ما هي سيميائية الحيوان

اقرأ في هذا المقال


سيميائية الحيوان هي مجال معقد بالنسبة للمتخصصين في مجال علم الحيوان، وفي مجال علم الإنسان ومن الصعب فهم ماهيته حقًا، ويمكن وصفها بالسيميائية التي تدرس العلامات والصور والأفعال والسلوكيات بين الحيوانات والبشر.

ما هي سيميائية الحيوان

الجميع يعرف الكثير عن الحيوانات لكن بعضها لا يصدق لدرجة أنها تمكنت من إخفاء وجودها لفترة طويلة بعد أن فهمت أن الناس كائنات خطرة ولا تطاق، والتي تلخص ببراعة حقيقة أن البشر لا يعرفون الكثير عن الحيوانات، على سبيل المثال كيف تتكاثر وأين تعيش وكيف تصطاد وما إلى ذلك، لكن هذا لا يعني أنهم يفهمون الحياة وإن الحديث عن الحياة (أي وجهة نظر الحيوانات) يعني الدخول في عدسة علم الحيوان، والتي ربما تكون الأقل شهرة من بين العديد من العلوم التي تتعامل مع مملكة الحيوان.

والسيميائية في حد ذاتها مجال معقد لدرجة إنه حتى بالنسبة للسابين المتخصصين في هذا المجال من الصعب فهم ماهيته حقًا، ويمكن القول أن السيميائية تدرس العلامات كالنصوص والصور والأفعال والسلوكيات وغير ذلك الكثير والطريقة التي تكتسب بها المعنى، وتسمى هذه العملية بالدلالة، وللأسف فإن السيميائية هي العلم الذي يدرس الطريقة التي يتم بها إعطاء معنى للأشياء.

يُطلق على اتحاد هذا النهج الفلسفي مع دراسة مملكة الحيوان اسم سيميائية حديقة الحيوان، وتوصف سيميائية حديقة الحيوان على أنها حوار بين علم السلوك واللغويات والسيميائية، والذي يدرس الطرق التي تتواصل بها الحيوانات وتتواصل معها.

تحليل التطورات في سيميائية الحيوان

لذلك إذا كان علم الاجتماع يتعامل مع سلوك الحيوانات ويدرس علم اللغة لغة الكائنات الحية، فإن سيميائية حديقة الحيوان ومساهمتها في محاولة فهم ما هي الهياكل المفاهيمية التي تم إنشاؤها أثناء عمليات بناء شيء ذي معنى، ولسوء الحظ بعد الاهتمام الأولي بمنظور حيواني ركزت السيميائية حصريًا على اللغة البشرية مما أدى إلى إبعاد علم الحيوان إلى ما دون العتبة السيميائية.

وتحدد العتبة السيميائية حدود التفسير وبمجرد تحديد حقل التحليل باتباع مصطلحات إيكو، فإن الأمر يتعلق بوضع المرء على مستوى موالي ظاهري تجريبي مقابل المستوى الجزيئي العلمي، وبمجرد تحديد هذه العتبة يتم رسم الحقائق الموضوعية غير القابلة للتفاوض والنقاط التي من خلالها يتم تعيين بدء النشاط الاستنتاجي، ومع ذلك خلال العقود الماضية حققت الدراسات الاجتماعية تقدمًا هائلاً، مما يدل على تعقيد رموز الاتصال للأنواع المختلفة خاصة الرئيسيات والدلافين والغربان.

تحليل سيميائية الحيوان للدلافين

بالحديث عن الدلافين اكتشفت مجموعة من الباحثين مؤخرًا أن الدلافين تتواصل باستخدام لغتين مختلفتين، واحدة للعب والأخرى للتواصل مع المجموعة، وتتواصل الدلافين مع مجموعتها باستخدام لهجة معينة، والتي تطورت على مر السنين وأصبحت وسيلة للاعتراف بين عينات من نفس المجتمع.

ويشرح السير ماسيمو كيف تتواصل الدلفين باستخدام لغتين أو إشارات صوتية لأصوات تردد 20 كيلو هرتز، وتسمى إشارات النطق والموجات فوق الصوتية التردد بين 20 و 200 كيلو هرتز، وتسمى إشارات السونار أو تحديد الموقع بالصدى، والأول يعكس رد فعل الدلفين العاطفي على منبه خارجي، في حين أن الأخير يستخدم للتوجيه ولفهم مكان الحيوانات المفترسة وإرسالها إلى المجموعة.

تحليل سيميائية الحيوان والإنسان

يختلف عقل الحيوان عن عقل الإنسان وتتطلب دراسته إعادة ضبط كاملة لطريقة تفكير الإنسان، وعندما يتعلق الأمر بالحيوية فمن الضروري استخدام علم الحيوان لفهم كيفية عمل عقل الحيوان، وهنا لا يتم التحدث عن معرفة ما يأكله الخفاش وما هو سلوكه الاجتماعي، بل يتم الحديث عن التحقيق في كيفية عمل عقله واللغة التي يستخدمها لتوصيل ذلك.

وهنا يأتي دور الفلسفة والسيميائية لأن كلاهما يساعد في تفكيك المفاهيم عن الإنسان والحيوان، وغالبًا ما يبسط البشر العالم إلى حيوانات من ناحية والرجال من ناحية أخرى، ومع ذلك تم تعلم من علم الحيوان أن الكائنات الحية هي مساحة مليئة بالتنوع الذي لا يمكن تصوره.

وإن هذا التنوع بالتحديد هو الذي يجعل النتائج صعبة الهضم لأن تفكير الإنسان الذي هو كسول ومتسرع للغاية، يريد بعض الفئات البسيطة والتقسيم بين الإنسان والحيوان هو الأسهل على الإطلاق، ويحاول شرح عدم القدرة على الوصول إلى عقول الحيوانات الأخرى، لأن كل ما يتم تخيله سيتم تخيله دائمًا من وجهة نظر بشرية.

توفر التجارب موضوعًا للخيال وتقتصر التجربة على طبيعة البشر، حتى لو تم محاولة تخيل أن لدى البشر غشاءًا على أذرعهم يسمح لنه بالالتفاف عند غروب الشمس لاصطياد الحشرات أو أن بصرهم ضعيف ويدركون محيطهم من خلال نظام صوتي عالي التردد، فما يتم تخيله هو ما يتخيله الإنسان وسيشعر بمحاولة التصرف مثل الخفافيش، لكن هذا يفتقد إلى النقطة، ما يريدون أن يعرفوه هو كيف تشعر من منظور الخفافيش، لا أن يكون خفاشًا، ومع ذلك عندما يحاولون اكتشاف ذلك يجدون أنفسهم محبوسين في موارد أذهانهم، وهذه الموارد ليست على مستوى المهمة.

ولطالما كان يُنظر إلى الحيوان على إنه ليس إنسانًا، وبالتالي تم نشر المشكلة دائمًا من منظور محوره الإنسان، وربما هذا هو النهج الصحيح للبشر الذين في النهاية ليسوا أكثر من القرود ثنائية القطب في المنتصف بين الشمبانزي الغاضب والبونوبو المحبوب، فالإنسان يحب الفصل بينه وبين بقية العالم الحي، إن المشكلة السيميائية للحيوانية لا تتعلق بكيفية الارتباط بالحيوانات، ولا هي مشكلة إثبات ما إذا كان للحيوان حياة نفسية من أي نوع، النقطة المهمة هي كيفية الدخول في علاقة مع الكائنات الحية التي تختلف اختلافًا جوهريًا عن البشر.

والبشر كلفوا أنفسهم بمهمة تحديد من يشعر ومن لا يشعر وما هو حي هو ما ليس كذلك، وهذا يبعدهم بشكل لا يمكن إصلاحه عن فهم أكثر انفتاحًا لمفهوم التنوع، وإذا لم يتم أخذ هذا التنوع في الاعتبار فلن يتم التطرق إلى المشكلة السيميائية للحيوانية، ولطالما كان يُنظر إلى الحيوان على إنه ليس إنسانًا وبالتالي فقد تم نشر المشكلة دائمًا من منظور محوره الإنسان ما هو المستوى البشري للحيوانات، وما مدى تشابه الحيوانات مع البشر، ومع ذلك فإن تركيز الحياة ليس مدى تشابههم مع الحيوانات ولكن مدى اختلافهم.

ومن أجل التعامل مع الحيوانات سيميائياً من المهم تغيير المنظور والتخلي عن سلطتهم بصفتهم الحكام الخارجيين، حيث أكد داروين دائمًا أن البنية الاجتماعية لمجتمعات الرئيسيات يحكمها ذكر مهيمن يتمتع بسلطة كاملة على إناث مستعمرته، وبناءً على هذا الافتراض قررت عالمة الأخلاق والأنثروبولوجيا جين جودال في السبعينيات أن بمجرد أن يتم فهم هذه الآلية وبمجرد تحليل الفئات تصبح سيميائية حديقة الحيوان طريقة رائعة لاستكشاف الحياة من حول الإنسان، على سبيل المثال يتفاعل النحل بالرقص حيث وصف عالم السلوك والحائز على جائزة نوبل كارل فون فريش اكتشافه لتواصل هذه الحشرة برقصة النحل.

ومثل هذه الرقصة هي وظيفة إشارة يقوم النحل من خلالها بنقل وجود الطعام وموقعه وكميته، ويتم ذلك من خلال اتجاه الرحلة واتجاهها وسلسلة من الحركات المشفرة، وهذه هي الطريقة التي تصبح بها الحركة البسيطة علامة، وهي مثال رائع لعملية الدلالة في سلوك الحيوان.

المصدر: السيميولوجيا والسرد الأدبي، صالح مفقود، 2000ما هي السيميولوجيا، ترجمة محمد نظيف، 1994الاتجاه السيميولوجي، عصام خلف كاملسيمياء العنوان، بسام قطوس، 2001


شارك المقالة: