الرعاية الاجتماعية الإسلامية على مستوى الأسرة

اقرأ في هذا المقال


عند التحدُّث عن الرعاية الاجتماعية على مستوى الأفراد، فإنَّنا نقترب كثيراً من الرِّعاية الاجتماعية على مستوى الأسرة على أساس أنَّ قيام كلِّ فرد بمسؤولياته وواجباته ينعكس بالضرورة وفي المقام الأوّل على الأسرة التي ينتمي إليها، ويمكن أن نستدلَّ على الرعاية الاجتماعية على مستوى الأسرة من خلال نوعين من الرِّعاية: النفقة، الميراث.

النفقة في الأسرة في الإسلام

يمكن النظر إلى النفقة من حيث تقسيمها إلى نوعين:

  • نفقة الأقارب: وهي تتضمّن التَّكافل داخل الأسرة، وقد حدَّد علماء المذاهب ما هو المقصود بالأقارب، وربَّما الغالب الأخذ به هو رأي الإمام أحمد بن حنبل، حيث يرى أنَّ القرابة تشمل كلَّ مَن يَرث الفقير العاجز عن الكسب إذا مات غنيّاً وَجَبَ عليه نفقتهِ في حال عجزه، وذلك من مُنطَلَق أنَّ الحقوق مُتبادلة، ونجدُ أنَّ نفقة القريب تشترط حاجته وعدم قدرتهِ على العمل حتى لا تكون مدعاة للاتكالية على الآخرين ولو كانوا أغنياء، ولا يتكفَّل الموسر بالنفقة على أقاربه إلَّا إذا كان مُوسراً في غير نفقة الأبوين على أبنائهما ونفقة الابن على والديه. ويقرِّر الفقهاء أنَّه في حالة عدم وجود قريب غني للفقير العاجز عن العمل فإنَّ نفقته تكون واجبة على الدَّولة.
  • نفقة الزوجة على زوجها: وتُعتَبر نفقة الزَّوجة واجبة على الزَّوج طالما أنَّها تقوم بواجباتها المنزلية وترعى شؤون الأسرة، وهذا يُعتَبَر نوعاً من العدالة وتبادل الحقوق والواجبات، وتكون نفقة الزوجة على الزوج من مسكن وملبس ومأكل حسب قدرة الزَّوج بصرف النظر عن مدى تمتُّع الزوجة من وفرة في المال أو العقار الخاصّ بها، والزوج يتكفَّل بزوجته ما دامت في عصمتهِ، هذا بالإضافة إلى التزامهِ بالنفقة على مطلقتهِ ما دامت في فترة العدَّة، لانَّها فترة مُكَمِّلة لعلاقة الزواج، بل إنَّ المُطلَّقة طلاقاً رجعياً يحقُّ لها البقاء في بيت زوجها لعلّ هذا يسهِّل لهما العودة من جديد واستئناف الحياة الزوجيَّة، وإذا لم يوفقهما اللهُ إلى العودة فهي تستحقُّ نفقة لمدَّة عام وهي فترة تُعتَبَر انتقاليَّة لحين أن تستطيع الزواج بآخر أو تستطيع إعالة نفسها، بالإضافة إلى نفقة الأبناء على الزوج طالما كانوا في رعاية الأم وفي كنفها، ولحين بلوغهم السِّنّ التي يمكن أن يلحقوا بها بالأب.

الميراث في الإسلام

ونجدُ أنَّ الميراث عمليَّة جبريَّة بالنسبة للمورث وليس لهُ سلطان على مالهِ بعد وفاتهِ إلَّا في حدود وصيَّة يوصي بها، وبشرط ألَّا تزيد عن ثلث التركة، ولقد تولَّى التشريع السماوي توزيع التركة سواءً كلّها أو ما تبقَّى بعد الوصيَّة بطريقة تحول دون خروج التَّركة عن نطاق الأسرة أو العائلة بدرجات تتَّفق مع القرابة بالنسبة للمورث.

والتشريع السماوي بالنسبة لتوزيع التَّركة قائم على حكمة إلهيَّة؛ لأنَّ الله سبحانهُ وتعالى أدرى بخلقهِ، وقائمة على العدالة وكّل فرد من أفراد الأسرة يأخذ حقَّه من غير زيادة أو نقصان.

بناء جسور الدعم والتكافل في الأسرة الإسلامية

تعتبر الأسرة في الإسلام وحدة أساسية في المجتمع، وتُعَدُّ ركيزة أساسية لتحقيق الرعاية الاجتماعية وتعزيز التكافل بين أفراد المجتمع. يشدد الإسلام على أهمية الاهتمام بالأسرة وتوفير الدعم الاجتماعي على مستوى الفرد والجماعة. في هذا السياق، يتجلى دور الرعاية الاجتماعية الإسلامية على مستوى الأسرة بشكل لافت وفعّال.

1. الزكاة والصدقات الأسرية: في إطار الرعاية الاجتماعية الإسلامية، يُشدد على أهمية دعم الأسر المحتاجة من خلال الزكاة والصدقات الفردية. يُحث المسلمون على تقديم المساعدة المالية والمعنوية للأسر التي تعيش في ظروف صعبة، وهو ما يعزز الترابط الاجتماعي داخل المجتمع.

2. العدالة والتسامح الأسري: يعزز الإسلام قيم العدالة والتسامح في محيط الأسرة. يُحث أفراد الأسرة على التعاون والتضامن، ويُشجع على التسامح وحل المشكلات بطرق بناءة. يعزز هذا النهج التوازن والسلام في الحياة الأسرية.

3. رعاية الفقراء واليتامى: تعتبر رعاية الفقراء واليتامى من الأولويات في الرعاية الاجتماعية الإسلامية على مستوى الأسرة. يشجع الإسلام على تبني الأسر للأيتام وتقديم الدعم والرعاية لهم كأفراد ينتمون إلى الأسرة.

4. التعليم وتطوير الفرد: تعتبر رعاية التعليم وتطوير الأفراد أمورًا أساسية في الرعاية الاجتماعية على مستوى الأسرة. يُشجع على توجيه الأفراد نحو التعلم واكتساب المهارات التي تساهم في رفع مستوى حياتهم الاجتماعية والاقتصادية.

5. تعزيز الروابط الأسرية: يركز الإسلام على أهمية بناء علاقات قوية داخل الأسرة. يُحث أفراد الأسرة على تعزيز التواصل وفهم احتياجات بعضهم البعض، وهو ما يسهم في بناء بيئة داعمة ومحفزة.

6. الرعاية الصحية والنفسية: تشدد الرعاية الاجتماعية في الإسلام على أهمية توفير الرعاية الصحية والنفسية لأفراد الأسرة. يُشجع على الاهتمام بالصحة الجسدية والعقلية، ويُشجع على تقديم الدعم في حالات الضغوط النفسية أو الأمور الصحية.

بهذا النهج، تظهر الرعاية الاجتماعية الإسلامية على مستوى الأسرة كقاعدة راسخة لتحقيق التوازن والاستقرار في المجتمع. يعكس هذا النهج القيم والمبادئ الإسلامية، ويشكل أساسًا قويًا لتعزيز التكافل والرعاية الاجتماعية داخل الأسرة وعلى امتداد المجتمع.


شارك المقالة: