافة النباتات رؤوسها بطريقة متماثلة، إذ لم يكن نبات الذرة يفكر أبداً في أن يجعل نفسه قوية كشجرة السنديان، بل كل ما يتمناه هو في أن تهز نباته شواشها الكثيفة الشعر على ذات الارتفاع الذي يتميز به شجر السنديان، ولم يكن في ذلك الوقت يكافح نبات الورد من أجل أن يكون نافع مثل نبات المطاط، بل كل ما رغب به هو أن يصل بطوله إلى أعلى القمم، وأن يجعل من جذوعه وسادة يهدهد عليها زهوره وتهنأ في منامها.

ولكن كل تلك الأمور التي تفكر بها النباتات كانت أمور باطلة، فقد رسمت النباتات في مخيلتها أوهام العظمة ولم تدرك بذلك أنها تخالف الطبيعة، إذ رسمت في مخيلتها صورة كاريكاتورية لأحلامها، وقد تكلمت بعض الزهور المتواضعة بالإضافة إلى زهرة البنفسج الحيية وزهرة الزنبق الفطساء الأنف حول ذلك الأمر، إلى أنه عبثاً، إذ لم يتغير على طبيعتها أي شيء.

كما بدت جميع أصواتها مجرد أصوات بلهاء لا فائدة من حديثها، وفي أحد الأيام كان هناك شاعر عجوز يتميز بلحيته التي كانت كلحية إله النهر، وقد كان ذلك العجوز قد أقام مشروع تحت عنوان الجمال، كما كان لديه مجموعة من الحِكم يقولها عن ما يعرف بالتماثل، والذي بدوره كان يمقته من جميع النواحي، وفي ذلك المشروع يتحدث الناس عن العديد من العوامل المؤثرة والغريبة التي لها دور في إحداث تغيير، وفي أحد الأيام هبت مجموعة أرواح من جوف الأرض على كافة النباتات بكامل حيويتها التي كانت مريعة ومرعبة، وهنا كانت قد حدثت معجزة عظيمة وهو أنه ذات ليلة ازداد ارتفاع عالم الحشائش والشجيرات دزينات كثيرة من الأقدام، وقد كان ذلك الأمر قد جاء كطاعة لنداء عاجل جداً من النجوم.

وفي صباح اليوم التالي حينما استيقظ أهالي القرية وخرجوا من منازلهم وجدوا أن البرسيم أصبح في ارتفاع كبير، كما أن حقول القمح باتت تموج بشكل موحش جراء السنابل الذهبية العالية، وفي تلك اللحظة كان الأمر مثير للدهشة وقد صرخت النباتات من شدة الفزع؛ وذلك لأنها كانت ضائعة في ظلام مراعيها، وهنا زقزقت الطيور في حالة يأس منها؛ وذلك بسبب أن أعشاشها أصبحت مرتفعة إلى ارتفاعات لم يسبق لها مثيل، وبذلك لم يعد بإمكانها أن تطير من مكان هابط للبحث عن طعامها، حيث أنه مضى الزمن الذي كان به عهد بساط العشب الأخضر المتواضع.

وفي ذلك الوقت لم يتمكنوا الرعاة من المكوث طويلًا بقطعانهم بجوار المراعي؛ وذلك لأنها أصبحت مظلمة ومخيفة وكثيفة، كما رفضت أغنامهم دخول أي مكان بمثل تلك الكثافة؛ وذلك خوفاً كن أن يتم ابتلاعها، وفي يوم ما قهقهت أعواد البوص وقد كانت مزهوة بالانتصار، وفي تلك الأثناء أخذت تسوط بأوراقها الثائرة إلى جانب القمم الزرقاء القريبة من شجر الكافور، وفي ذلك الوقت قيل أنه مر شهر على هذا الحال، ثم بعد ذلك بدأت حالة من التدهور، إذ بدت أزهار البنفسج التي كانت مبهجة في الظل قد جفت؛ وذلك لأنها تعرضت رؤوسها ذات اللون القرمزي لأشعة الشمس الساطعة، وهنا قالت أعواد البوص: أزهار البنفسج لا تساوي شيئاً على الإطلاق من باب السخرية منها.

كما أن أزهار الزنبق التي كانت قد وصلت بارتفاعها إلى حد شاهق، تفتحت وتبعثرت مقطوعة في كل جانب وأصبحت رؤوسها بيضاء كالرخام، وهنا جادلت أعواد البوص كما فعلت في السابق، كما أن معظم النباتات صاحبات الحسن أخذن يجرين هائجات في الغابة.

ويوماً بعد يوم بدأت مرحلة الذبول التدريجي، إذ فقدت أشجار الليمون وهي في ذلك الارتفاع جميع زهراتها، التي اكتسحت بسبب شدة عاصفة الرياح والتي كانت عنيفة إلى حد كبير، وهنا بدأ وداع المحاصيل كما أكدت أعواد البوص من جديد أن ثمارها أصبحت أكثر مرارة مما ينبغي، كما أنه على أثر تلك العاصفة قد يبس البرسيم وأصبحت سيقانه تتلوى مثلها مثل خيوط داخل هشيم نار، كما تدلت كيزان الذرة.

وفي النهاية بات أعواد البوص حزينة؛ وذلك لأنه لم يعد هناك أي تلقيح لزهرات الشجيرات والأعشاب، كما أن الحشرات لم يكن بمقدورها أن تصل إليها دون أن تقوم تسخين أجنحتها إلى درجة خطرة، وفوق ذلك كله لم يعد الإنسان لديه لا خبز ولا فاكهة ولا حتى علف لمواشيه، وقد بات الجوع والحزن يطغيان على البلاد، وأخيراً كانت أعواد البوص آخر ما سقط، وقد كان ذلك الأمر من الدلائل على حدوث كارثة نهائية، إذ الجذور أصبحت متعفنة بسبب الرطوبة الزائدة، حينئذ أصبحت أعواد البوص مجوفة، إذ كانت تمتد فراسخ إلى أعلى وهي جائعة، لكنها لأن داخلها كان فارغ كان منظرها يوحي إلى الضحك والسخرية، مثل عرائس أو دمى.

المصدر: كتاب آدم وحواء وقصص أخرى من أمريكيا اللاتينية - خليل كلفت


شارك المقالة: