السيميائية كاستراتيجية تدريس جديدة في التربية

اقرأ في هذا المقال


في التحقيق في عمليات التدريس والتعلم والتربية تم إيلاء اهتمام كبير للسجلات المكتوبة والشفوية، وتشير الدراسات الحديثة مع ذلك إلى أن الإيماءات ووضعية الجسم والإجراءات الحركية والتحف

السيميائية كاستراتيجية تدريس جديدة في التربية

العلامات بشكل عام هي مجموعة مثمرة من الموارد التي يجب أخذها في الاعتبار من أجل التحقيق في كيفية تعلم الطلاب وكيفية تدريس المعلمين، بدلاً من أن تكون مجرد ظاهرة عابرة فائضة في التدريس والتعلم، ويُقال إن هذه الموارد تتوسط في نشاط المعلم والطلاب في الفصل الدراسي بطريقة جوهرية.

في التحقيق في المصفوفات المتنوعة من الموارد التي نلجأ إليها في حياتنا اليومية للتفكير والدلالة والتواصل، قد تقدم السيميائية مساهمة مثيرة للاهتمام في التعليم والتربية، وفي الواقع تهتم السيميائية بالعلامات من أي نوع وبالأنماط المختلفة التي يشير إليها البشر، ويقترح سيميوتيكس إيكو إنه مكرس لوصف عمل الاتصال والدلالة، حيث تعتبر السيميائية كاستراتيجية تدريس جديدة في التربية.

ومع ذلك لا يمكن اعتبار مساهمة السيميائية في التعليم أمراً مفروغاً منه، ولا يوجد شيء مثل التطبيق المباشر أو غير المثير للمشاكل للسيميائية في التعليم، من أجل حساب المشكلات التعليمية التي نتعامل معها بشكل صحيح، مثل كيف يتعلم المعلمون والطلاب محتويات معينة أو كيف يستخدمون ويتعرفون على المصنوعات الرقمية.

ويجب دمج المفاهيم السيميائية التي قد يتم الجوء إليها بشكل مناسب في نظريات التعليم والتعلم، واندماج بسيط من السيميائية مع نظريات التعلم من شأنه أن يؤدي إن لم يكن إلى الفشل على الأقل إلى نجاح محدود.

ويجب ألا يتم أغفال حقيقة أن النظم السيميائية الرئيسية لم يتم تصميمها لمعالجة المشكلات التعليمية، وكانوا موجهين للإجابة على أسئلة ذات طبيعة لغوية أو بدوا مدمجين في تطوير النظريات العامة إي نظرية ظواهر المعرفة ونظرية الفينومينولوجية للوعي أو ظاهرة الإدراك.

وإذا كان الدمج بين السيميائية والتعليم لا يبدو إنه الخيار الأفضل فكيف يمكن الجمع بين هذين التخصصين؟ ولا يعتقد إنه في هذه المرحلة من تطوير البحث التربوي يمكن تقديم إجابة معقولة، وما يبدو من المعقول تأكيده على النقيض من ذلك هو إنه بسبب التركيز السيميائي على الإشارات والدلالة، والتركيز التربوي على المعرفة في سياقات معينة.

على سبيل المثال الفصول الدراسية ومكان العمل، وما إلى ذلك، فإن النهج السيميائي للتعليم يعتمد بشكل حتمي على الافتراضات التي يتم إجراؤها حول الدور المعرفي للعلامات، وبعبارة أخرى فإن الطريقة التي يمكن أن تساهم بها السيميائية في التعليم يتم التوسط فيها من خلال الافتراضات المعرفية التي تدعم النظريات التعليمية ومدى إمكانية طرح هذه الافتراضات في المفاهيم والبنيات السيميائية، وحتى تحويلها من خلالها.

وهذه هي الفكرة التي ينوي علماء الاجتماع توضيحها في هذه الدرسة، ومن خلال القيام بذلك يآملوا أن تساهم في فهمهم للإمكانيات والحدود والتحديات التي تقدمها السيميائية للبحث التربوي، وأبدأ بمناقشة حول الدور المعرفي للعلامات في عمل الفيلسوف الألماني جوتفريد فيلهلم ليبنيز.

وعلى الرغم من أن لايبنيز لا يقدم نهجًا سيميائيًا للتعليم إلا أن نظريته في الفهم البشري تُظهر بطريقة مثيرة للاهتمام وواضحة وأن اللجوء إلى الإشارات في محاولات لتفسير الطريقة التي يتم معرفتها هي في الواقع متورطة في افتراضات حول المعرفة وهيكل الواقع، وفي هذا الحدث سيتم تناول سيميائية بياجيه وأقارنها بالاتجاهات الاجتماعية والثقافية المعاصرة.

الدور المعرفي للعلامات

ضد نظريات العلامات في العصور الوسطى جادل علماء عصر النهضة بأن العلامات ليست مرتبطة فقط بعالم المنطق، وأكد علماء عصر النهضة أن العلامات لها بعد علمي ومعرفي، كما عبر عنها البرتغالية بيدرو لايبنيز بأن العلامة هي الشيء الذي يجعل التفكير معرفي، وذهب تشارلز بيرس إلى أبعد من ذلك وادعى في بعض النواحي إنه لا يملك قوة التفكير بدون علامات، ولكن ما هو الدور الدقيق للعلامات فيما يتم الفكير فيه؟

هذا السؤال هو في قلب نظرية العلامات لبيدرو لايبنيز في حواره الورقي عام 1677 حول الروابط بين الأشياء والكلمات، ويدعوا إلى النظر فيما إذا كان بإمكانه إجراء أي عملية حسابية على سبيل المثال، مكونة من رقمين أو ثلاثة أرقام دون استخدام أي علامات رقمية.

ومع ذلك فإن ما كان يدور في ذهن بيدرو ليبنيز كان أكثر بكثير من مجرد فكرة العلامات كوسطاء أو ميسرين للفكر، وكان بيدرو لايبنيز مدركًا تمامًا لحقيقة أن المناقشة المعرفية حول العلامات يجب ألا تتجاهل مشكلة الطريقة التي ترتبط بها العلامات بالأفكار والأشياء، بمعنى آخر بالنسبة إلى بيدرو لايبنيز، لا يمكن اللجوء إلى السيميائية دون توضيح المبادئ المعرفية والأنطولوجية.

وتستند سيميائية بيدرو لايبنيز إلى وجهة نظر توجد وفقًا لها تطابق بين اللغة والفكر والبنية المفاهيمية للواقع، وفي الواقع افترض بيدرو لايبنيز أن جميع الأشياء الموجودة قابلة للتمثيلات التي من شأنها أن تعكس جوهرها وتنقل علاقاتها إلى العالم وأشياء أخرى، وبعبارات أخرى يفسح المجال للتعبير عنه من خلال العلامات، وفي ما هي الفكرة يقول إنه يجب أن يكون هناك شيء في الداخل ولا يؤدي إلى الشيء فحسب بل يعبر عنه أيضًا.

من وجهة نظر بيدرو لايبنيز هناك قواسم مشتركة وجودية بين الشيء المعبر عنه والتعبير السيميائي، وهذه القواسم المشتركة هي التي تضمن نجاح المساعي الاستقصائية والتعرف على الأشياء، فنموذج الآلة يعبر عن الآلة نفسها ورسم المنظور في الطائرة يعبر عن صلب.

والكلام يعبر عن الآراء والحقائق والحروف تعبر عن الأرقام، والمعادلة الجبرية تعبر عن دائرة أو بعض الأشكال الأخرى؛ ولأن وسائل التعبير هذه تشترك في شيء ما مع شروط الشيء المعبر عنه ودراسته، يمكن أن يتم التعرف على الخصائص المقابلة للشيء المعبر عنه.

تدرك السيميائية أنها تطاردها الصعوبات، وإذا بيدرو ايبنتز هو واحد من فلاسفة القرن الذين دافعوا عن فكرة أن هناك رابطًا بين قدرة الإنسان على اللغة والقدرة البشرية على فهم الواقع، فإن اللغات الطبيعية وفقًا له بعيدة كل البعد عن عكس الواقع، وبالنظر إلى المبادئ المعرفية والأنطولوجية التي تبناها ولا سيما الافتراض القائل بأن الأشياء والأفكار لها بنية سيميائية عميقة مشتركة، فقد أدى إلى الاعتقاد بضرورة وجود لغة من شأنها التغلب على أوجه القصور في اللغات الطبيعية.

وكان يعتقد إنه ينبغي أن يكون من الممكن إيجاد لغة ذات تعاريف مناسبة لالتقاط جوهر الأشياء؛ ويجب أن يكون من الممكن أيضًا العثور على الشخصيات أي العلامات لتمثيل الأشياء وجوهرها، وستسمح هذه الأحرف للفرد بالحصول عليها.

المصدر: السيميولوجيا والسرد الأدبي، صالح مفقود، 2000ما هي السيميولوجيا، ترجمة محمد نظيف، 1994الاتجاه السيميولوجي، عصام خلف كاملسيمياء العنوان، بسام قطوس، 2001


شارك المقالة: