قصيدة - بنفسي يا زرع بن أرقم لوعة

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة “بنفسي يا زرع بن أرقم لوعة”:

أمّا عن مناسبة قصيدة “بنفسي يا زرع بن أرقم لوعة” فيروى بأنّه كان في ذمار فتى يدعى زرعة بن رقيم وهو من حمير من بيت شريف، وكان زرعة شاب جميل الوجه، وشاعر، فلا تراه فتاة إلا أعجبت به، وكان في ذمار شيخ كثير المال، وعنده بنت تدعى مفداة، فائقة الجمال، كلامها حلو، تفحم البليغ، وتخرس من يتكلم في المنطق، وكان زراعة يتحدث إليها، هو وبعض فتيان الحي، وكان ممّن يتحدث إليها شاب يدعى حيي، جميل عفيف وذو حياء، فكانت تكثر من الحديث معه، وكانت تشمئز من زرعة، فاستاء زرعة من ذلك، وحزن بسببه، وفي يوم اجتمع معها وكان حيي حاضرًا، ولاحظ إعراضها عنه، وإقبالها على حيي، فأنشد قائلًا:

صُدودٌ وإعرَاضٌ وإظْهارُ بَغضَةٍ
غَلاَم وَلِمْ يا بنتَ آل العُذافرِ

فرد عليه حيي، وقال:

جَمَالُكَ يا زَرعَ بنَ ارقَمَ إنّما
تُنَاجي القُلوبَ بالعيونِ النّوَاظِرِ

فقالَ زَرعةُ:

فإنْ يَكُ ممّا خَسّ حظي لأنّني
أَصَابني فتُصْبِيني عيونُ القَصَائِرِ

فقالت المفداة:

كذاك فكُن، يسلمْ لكَ العِرضُ، إنّه
جمالُ امرئ أن يرتدي عِرضَ طاهر

ومن ثم انصرفت المفداة، وكان حبها قد دخل في قلب زرعة، فجلس أيامًا يفكر فيها، وامتنع عن تناول الطعام والشراب، وجافاه النوم، وأنشد يقول:

يا بُغيَةً أهدَتْ إلى القلبِ لوْعَةً
لقد خُبئَتْ لي منك إحدى الدهارسِ

وما كنتُ أدري والبَلايا مُظِلّةٌ
بأنّ حِمامي تحتَ لحظِ مُخالِسِ.

جَلَستُ على مَكتوبَةِ القَلبِ طائِعاً
فيَا طَوْعَ مَحبوسٍ لأعنَفِ حابِسِ

فانتشر الشعر الذي قاله زرعة في المفداة في الحي حتى بلغها، فامتنعت عن لقائه، وتوقفت عن التحدث إلى الرجال، فجلس زرعة في بيته، يأكله الحزن، وبقي على ذلك سنة كاملة، وفي يوم مات أحد كبار القوم، وأقاموا له بيت العزاء، فذهبت الفداء تعزي فيه، وبلغ ذلك زرعة، وكان عنده بعض من رفاقه، فقرر الذهاب إليها، ولكن أصدقائه منعوه من ذلك، فأنشد قائلًا:

لمْ يُلَمُ في الوَفاءِ مَن كَتَمَ الْحُبّ
وأغضى على فؤادٍ لَهِيدِ

صَابَنا ذاك لاسم من جلبَ السّمَ
علَيه ونفسُهُ في الوَريدِ.

ومن ثم شهق شهقة، ومات من بعدها، فبدأ أهل البيت وأصدقائه بالصراخ، وانتشر خبر وفاته في الحي حتى وصل إلى المفداة، فقامت واتجهت نحو بيته، حتى وصلته، وكان وجهها قد تعفر، وحينما وصلت إليه كان أهله يصبون الماء عليه، فأرادت أن ترمي بنفسها عليه، ولكنّها منعت نفسها عن ذلك، وأسدلت الخمار على وجهها، وذهب إلى بيتها، وعندما أتى الليل، أنشدت تقول:

بِنَفْسِي يَا زَرْعَ بْنَ أرْقَمَ لوْعَةٌ
طَوَيتُ علَيها القلبَ والسرُّ كاتِمُ

لَئِنْ لمْ أمُتْ حُزْناً عَلَيْهِ فَإنّني
لألأمُ مَن نِيطَتْ عَلَيه التّمائِم

لَئِنْ فُتّني حَيّاً فَلَيْسَ بِفَائِتي
جوَارُك مَيْتاً حيثُ تَبلى الرَّمَائِم

ومن بعدها شهقت شهقة وماتت، فقاموا بدفنها إلى جانبه.

المصدر: كتاب "الشعر والشعراء" تأليف إبن قتيبةكتاب "الأغاني" تأيف أبو فرج الأصفهانيكتاب "ضرورة الشعر" تحقيق الدكتور رمضان عبد التوابكتاب "موسوعة الشعر النبطي الشعبي" تأليف صالح الحنيطي


شارك المقالة: