نشأة التوقيعات الأندلسية وتطورها

اقرأ في هذا المقال


تنوعت الفنون النثرية التي ظهرت في الأندلس، وازدهرت هذه الفنون مع ازدهار الكتابة، وكان لتطورات السياسية والاجتماعية دور في ازدهارها أيضًا، حيث نجد التوقيعات في كتب الأدب التي تزخر به في العصرين الإسلامي والعباسي، وفي هذا المقال سنتناول التوقيعات بالتعريف والتوضيح.

تعريف التوقيعات

التوقيع لغة: تعني الصحاح، وكذلك الأساس والقاموس والتاج، ويدل على التحقيق أو التقريب.

والتوقيعات مشتقة في اللغة من كلمة توقيع، ويقصد بهذه الكلمة التأثير، وذهب آخرون إلى أن التوقيع تم اشتقاقه من الوقوع؛ لأنه سبب في وقع الأمر، أو إيقاع الأمر المكتوب في الخطاب، فتوقيع كذا بمعنى إيقاعه.

قال الخليل: “التوقيع في الكتاب إلحاق فيه بعد الفراغ منه، واشتقاقه من قولهم: وقعت الحديدة بالميقعة، وهي المطرقة: إذا ضربتها، وحمار موقَّع الظهر، إذا أصابته في ظهره دَبَرَةٌ، والوقيعة: نُقرَةٌ في صخرة يجتمع فيها الماء وجمعها: وقائع” قال ذو الرمة:

ونزلنا سِقاطًا من حديثِ كأنه

جنى النحل ممزوجًا بماءِ الوقائع

فكأنما سُمّى توقيعًا؛ لأنه تأثير في الكاتب، أو لأنه سبب وقوع الأمر وإنفاذه، من قولهم: أوقعت الأمر فوقع.”

التوقيع اصطلاحًا: هو ما يوقع الكاتب على القضايا أو الطلبات المرفوعة للحاكم أو الملك أو الأمير، والكاتب يجلس في مجلس الحاكم أثناء حكمه فإذا كانت هناك قضية تعرض على الحاكم، أمر الحاكم الكاتب أن يوقع بما يجب إجراؤه، وفي مرات عديدة يكون الكاتب هو الحاكم نفسه.

أنواع التوقيعات

1- أن يكون التوقيع عبارة عن آية قرآنية مناسبة مع الموضوع أو القضية، ومثال على ذلك ما كتب به عامل أمينية إلى المهدي يشكو إليه سوء طاعة الرعية، فوقع المهدي بقول تعالى: “خُدِ العَفوَ وأَمُرْ بِالعُرْفِ وأعرِض عن الجاهلين” والتوقيع بآيات القرآن الكريم يكون بالأمور والقضايا الجدّية، وليس في أمور المزح والهزل.

2- أن يكون التوقع عبارة عن بيت شعر، مثال على ذلك ما كتب به قتيبة بن مسلم الباهلي إلى سليمان بن عبد الملك بن مروان يقوم بتهديده بأن يخلعه فوقع سليمان في كتابه:

زعم الفرزدق أن سَيَقُتلُ مِربَعًا

أبشر بطولِ سلامةٍ يا مِرَبعُ

3- قد يكون التوقيع عبارة عن مثل متداول مشهور، مثال على ما وقع به علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إلى طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: ” في بيته يؤتى الحكم”

4- وأن يكون التوقيع عبارة عن حكمة، مثال عليه ما وقعه الخليفة السفاح في قضية قوم شكوا احتباس أرزاقهم: “من صبر الشدة شارك في النعمة.”

5- وقد يكون التوقيع غير ذلك، مثل رسالة خالد البر مكي وهي عبارة عن رسالة خطت بخط رائع فوقع فيها     ” الخط جسم روحه البلاغة، ولا خير في جسم لا روح فيه.”

أنواع التوقيعات الأندلسية

1- توقيع عبد الرحمن الداخل: وقام الأمير إلى اللجوء إلى التوقيع بخط يده عندما رأى أحد كتابه يوقع إلى بعض العمال الذين قصروا في عملهم، حيث أَطَالَ الكاتب في توقيعه وعندما لاحظ الأمير عبد الرحمن الداخل ذلك قام بتمزيقه، ثم قام بالتوقيع بخط يده: “أما بعد، فإن يكن التقصير لك مقدما، فقد ينبغي الاكتفاء أن يكون لك مؤخرا والسلام”

2- توقيع الأمير عبد الرحمن الأوسط: وهذا نموذج آخر من التوقيعات الأندلسية وقد وقع في كتاب كتب إليه بعض صناعه حيث يدعونه لتولي عمل رفيع: “ومن لم يصب وجه مطلبه، كان الحرمان أولى به”

3- توقيع الخليفة عبد الرحمن الناصر: ومن أهم وأبرز ما وقعه الخليفة كتاب تم العثور عليه في مدينة قرطبة، دسه إليه أمير أفريقيا، وكانت بينهم مشاحنة وعداوة، فلما رفع إليه وقع عليه: “يا هذا، عرفتنا فسببتنا، وَجَهِلنَاكَ نحن، فأمسكنا عنك.”

نشأة التوقيعات الأندلسية وتطورها

عند توافد العرب إلى الأندلس جلبوا علومهم وفكرهم الثقافي، وقاموا بنقل التوقيعات مع الفنون الأخرى، ورغم ذلك ظهرت التوقيعات متأخرة في العصر الأندلسي.

عرف عن عبد الرحمن الداخل شهرته وتميزه بالتوقيعات الجيدة ذات بلاغة كبيرة، ولقد شهدت الأندلس في عصر الإمارة ازدهار واضح من جميع النواحي، انتقل إليها العديد من الفنون ومن ضمنها التوقيعات وقد تم تطور وازدهار التوقيعات في هذا العهد.

وفي عصر الموحدين ازدهرت التوقيعات بشكل هائل تغلبت على توقيعات عصر المرابطين، حيث بثّوا في التوقيعات الروح، وجعلوها ترتقي إلى نفس المنزلة التي وصلت إليها هذه التوقيعات في الحكم الأموي، وكانت تحمل صفات مميزة وتكتب بلغة مختصرة ومعبرة.

وفي النهاية نستنتج أن الفنون الثرية تنوعت في بلاد الأندلس، وازدهرت مع ازدهار الكتابة على اختلاف أنواعها، ومن هذه الفنون التوقيعات.

المصدر: تاريخ الأدب الأندلسي عصر ملوك الطوائف والمرابطين، تأليف إحسان عباس 2008كتاب المائيات في الشعر الأندلسي عصر ملوك الطوائف 2016الأخلاق الأسلامية في الشعر الأندلسي عصر ملوك الطوائف د. يوسف شحدة الكحلوت 2010صورة الممدوح في الشعر الأندلسي عصر الطوائف 2015مختارت من الشعر الأندلسي 2008


شارك المقالة: