قصيدة - استبقني إلى الصباح أعتذر

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة “استبقني إلى الصباح أعتذر”:

أمّا عن مناسبة قصيدة “استبقني إلى الصباح أعتذر” فيروى بأنّ أمير المؤمنين الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك خرج في يوم يقصد بيت المقدس، وكان سليمان من أغير رجال قريش، وبينما هو في الطريق نزل في غور البلقاء، ونزل في دير لبعض الرهبان، وكان من الذين معه رجل من كلب يدعى سنان، وكان سنان فارسًا شجاعًا، ومغنيًا حسنًا، وبغيرة سليمان عارفًا، فكان يتجنب أن يغني وهو مع سليمان بن عبد الملك، وفي تلك الليلة زاره أصدقاء له، فأحسن ضيافتهم، وعشاهم وسقاهم، فقالوا له: يا سنان، إنّك لم تكرمنا إن لم تسمعنا صوتك، فأنشدهم قائلًا:

مَحجُوبةٌ سَمِعَتْ صَوْتي فأرّقَهَا
مِنْ آخِرِ اللّيلِ لمّا بَلّهَا السّحَرُ

تَثْني عَلى فَخْذِهَا مُثْنَى مُعَصْفَرَة
وَالحَلْيُ مِنْهَا عَلى لبّاتِهَا حَصِرُ

لم يَحجُبِ الصّوْتَ أحرَاسٌ وَلا غَلَقٌ
فَدَمعُهَا لطُرُوقِ الصّوْتِ مُنحَدِرُ

لَوْ خُلّيَتْ لمَشَتْ نَحْوِي عَلى قَدمٍ
تَكَادُ من رِقّةٍ للمَشيِ تَنْفَطِرُ.

فسمعه الخليفة سليمان بن عبد الملك، وقام من فراشه فزعًا يريد أن يفهم ما سمع، وكان معه جارية عنده تدعى عوان، وكانت عوان من أجمل نساء عصرها، وكان سليمان يحبها حبًا كبيرًا، وعندما افتهم ما غنى سنان اشتعلت نار الغيرة في صدره، وذهب إلى حجرة عوان، يراها نائمة هي أم مستيقظة، فكشف عنها الستار رويدًا، ووجدها مستيقظة، وعندما رأته، وعلمت بأنّه رآها مستيقظة، قالت له: يا أمير المؤمنين، قاتل الله الشاعر عندما قال:

ألا رُبّ صَوْتٍ جَاءَني مِنْ مُشَوّهٍ
قَبيحِ المُحَيّا وَاضِعِ الأبِ واَلجَدّ.

قَصِيرِ نِجَادِ السّيفِ جَعْدٍ بَنَانُهُ
إلى أمَةٍ يُعزَى مَعاً وَإلى عَبْدِ.

فغضب الخليفة منها، ولكنّه استدرك نفسه، وقال لها: فقد أعجبك صوت من كان يغني، فقالت له: لا، ولكنَّني صادف أن كنت مستيقظة، فقال لها سليمان: ويحك، والله كأنّه يراك ويصفك في غنائه، والله لأقتلنّه كائنًا من كان، ومن ثم قام الخليفة بإرسال أحد رجاله في طلب سنان، وقامت عوان بإرسال أحد خدمها إليه سرًا، وقالت له: إن لحقت به قبل أن يصله رجل سليمان، فأنت حر، ولك ديته، فخرج سليمان من غرفته ووقف على باب الدير.

وسبق رجال سليمان خادم عوان، وربطوا سنان، وأحضروه إلى الخليفة، حتى أوقفوه بين يديه، فقال له سليمان: من أنت؟، فقال له سنان: أنا سنان الكلبي أحد فرسانك يا مولاي، فأنشد سليمان بن عبد الملك، قائلًا:

تَثكَلُ في الثّكلى سنَاناً أُمُّه
كَانَ لها رَيحَانَةً تَشُمّه

وَخَالُهُ يَثْكَلُهُ وَعَمُّه
ذُو سَفَهٍ هَنَاتُه تَعُمّه

فقال له سنان:

استَبْقِني إلى الصّبَاحِ أعتَذِرْ
إنّ لسَاني بالشّرَابِ مُنكَسِرْ

فارِسُكَ الكَلبيُّ في يوْمٍ نَكِر
فإنْ يكُنْ أذنَبَ ذَنباً أوْ عَثَرْ

المصدر: كتاب "الأغاني" تأليف أبو فرج الأصفهانيكتاب "الشعر والشعراء" تأليف إبن قتيبةكتاب "مدخل لدراسة الشعر الحديث " إعداد إبراهيم خليلكتاب " مجنون ليلى " تأليف أحمد شوقي


شارك المقالة: