قصة مذبحة ثورستون

اقرأ في هذا المقال


مما هو معروف أن الأمراض النفسية تحد من حركة المصاب بها مثل الاكتئاب، الاضطراب ثنائي القطب، جنون الشك وغيرها الكثير، ولكن لو سألنا أنفسنا هل من الممكن أن تقود الأمراض النفسية صاحبها إلى ارتكاب جرائم كبيرة في حال اهمالها؟ في هذه القصة سوف نعرف الجواب على هذا السؤال.

قصة مذبحة ثورستون

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسية فيها وهو شاب يدعى كيب، وقد كان من مواليد إحدى الولايات الأمريكية والتي تعرف باسم ولاية أوريغون، ويبلغ من العمر التاسعة والثلاثون عاماً، وقد كان كيب لا يوجد بجانبه أحد من أفراد عائلته في تلك المرحلة العمرية سوى شقيقته والتي كانت أكبر منه بعدة سنوات، وفي بداية حياته أثناء مرحلة الطفولة كان قد عاش كيب حياة أسرية هادئة نوعاً ما، إذ كان أبواه يعملان في مجال التعليم، وحسب ما ورد عن مجموعة من الجيران من شهود العيان أن أبواه كانا يمنحان كيب حب عظيم، كما كانا باستمرار يقدمان له الدعم منذ أن كان طفلاً، وقد كانت شقيقته من الطالبات المميزات والماهرات جدًا.

وفي وقت سابق كانت تلك العائلة قد قضت ما يقارب عام بأكمله في دولة إسبانيا، وقد كان ذلك حينما كان في عمر السادسة، وقد تلقى تعليمه في ذلك الوقت في واحدة من الحضانات الناطقة باللغة الإسبانية، وأثناء التحاقه في تلك الحضانة أبلغت إدارة الحضانة والداه بأن كيب لديه صعوبة في التفاعل مع من هم حوله سواء كان من إدارة أو من أطفال أو مدرسين، كما أنه لدية صعوبة في تلقي التعليم.

وفي تلك الفترة قررت العائلة العودة مرة أخرى إلى ولايتهم أوريغون، وأول ما وصلوا إلى هناك قام والد كيت بتسجيله في واحدة من المدارس الابتدائية، وفي أحد الأيام حينما ذهب والده للسؤال عنه أشارت إليه إدارة المدرسة أنه تم تشخيص حالة كيت بأنه يواجه مشاكل في عسر القراءة، وقد طلبت الإدارة من الوالدين أن يتم إعادة كيب مرة أخرى إلى الصف الأول، وفي تلك الفترة تدهور وضعه إلى الأسوأ وتم وضعه في فصول التعليم الخاص.

وفي تلك المرحلة من عمره كان كيت مولع إلى حد كبير بالأسلحة والمتفجرات، ولم يبدي أي من والداه أي اعتراض على ذلك الأمر قط، وفوق ذلك قاموا بتسجيله في إحدى الدورات التي تُعنى بدورات السلامة؛ وذلك من أجل أن يتم تعليمه كيفية إطلاق النار، وبعد أن بلغ الخامسة عشر من عمره قام بشراء مسدس من عيار 9 مللي.

ومن الجدير بالذكر أن زملاءه في المدرسة كانوا يصفوه بأنه شخصية غريبة الأطوار، وفي الكثير من الأحيان كان يشار إليه بأنه تبدو عليه أعراض انفصام الشخصية، كما أنه في أغلب الأوقات كان ينتابه نوبات من الغضب الشديد، وقد كانت أحاديثه تتمحور حول رغبته الشديدة في ارتكاب أعمال عنف.

وفي يوم من الأيام تحدث إليه والده معه بشأن قضاء رحلة إلى الملاهي، ولكن ثار غضب كيت بشأن ذلك الأمر، وهنا لجأ والد كيت إلى أحد أصدقائه المقربين وقد تحدث إليه بأنه قد نفدت لديه كافة الوسائل للسيطرة على ابنه، وأنه تم تشخيص مرضه من قِبل العديد من الأطباء أن كيب مصاب رسمياً بمرض الانفصام بالإضافة إلى مرض جنون الشك.

وفي يوم من أيام الفصل الدراسي في واحدة من المدارس الثانوية والتي تعرف باسم مدرسة ثورستون الثانوية انطلق كيب في طريقه إلى المدرسة وقد كان في حالة هدوء رهيبة، وفي ذلك اليوم حينما نزل من السيارة وهو يرتدي معطفه انطلق إلى داخل المدرسة وقد كان حامل معه سلاحين أحدهما مسدس من عيار 9 مللي، والسلاح الآخر كان بندقية نصف آلية بالإضافة إلى مجموعة من السكاكين الخاصة بالصيد، وبجعبته ما يقارب على المائتي طلقة نارية.

وبهدوء فظيع دخل كيب إلى المدرسة، وأول ما قام به هو أنه توجه نحو المطعم المخصص للطلاب، وفي ذلك المطعم قام بإشهار سلاحه وأطلق نحو خمسون طلقة بشكل عشوائي، ومن خلال تلك الطلقات تمكن من إصابة أكثر من ثلاثون طالب، وقتل اثنان من زملاءه على الفور، وبينما أخذ بإعادة ملء خزانة سلاحه مرة أخرى، وإذ بالطلاب الناجين هجموا عليه وقاموا بتقييده وقد حدث ذلك في وسط ذهول ورعب الطلاب الآخرون، إلى أن وصلت عناصر الشرطة في غضون دقائق وألقت القبض عليه.

وفي ذلك الوقت لم تكن مذبحة المدرسة تلك هي الوحيدة التي ارتكبها كيب في ذلك اليوم المشهود، فألقت الشرطة القبض عليه، ومن ثم سرعان ما توجهوا نحو منزله، وهناك كانت الدهشة إذ عثروا على جثة والده مقتولاً بثلاث طلقات في منطقة الرأس وطلقة واحدة في منطقة الظهر، كما كانت والدته في ذات الوقت ملقاه على الأرض غارقة في دمائها، وقد كان حالتها تلك على إثر إطلاق كيب النار عليها، حيث قام بإطلاق عليها رصاصتين في منطقة الرأس وطلقة أخرى واحدة من جهة القلب، وما كان ملفت للانتباه من قِبل عناصر الشرطة هو أنه كان هناك صوت مقطوعة تدور بصوت عالي في أرجاء المنزل، ولم يتم سرقة من المنزل أية أموال.

وهنا بدأت عناصر الشرطة التحقيق مع كيب، وقد توصلت إلى أنه يعاني من أحد أنواع الأمراض الذي يعرف بمرض الفصام، أو ما يعرف باسم مرض الشيزوفرانيا، وهناك الكثير ممن يصنفونه أنه من أمراض جنون الشك، وخلال التحقيقات اعترف كيب أنه منذ كان في عمر الثانية عشر من عمره، وهو يسمع أصوات داخل رأسه، وتلك الأصوات كانت باستمرار تتحدث معه وتملي عليه ما ينبغي أن يقوم به من أفعاله.

وأنه في الكثير من الأحيان كان يجري العديد من المحاولات من أجل إسكاتها كثيرًا، ولكنه لم يفلح في توقيفها، وأنه كان يفكر في أن يعترف لوالديه بذلك الأمر ولكنه خشي ذلك؛ خوفاً من أن يتعرض إلى نظرات سيئة من المجتمع، كما أقر بأن تلك الأصوات الداخلية التي تدور في رأسه هي ما دفعته للقيام بالقتل، فهي لا تهدأ سوى عند قيامه بالقتل.

وفي النهاية حاول كيب أن يقوم بافتعال مشكلة مع أحد الشرطيين؛ وذلك من أجل القيام بقتله، ولكنه لم يحصل على مبتغاه، وقد تمت محاكمته، ثم بعد ذلك أصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد، ومن الجدير بالذكر أن جنون الشك تبدأ أعراضه بالوحدة وكثرة التقلب المزاجي، والشكوك في كل من حولك بأنهم يتحدثون عنك من دون علمك، ثم بعد ذلك تبدأ أصوات داخلية تقول له بأنه صادق، وأن من حولك على خطأ دائمًا إلى درجة قد تصل إلى القتل أو الانتحار.

المصدر: كتاب من روائع الأدب الأمريكي المعاصر - توني موريسون - 2014


شارك المقالة: