قصة اختراع الأرقام

اقرأ في هذا المقال


أصبحت الأرقام والأعداد جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، خاصةً عندما نأخذ في الاعتبار الكمبيوتر الحديث، حيثُ تم تسجيل هذه الكلمات التي نقرأها على جهاز كمبيوتر باستخدام رمز الآحاد والأصفار، تُعد قصة الأرقام مثيرة للاهتمام، فكيف أصبحت هذه الأرقام تهيمن على عالمنا؟

قصة اختراع الأرقام:

علامات (عد العصا) كما كانت تسمّى في القدم، أقدم دليل أثري معروف لأي شكل من أشكال الكتابة أو العد هو علامات خدش على عظم منذ 150 ألف عام، لكن أول دليل قوي حقًا على العد، كان على شكل الرقم واحد يعود إلى عشرين ألف عام فقط، تم العثور على عظم “إيشانجو” في الكونغو مع علامتين متطابقتين من ستين خدشًا لكل منهما ومجموعات مرقمة بالتساوي على الظهر، وهذه العلامات هي مؤشر معين على العد وتمثل لحظة حاسمة في الحضارة الغربية، يخبرنا علماء الحيوان أنّ الثدييات بخلاف البشر قادرة على العد حتى ثلاثة أو أربعة فقط، بينما كان أسلافنا الأوائل قادرين على العد أكثر.

فقد اعتقدوا أنّ ضرورة الأرقام أصبحت أكثر وضوحًا عندما بدأ البشر في بناء منازلهم، على عكس ذلك للعيش في الكهوف ونحوها، يخبرنا علماء الأنثروبولوجيا أنّه في سوما، في حوالي 4000 سنة قبل الميلاد، استخدم السومريون الرموز المميزة لتمثيل الأرقام، كان أحد التطورات المهمة جدًا من استخدام الرموز المميزة لتمثيل الأرقام أنّه بالإضافة إلى إضافة الرموز، يمكنك أيضًا حذفها وهو حدث مهم، أتاحت الرموز السومرية العمليات الحسابية المطلوبة لهم لتقييم الثروة وحساب الربح والخسارة والأهم من ذلك جمع الضرائب، وكذلك الاحتفاظ بسجلات دائمة.

الاعتقاد السائد هو أنّه بهذه الطريقة أصبحت الأرقام هي الكتابات الأولى في العالم، وبالتالي ولدت المحاسبة، إنّ المجتمعات الأكثر بدائية، مثل (Wiligree) في وسط أستراليا، لم تستخدم الأرقام أبدًا، ولم تشعر بالحاجة إليها، وقد نتساءل، لماذا إذن شعر السومريون في الجانب الآخر من العالم بالحاجة إلى رياضيات بسيطة؟ الجواب بالطبع لأنّهم كانوا يعيشون في مدن تتطلب التنظيم، على سبيل المثال يجب تخزين الحبوب وتحديد مقدار ما يحصل عليه كل مواطن من الحساب المطلوب.

نشأة الأرقام في الحضارات المختلفة:

أحب المصريون كل الأشياء الكبيرة، مثل المباني الكبيرة والتماثيل الكبيرة والجيوش الكبيرة، لقد طوّروا أعدادًا كبيرة للأرستقراطيين، مثل ألف وعشرة آلاف وحتى مليون، كان تحول المصريين من استخدام “واحد” من عدّ الأشياء إلى قياس الأشياء ذا أهمية كبيرة، تطلب حماسهم للبناء قياسات دقيقة لذلك حددوا نسختهم الخاصة من “واحد”، باستخدام هذا المقياس القياسي “واحد”، أكمل المصريون مشروعات بناء ضخمة، مثل أهراماتهم العظيمة بدقة مذهلة.

قبل ألفين ونصف سنة، أسس فيثاغوروس مدرسته النباتية للرياضيات في اليونان، كان فيثاغوروس مفتونًا بالأعداد الصحيحة، ملاحظًا أنّ التناغمات هي مجموعات من الأعداد الصحيحة، ومقتنعًا بأنّ الرقم واحد هو أساس الكون، حاول أن يجعل الجوانب الثلاثة للمثلث عددًا محددًا من الوحدات، وهو إنجاز لم يكن قادرًا على تحقيقه، وهكذا هُزم بسبب شكله الهندسي المفضل، وهو الشكل الذي سيشتهر به إلى الأبد، نُسب إليه الفضل في نظرية فيثاغورس، على الرغم من أنّ النصوص الهندية القديمة، سولفا سوترا (800 قبل الميلاد) وشاتاباتا براهمانا (القرنان الثامن والسادس قبل الميلاد) تثبت أنّ هذه النظرية كانت معروفة في الهند قبل حوالي ألفي عام من ولادته.

في وقت لاحق من القرن الثالث قبل الميلاد، دخل أرخميدس العالِم اليوناني الشهير، الذي أحب ممارسة الألعاب بالأرقام، إلى عالم لا يمكن تصوره محاولًا حساب أشياء مثل عدد حبات الرمل التي ستملأ الكون بأسره، حيثُ ثبت أنّ بعض هذه التمارين الفكرية مفيدة، مثل تحويل الكرة إلى أسطوانة، تم استخدام صيغته لاحقًا لأخذ كرة أرضية وتحويلها إلى خريطة مسطحة، كان الرومان الذين غزوا اليونان مهتمين بالسلطة وليس الرياضيات المجردة، قتلوا أرخميدس في 212 قبل الميلاد وبالتالي أعاقوا تطور الرياضيات كان نظام الأرقام الرومانية الخاص بهم معقدًا للغاية بحيث لا يمكن حسابه، لذلك كان يجب إجراء العد الفعلي على لوحة العد.

على الرغم من أنّ استخدام نظام الأرقام الرومانية انتشر في جميع أنحاء أوروبا وظل النظام العددي السائد لأكثر من خمسمائة عام، لم يتم الاحتفال اليوم بأي عالم رياضيات روماني، كان الرومان أكثر اهتمامًا باستخدام الأرقام لتسجيل فتوحاتهم وإحصاء الجثث، ابتكر الهنود منذ 500 قبل الميلاد، نظامًا من الرموز المختلفة لكل رقم من واحد إلى تسعة وهو نظام أصبح يُطلق عليه الأرقام العربية، لأنّها انتشرت أولاً في البلدان الإسلامية قبل أن تصل إلى أوروبا بعد قرون، يعود ما هو معروف تاريخيًا إلى أيام حضارة هارابان (2600-3000) قبل الميلاد، نظرًا لأنّ هذه الحضارة الهندية تتعمق في التجارة والأنشطة الثقافية كان من الطبيعي أن يبتكروا أنظمة الأوزان والقياسات.

من الواضح أنّ هذه الدقة كانت مطلوبة لتخطيط المدن ومشاريع البناء، فقد تم اكتشاف الأوزان المقابلة لوحدات 0.05 و0.1 و0.2 و0.5 و1 و2 و5 و10 و20 و50 و100 و200 و500، ومن الواضح أنّها لعبت أجزاء مهمة في تطوير التجارة، يبدو واضحًا من الأعمال السنسكريتية المبكرة في الرياضيات أنّ الطلب المُلِح في ذلك الوقت كان موجودًا، لأنّ هذه الكتب مليئة بمشاكل التجارة والعلاقات الاجتماعية التي تنطوي على حسابات معقدة، هناك مشاكل في التعامل مع الضرائب والديون والفوائد، ومشاكل الشراكة والمقايضة والتبادل، تتطلب تعقيدات المجتمع والعمليات الحكومية والتجارة الواسعة أساليب حساب أبسط.

أقدم المراجع الأدبية والأثرية الهندية في الأرقام:

عندما نناقش أرقام نظام الأعداد العشرية اليوم، فإنّنا نشير إليها عادةً باسم “الأعداد العربية”، ومع ذلك فإنّ أصلهم هو الهند، حيث تم نشرهم لأول مرة في (Lokavibhaga) في 28 أغسطس 458 م، وهو أول وثيقة تظهر بوضوح الإلمام بالنظام العشري، يُقدم أحد أقسام هذا العمل نفسه ملاحظات فلكية مفصلة تؤكد للباحثين المعاصرين أّنه في التاريخ المزعوم كُتب في (التقويم اليولياني) عن أنظمة الأعداد، وإنّ هذه المعلومات لا تسمح لنا فقط بتأريخ الوثيقة بدقة، بل تثبت أيضًا صحتها، إذا كان أي شخص يشك في هذه المعلومات الفلكية، فيجب الإشارة إلى أنّ تزوير هذه البيانات يتطلب فهمًا ومهارة أكبر بكثير مما يتطلبه إجراء الحسابات الأصلية.

يُنسب أصل نظام القيمة المكانية الحديث المستند إلى العشري إلى عالِم الرياضيات الهندي أرياباتا الأول، باستخدام الكلمات الرقمية السنسكريتية للأرقام، ذكر أريابهاتا “Sthanam sthanam dasa gunam” أو “المكان المراد وضعه فيه عشرة أضعاف القيمة”، أقدم سجل لتخصيص مكان القيمة هذا موجود في وثيقة مسجلة في 594م حيثُ تم العثور على أقدم نقش مسجل للأرقام العشرية لتشمل رمز الرقم صفر، دائرة صغيرة في معبد تشاتوربوجا في جواليور، الهند بتاريخ 876 م، وينص هذا النقش السنسكريتي على أنّ حديقة قد زرعت لإنتاج الزهور لعبادة المعبد وكانت هناك حاجة إلى حسابات للتأكد من أنّ لديهم ما يكفي من الزهور.

أدى استخدام الصفر مع الأرقام التسعة الأخرى إلى فتح عالم جديد تمامًا من العلوم للهنود، في الواقع كان علماء الفلك الهنود متقدمين على العالم المسيحي بقرون، فقد اكتشف العلماء الهنود أنّ الأرض تدور حول محورها وتتحرك حول الشمس، وهي حقيقة لم يفهمها كوبرنيكوس في أوروبا إلّا بعد مرور ألف عام، من هذه المصادر وغيرها لا يمكن أن يكون هناك شك في أنّ نظامنا الحديث للحساب، الذي يختلف فقط في الاختلافات في الرموز المستخدمة للأرقام والتفاصيل الثانوية للمخططات الحسابية، بأنّهُ نشأ في الهند على الأقل بحلول عام 510م وربما بحلول عام 458م.

نظام الأرقام العشري:

الأرقام الهندية هي عناصر من اللغة السنسكريتية، وكانت موجودة في العديد من المتغيرات قبل وقت طويل من نشرها الرسمي خلال أواخر فترة (320-540م)، على عكس جميع أنظمة الأرقام، لم تكن الأرقام الهندية مرتبطة بالأصابع أو الحصى أو العصي أو الأشياء المادية الأخرى، بالتالي إنّ الأرقام العشرية العربية الهندية يعتمد تطويرها على ثلاثة مبادئ تجريدية رئيسية (وبالتأكيد غير بديهية):

  • أولاً: فكرة إرفاق كل علامة رسومية أساسية تم إزالتها من جميع الارتباطات البديهية، ولم تستدعي الوحدات التي يمثلونها بصريًا.
  • ثانياً: فكرة اعتماد المبدأ الذي بموجبه تكون للأرقام الأساسية قيمة تعتمد على الموقع الذي تشغله في تمثيل الرقم.
  • ثالثاً: وضع الصفر، وملء الفراغات للوحدات المفقودة وفي نفس الوقت يكون لها معنى الرقم الفارغ.

يمكن تقدير الإنجاز الفكري العظيم لنظام الأرقام الهندي العشري عندما يتم التعرف على ما يعنيه التخلي عن تمثيل الأرقام من خلال الأشياء المادية، إنّه يشير إلى أنّ الكهنة والعلماء الهنود فكروا في الأرقام كمفهوم فكري، كشيء مجرد وليس ملموس، هذا شرط أساسي للتقدم في الرياضيات والعلوم بشكل عام، لأنّ إدخال الأرقام غير المنطقية مثل “pi”، العدد المطلوب لحساب المنطقة داخل دائرة، أو استخدام الأرقام التخيلية مستحيل ما لم يتم الربط بين الأرقام والأشياء المادية، نظام الأرقام الهندي العشري هو نظام الأساس 10 حصريًا، على عكس النظام البابلي (العراق الحديث)، الذي كان القاعدة التابع له 60.

على سبيل المثال، حساب الوقت بالثواني والدقائق والساعات، بحلول منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد، كان للرياضيات البابلية نظام ترقيم موضعي ستيني متطور (يعتمد على 60 وليس 10)، على الرغم من اختراع الصفر كعنصر نائب، فإنّ البابليين لم يكتشفوا الصفر كرقم، حيثُ تمت الإشارة إلى عدم وجود قيمة موضعية (أو صفر) من خلال المسافة بين الأرقام، وأضافوا رمز “المسافة” للصفر في حوالي 400 قبل الميلاد، ومع ذلك فإنّ هذا الجهد المبذول لحفظ نظام رقم المكان الأول لم يتغلب على مشاكله الأخرى، وصعود الإسكندرية هو الذي أدّى إلى نهاية نظام الترقيم البابلي وأرقامه المسمارية (الشبيهة بالهيروغليفية).


شارك المقالة: