قصة اختراع الصفر

اقرأ في هذا المقال


كان مفهوم الصفر شائعًا في الهند في منذ القرن الخامس، وقبل ذلك الوقت كافح علماء الرياضيات حتى أجروا بالعمليات الحسابية، اليوم الصفر كرمز (أو رقم) وكمصطلح يعني اللا شيء، يسمح لنا بإجراء حساب التفاضل والتكامل، وعمل المعادلات المعقدة، واختراع أجهزة الكمبيوتر، حيثُ قال بيتر غوبيتس، سكرتير مؤسسة (ZerOrigIndia)، إنّ الصفر الهندي [أو العددي]، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنّه أحد أعظم الابتكارات في تاريخ البشرية، هو حجر الزاوية في الرياضيات والفيزياء الحديثة، بالإضافة إلى التكنولوجيا العرضية، تبحث مؤسسة (ZerOrigIndia)، ومقرها هولندا في أصول الرقم صفر.

ما هي قصة اختراع الصفر؟

قالت الدكتورة أنيت فإنّ دير هوك، عالمة الهنود ومنسقة الأبحاث في مشروع (Zero Project)، إنّ الصفر كعنصر نائب تم اختراعه بشكل مستقل في الحضارات حول العالم، حصل البابليون على نظام الأرقام الخاص بهم من السومريين، وهم أول الناس في العالم الذين طوروا نظام العد، تم تطوير النظام السومري منذ 4000 إلى 5000 عام وكان موضعيًا، تعتمد قيمة الرمز على موضعه بالنسبة للرموز الأخرى، يشير روبرت كابلان ، مؤلف كتاب “The Nothing That Is: A Natural History of Zero”، إلى أنّ العنصر النائب في الصفر ربما كان زوجًا من الأوتاد الزاوية المستخدمة لتمثيل عمود رقم فارغ.

ومع ذلك فإّن تشارلز سيف، مؤلف كتاب “Zero: The Biography of a Idea” لا يوافق على أنّ الأوتاد تمثل عنصرًا نائبًا في الصفر، مرّ نظام السومريين عبر الإمبراطورية الأكدية (وهي إمبراطورية تمركزت في مدينة أكاد وبالمناطق المحيطة بها في منتصف بلاد الرافدين)، إلى البابليين حوالي 300 قبل الميلاد، هناك ظهر رمز كان من الواضح أنّه عنصر نائب لمعرفة 10 من 100 أو للدلالة على أنّه في العدد 2025، في البداية ترك البابليون مساحة فارغة في نظام الأرقام المسمارية الخاصة بهم، ولكن عندما أصبح ذلك مربكًا، أضافوا رمزًا لتمثيل العمود الفارغ.

ومع ذلك كله لم يطوروا فكرة الصفر كرقم، بعد ستمائة عام و12000 ميل من بابل، طور المايا الصفر كعنصر نائب في حوالي 350م، واستخدموه للإشارة إلى عنصر نائب في أنظمة التقويم الخاصة بهم، على الرغم من كونهم علماء رياضيات ذوي مهارات عالية، لم يستخدم المايا الصفر في المعادلات أبدًا، يصف كابلان اختراع المايا للصفر بأنّه “المثال الأكثر وضوحًا على اختراع الصفر موجود في كتاب “الكامل من الصفر”.

تطوير مفهوم الصفر في الهند:

حيث أصبح الصفر رقمًا يؤكد بعض العلماء أنّ المفهوم البابلي شق طريقه إلى الهند، منح الهنود الفضل في تطوير الصفر العددي بشكل مستقل، قال جوبيتس الذي تتكون منظمته من أكاديميين وطلاب دراسات عليا مكرسين لدراسة تطوير الصفر في الهند، قال جوبيتس: “يفترض مشروع (Zero Project) أنّ الصفر الرياضي (‘shunya’، باللغة السنسكريتية) ربما نشأ من الفلسفة المعاصرة للفراغ أو “Shunyata”، وقال “فان دير هوك” إنّه إذا كانت العوامل الفلسفية والثقافية الموجودة في الهند مهمة لتطوير الصفر كمفهوم رياضي، فإنّها ستفسر سبب عدم تطوير الحضارات الأخرى للصفر كمفهوم رياضي.

وفقًا لكتاب “The Crest of the Peacock؛ NonEuropean Roots of Mathematics”، للدكتور جورج غيرغيز جوزيف، ظهر مفهوم الصفر لأول مرة في الهند حوالي 458، يقترح جوزيف أنّ الكلمة السنسكريتية للصفر، “śūnya” تعني “فراغ” أو “فارغ” ومشتقة من كلمة النمو، مقترنة بالتعريف المبكر الموجود في “Rig-veda” لـ”النقص”، مشتق التعريفين هو “Śūnyata”، وهو مذهب بوذي عن “الفراغ”، أو إفراغ العقل من الانطباعات والأفكار، قال فان دير هوك: “من هذه الفلسفة، نعتقد أنّ عددًا لاستخدامه في المعادلات الرياضية قد تم تطويره”، نحن نبحث عن الجسر بين الفلسفة الهندية والرياضيات.

قال جوبيتس: “تم تعريف الصفر وعمله لأول مرة من قبل [عالم الفلك والرياضيات الهندوسي] براهماجوبتا في عام 628، طور رمزًا للصفر: حيثُ كان عبارة عن نقطة تحت الأرقام، وأضاف جوبيتس “لكنه أيضًا لا يدعي أنّه اخترع الصفر!، والذي يفترض أنّه كان موجودًا منذ قديم الزمان، يعود تاريخ نقش على جدار معبد في جواليور بالهند إلى القرن التاسع، ويعتبر أقدم مثال مسجل للصفر، وفقًا لجامعة أكسفورد، يوجد مثال آخر هو لفيفة هندية قديمة تسّمى مخطوطة (Bhakshali)، اكتشفها الباحثون حوالي عام 1881، واعتقدوا أنّ الصفر نشأ أيضًا في القرن التاسع، ومع ذلك فقد كشف التأريخ الكربوني الحديث أنّه ربما تمت كتابته في القرن الثالث.

يُعد أقرب استخدام مسجل إلى الصفر إلى الوراء 500 عام، قال ماركوس دو سوتوي، أستاذ الرياضيات في جامعة أكسفورد، “اليوم نعتبر أن مفهوم الصفر يُستخدم في جميع أنحاء العالم وهو لبنة أساسية في العالم الرقمي، ولكن إنشاء الصفر يُعد رقمًا في كل الأحوال، والذي نشأ من رمز النقطة النائب الموجود في مخطوطة بخشالي، أحد أعظم الاختراقات في تاريخ الرياضيات، “نحن نعلم الآن أنّه في وقت مبكر من القرن الثالث، زرع علماء الرياضيات في الهند بذرة الفكرة التي أصبحت فيما بعد أساسية جدًا للعالم الحديث، تُظهر النتائج كيف كانت الرياضيات الحيوية في شبه القارة الهندية، وكيف ساهمت الهند في تطوير العلوم المختلفة”.

انتشار مفهوم الصفر من الشرق الأوسط إلى جميع انحاء أوروبا:

على مدى القرون الماضية، انتشر مفهوم الصفر في الصين والشرق الأوسط، وفقًا لنيلزبرتيل والين من (YaleGlobal)، أنّه بحلول عام 773، وصل الصفر إلى بغداد حيث أصبح جزءًا من نظام الأرقام العربية، الذي يعتمد على النظام الهندي، اقترح عالم الرياضيات الفارسي محمد بن موسى الخوارزمي أنّه يجب استخدام دائرة صغيرة في الحسابات إذا لم يظهر أي رقم في خانة العشرات، وقد أطلق العرب على هذه الدائرة اسم “صفر” أو “فراغ”، كان الصفر حاسمًا للخوارزمي الذي استخدمه لاختراع الجبر في القرن التاسع، كما طور الخوارزمي طرقًا سريعة لضرب الأعداد وقسمتها، والتي تُعرف باسم الخوارزميات.

في عام 813 بعد الميلاد، أعد عالم الرياضيات الفارسي محمد بن موسى الخوارزمي الجداول الفلكية باستخدام الأرقام الهندوسية؛ نشر كتابًا يجمع المعرفة اليونانية والهندوسية واحتوى أيضًا على مساهمته الخاصة في الرياضيات بما في ذلك شرح استخدام الصفر، تمت ترجمة هذا الكتاب لاحقًا إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر تحت عنوان (Algoritmi de numero Indorum)، كانت كلمة “Algoritmi” هي الترجمة اللاتينية لاسم الخوارزمي، وبدأت كلمة “Algorithm” أو “Algorism” تكتسب معنى أي حساب يعتمد على الكسور العشرية.

ثم بعد ذلك بلغ الصفر طريقه إلى أوروبا من خلال الفتح المغربي لإسبانيا وطوره عالم الرياضيات الإيطالي فيبوناتشي، الذي استخدمه لعمل معادلات بدون عداد، ثم الأداة الأكثر انتشارًا لإجراء العمليات الحسابية، كان هذا التطور شائعًا للغاية بين التجار، الذين استخدموا معادلات فيبوناتشي التي تتضمن صفرًا لموازنة كتبهم، قال فان دير هوك إنّ الزعماء الدينيين في العصور الوسطى في أوروبا لم يدعموا استخدام الصفر، يشير والين إلى أنّ الحكومة الإيطالية كانت متشككة في الأرقام العربية وحظرت استخدام الصفر، استمر التجار في استخدامه بشكل غير قانوني وسري.

إنّ الكلمة العربية التي تعني صفر تغيرت وأصبحت تعنى بكلمة “تشفير”، والتي لا تعني فقط حرفًا رقميًا، بل أصبحت تعني أيضًا “رمز”، بحلول القرن السابع عشر، تم استخدام الصفر على نطاق واسع في جميع أنحاء أوروبا، حيثُ كانت أساسية في نظام الإحداثيات الديكارتية لرينيه ديكارت وفي حساب التفاضل والتكامل، الذي طوره السير إسحاق نيوتن وجوتفريد ويلهم ليبنيز بشكل مستقل، مهد حساب التفاضل والتكامل الطريق للفيزياء والهندسة وأجهزة الكمبيوتر والكثير من النظرية المالية والاقتصادية.

قال جوبيتس: “أصبح مفهوم الفراغ الآن مركزيًا للفيزياء الحديثة: يُنظر إلى الكون المعروف بأكمله على أنّه” لعبة محصلتها الصفر “من بين آخرين، مثل ستيفن هوكينج”، تجلى رقم ومفهوم الصفر، المستوردان من الهند، بطرق مختلفة، قال جوبيتس: “أصبح الصفر أمرًا شائعًا لدرجة أنّه لعب دورًا مهمًا في جميع الأمور الرياضية والعلمية، وهو دور مذهل يُعد من أعظم الاختراعات خلال العصور.

الصفر في أجهزة الكمبيوتر:

كانت الممارسة الأكثر شيوعًا عبر تاريخ البشرية هي بدء العد بواحد، وهذه هي الممارسة في أوائل لغات برمجة الكمبيوتر الكلاسيكية مثل فورتران وكوبول، ومع ذلك في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، أدخل نظام (LISP) ترقيمًا صفريًا للمصفوفات بينما قدم (Algol 58) أساسًا مرنًا تمامًا لنصوص المصفوفات (مما يسمح بأي عدد صحيح موجب أو سالب أو صفري كأساس لنصوص المصفوفات)، واعتمدت معظم لغات البرمجة اللاحقة واحدة أو أخرى من هذه المواقف،على سبيل المثال يتم ترقيم عناصر المصفوفة بدءًا من (0 في لغة C)، بحيث يتم تشغيل تسلسل مؤشرات المصفوفة من (0 إلى n − 1) لمجموعة من العناصر (n).

يسمح هذا بحساب موقع عنصر المصفوفة عن طريق إضافة الفهرس مباشرةً إلى عنوان المصفوفة، بينما تحسب اللغات القائمة على (1) مسبقًا عنوان المصفوفة الأساسي ليكون الموضع قبل العنصر الأول، يمكن أن يكون هناك ارتباك بين الفهرسة المستندة إلى (0 و1)، على سبيل المثال تقوم برمجيات (JDBC من Java) بفهرسة المعلمات من (1) على الرغم من أنّ (Java) نفسها تستخدم الفهرسة المستندة إلى (0)، في قواعد البيانات من الممكن أن لا يكون للحقل قيمة، ثم يقال أنّ لها قيمة فارغة، بالنسبة للحقول الرقمية، فهي ليست القيمة صفر، بالنسبة للحقول النصية، هذا ليس فارغًا ولا السلسلة الفارغة.

المؤشر الفارغ هو مؤشر في برنامج الكمبيوتر لا يشير إلى أي كائن أو وظيفة، في لغة (C) يتم تحويل العدد الصحيح الثابت (0) إلى مؤشر فارغ في وقت الترجمة عندما يظهر في سياق المؤشر، وبالتالي فإنّ الرقم (0) هو طريقة قياسية للإشارة إلى المؤشر الفارغ في التعليمات البرمجية، ومع ذلك قد يكون التمثيل الداخلي للمؤشر الفارغ أي نمط (ربما قيم مختلفة لأنواع بيانات مختلفة).


شارك المقالة: