نظرية المعرفة من وجهة نظر آدامز

اقرأ في هذا المقال


تشير كتابات جين أدامز للأعوام من 1860 إلى عام 1935، بالإضافة إلى الاعتماد على عمل عالمة الاجتماع النسوية المعاصرة دوروثي سميث، لا بد من أنّ الفيلسوفة جين آدامز مارست طريقة في التحقيق تسمى (وجهة النظر)، حيث كتبت آدامز علم اجتماع للناس، وسعى علم اجتماعها إلى تمكين الناس، في حين أنّ عمل آدامز نسوي في الأساس، فإنّه من المزعوم أنّ مصطلح (علم الاجتماع النسوي) الذي كان محرراً ذات مرة ربما وصل إلى حدود فائدته، فلقد أظهرت آدامز كيف أنّ النظرية هي ممارسة، ولقد أوضحت كيف أنّ علم الاجتماع هو حياة نعيشها من أجل تغيير تلك الحياة وربما حياة أخرى أيضًا.

آدامز ونظرية وجهة نظر النسوية:

اهتم الفلاسفة النسويون بتأثير السياق على النظرية أكثر من الفلاسفة السائدين، وعلى الرغم من وجود نقاشات حية داخل الدوائر الفلسفية النسوية فيما يتعلق بطبيعة الموضوعية، فقد طوّر العديد منها دوروثي سميث ونانسي هارتسوك وهيلاري روز وأليسون جاغار وساندرا هاردينغ فكرة أنّ المعرفة موجودة بالفعل، على وجه الخصوص يقدّر منظرو وجهة النظر النسوية وجهات النظر والنظريات المستمدة من المواقف المضطهدة في المجتمع مثل تجربة المرأة.

يصف هاردينغ وجهة النظر النسوية بأنّها شيء يجب تحقيقه بدلاً من منظور سلبي، فلقد عاشت جميع النساء تجربة في جسد المرأة وبالتالي لديهن منظور نسائي، ولكن وجهة النظر النسوية تتطلب جهدًا للتراجع للحصول على صورة شاملة عن صراعات السلطة، ومن خلال فهم الجانب المنظوري لادعاءات المعرفة يمكن أن تخلق نظرية المعرفة لوجهة النظر معرفة مكتوبة يمكن الاستفادة منها لتخريب الأنظمة القمعية، وتتمثل إحدى تحديات نظرية وجهة النظر في كيفية إعطاء صوت لمواقف متعددة دون التراجع عن التسلسلات الهرمية التي تفضل وجهات نظر معينة على غيرها.

تُظهر جين آدامز تقديرًا لروح نظرية وجهة النظر من خلال عملها وكتابتها في هال هاوس، وعلى الرغم من المكانة الاجتماعية المتميزة التي ولدت فيها إلّا أنّ موهبتها الاستيطانية غمرتها في مجتمعات محرومة، وتصف آدامز بشكل شعري تفويضها الأخلاقي بمقابلة الآخرين ومعرفتهم وفهمهم، بحيث أنّه لا يمكن للفرد أن يكتشف الحقيقة إلّا من خلال الاهتمام العقلاني والديمقراطي بالحياة، وإعطاء الحقيقة تعبيرًا اجتماعيًا كاملاً، فقد يعترض المرء أنّه على الرغم من أنّ هذه المشاعر رائعة، إلّا أنّه لا يزال يتم التحدث بها على أنّها دخيلة، فما الذي يشكل دخيل؟

عاشت آدامز الجزء الأفضل من نصف قرن في حي هال هاوس المتنوع في شيكاغو، ولم تعد إلى منزلها في الضواحي أو تعود ببياناتها إلى مكتب جامعي، وعاشت وعملت بين الجريمة والفساد المدني والدعارة والورش وغيرها من العلل في المجتمع، وعندما بدأوا هال هاوس لأول مرة كانت آدامز وصديقتها ستار متورطين في الغرباء، ومع ذلك فإنّ الوقت والقرب والرغبة الجادة في التعلم والمساعدة كسب ثقة واحترام الحي، وأصبح الغرباء من الداخل.

عندما كتبت آدامز أو تحدثت عن العاملات العازبات أو الأطفال العاملين أو البغايا أو الجيل الأول والثاني من المهاجرين، استخدمت المعرفة المباشرة المكتسبة من تفاعلاتها الاجتماعية، واستفادت آدامز من تجربتها في هال هاوس لإعطاء صوت لوجهات النظر المهمشة في المجتمع، وفي الوقت نفسه عملت على إعطاء المظلومين صوتهم من خلال دورات الإرشاد الجامعي ودورات اللغة الإنجليزية والنوادي الاجتماعية التي عززت النقاش السياسي والاجتماعي.

كما كانت آدامز مدركةً لذاتها بشأن التحدث نيابة عن الآخرين، ولم تحاول آدامز الوصول إلى حقائق أخلاقية عالمية ولكنه أدرك أن وجهة نظر جيران هال هاوس مهمة.

فلسفة آدامز في المعرفة والعمل المنزلي:

في مقال نُشر عام 1896 في المجلة الأمريكية لعلم الاجتماع بعنوان (صناعة متأخرة)، حيث تتناول آدامز محنة النساء في العمل المنزلي، وكان هؤلاء العمال الأكثر ضعفا معظمهم من النساء وكثير منهم مهاجرون بمهارات محدودة في اللغة الإنجليزية، ويعملون في وظيفة لم توفر سوى القليل من الحماية القانونية أو إمكانيات التنظيم، وتبدأ آدامز المقال بحاشية تدّعي أنّ معرفتها بالعمال المنزليين تأتي من تجربتها مع مكتب عمل المرأة وهو أحد مشاريع هال هاوس العديدة.

تواصل آدامز معالجة عجز العمل المنزلي خاصةً لأنّه ينطوي على العزلة وعلاقة قوة غير منصفة إلى حد كبير، فليس لدى الموظف المنزلي فرصة منتظمة لمقابلة عمال آخرين في مهنتها، والحصول معهم على كرامة المجتمع، وتحدد آدامز البعد الجنساني لهذا العمل القمعي من حيث أنّه سيستاء الرجال من الموقف ويعتبرونه مستحيلًا تمامًا، إذا كان يعني التخلي عن أسرتهم وروابطهم الاجتماعية، والعيش تحت سقف الأسرة التي تتطلب خدماتهم.

تستنبط آدامز تجربتها مع هؤلاء العمال لإسكان وجهة نظرهم بشكل خيالي ومنحهم صوتًا، وهي تدّعي صراحةً بأنّ هناك محاولة لتقديم هذه العمالة المنزلية، من وجهة نظر هؤلاء النساء اللائي يعملن في المنازل مقابل أجر، واعترفت آدامز مرارًا وتكرارًا بتجارب الشعوب المضطهدة التي عرفتها في محاولة للإقرار بمخاوفهم في الديمقراطية الاجتماعية التي كانت تحاول رعايتها.

فلسفة آدامز بين وجهة النظر والمعرفة المتعاطفة:

تعتقد آدامز أنّ التعرف على وجهات النظر البديلة كان مهمًا في تعزيز التقدم الاجتماعي من خلال المعرفة المتعاطفة، وبناءً على ذلك إذا تم إعطاء صوت للأفراد الذين يشغلون مناصب مهمشة في المجتمع، فإنّه يعزز إمكانية فهم أفضل بين الناس بالإضافة إلى الإجراءات التي يمكن أن تؤدي إلى تحسين أوضاعهم، كما انخرطت آدامز في التوازن الصعب لتكريم وجهات النظر بينما تسعى في الوقت نفسه إلى التواصل والاستمرارية للبناء عليها.

يتجلى ذلك في كتب آدامز:

1- عن الشباب.

2- الشباب وشوارع المدينة.

3- النساء المسنات.

4- الطريق الطويل لذاكرة المرأة.

العمل الأخير عبارة عن أطروحة عن الذاكرة تستند إلى ذكريات الجيل الأول من النساء المهاجرات، وبدلاً من تأسيس نظريتها على تجارب النساء المشهورات المنظرات أو الكاتبات، فقد كانت آدامز تعرف معظم النساء البارزات في عصرها، واستندت آدامز في تحليلها إلى النساء اللواتي كن جاراتها في هال هاوس، ولم تؤسس آدامز عملها الفلسفي على التجربة فحسب بل على تجارب من هم على هامش المجتمع.

تضع آدامز الخبرة قبل النظرية، ولم تبدأ بطرح نظرية حول هؤلاء النساء، وبدلاً من ذلك أعادت سرد عدد من القصص التي سمعتها منهم ثم استخلصت استنتاجات حول وظيفة الذاكرة، وبالنسبة لآدامز النظرية تتبع التجربة، كما كانت آدامز من بين الأقلية بين أقرانها في الفلسفة أو النسوية لتؤمن بأنّ النساء المهاجرات من الطبقة العاملة لا يجب أن يُمنحن صوتًا فحسب، بل يجب أن يكون لهن أيضًا شيء مهم للمساهمة في مجتمع الأفكار.

المصدر: Jane AddamsAddams, Jane. Democracy and Social Ethics, 1902; Urbana, IL: University of Illinois Press, 2002.“A Function of the Social Settlement,” 1899; reprinted in Christopher Lasch (ed.), The Social Thought of Jane Addams, Indianapolis: The Bobbs-Merrill Company, Inc., 1965.


شارك المقالة: