مشكلة الرغبة بالهجرة

اقرأ في هذا المقال


الهجرة هي خروج الأفراد والجماعات من حدود دولية إلى حدود دولية آخرى لعدة أسباب منها أسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية، ولكن يرى علماء الاجتماع أن مشكلة الرغبة بالهجرة تكون معظمها لأسباب اقتصادية أي من أجل رفع مستوى المعيشة، ومن هنا عمد علماء الاجتماع إلى دراسة الهجرة كمشكلة اجتماعية.

مشكلة الرغبة بالهجرة

يعتقد علماء الاجتماع أن الإنسان بطبيعته لديه ميل لحركة الهجرة، وهذه الميول تكون إما بسبب خصائص مكتسبة أي نتيجة ممارستها بشكل متكرر على مدى الكثير من الوقت أو بسبب أنها غير موجودة أصلاً في حياة الفرد، ومع هذا فهي موجودة وتحفز الأشخاص على الأنتقال من مكان إلى آخر، وتكمن رغبة الجميع بالهجرة إلى حاجتهم لعيش حياة أفضل.

يرى علماء الاجتماع أن مشكلة الرغبة في الهجرة لا تزال قائمة ومنتشرة على صعيد العالم، ومن وجهة نظرهم تعتبر حركة الأشخاص عبر حدود الدول من أبرز ومن أهم القضايا التي لها أولوية في جدول قرارات السياسة العالمية لما لها من آثار على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بصورة هائلة، على كل من الدول المرسلة والمستقبلة، ووفقًا للأحصائيات التي أجراها باحثون اجتماعيون وجدوا إنه يوجد في الوقت الحاضر حوالي 200 مليون شخص مهاجر من موطنه، وحوالي 60 ٪ من هؤلاء هم من الدول المتقدمة، و40 ٪ المتبقية هم من الدول النامية.

كما أظهرت هذه الأحصائيات أن من كل 10 أفراد يقيمون في الدول المتقدمة هناك شخص مهاجر، كما أن الدول المتقدمة تستقبل في كل سنة حوالي 2.5 مليون مهاجر من الدول التي تعتبر أقل نمواً، أي ما يمثل ثلثي النمو السكاني لديها، وقد أدت هذه الأعداد الكبيرة والمتزايدة من المهاجرين إلى زيادة تدفق الحوالات المالية العالمية من هؤلاء المهاجرين إلى عائلاتهم وأقاربهم في دولتهم الأساسية، كما يظهر استطلاع أخر تضاعف تلك الحوالات في العقود الأخيرة، إذ أنها وصلت إلى 226 مليار دولار في عام 2004 منها 150 مليار ذهب إلى الدول الأقل نمواً، وتعتبر أعلى من المساعدات الخارجية وأعلى مصدر لرأس مال لعدد من الدول.

ومن  المعروف أن مشكلة الرغبة في الهجرة ليست من المشاكل الاجتماعية الجديدة بل تعتبر مشكلة قديمة تاريخياً، حيث كان يُنظر إلى موضوع الهجرة كطريقة يمكن استعمالها كحل أخير من أجل الحفاظ على معدل ومستوى معيشي متوسط خصوصاً إذا كان الوصول إلى هذا المستوى صعب ومستحيل في نفس المكان الأصلي، كما أنها لاقت نجاحاً كبيراً بسبب الاحتياجات العمالية والمهنية العالمية في ذلك الوقت للدول المقصودة، إذ أن المهاجرين لم يكن لديهم صعوبة في أيجاد عمل في تلك الدول المضيفة، ولاكن بعد ذلك الوقت وبسبب الاضطرابات التي نتجت عن الأزمات الاقتصادية أصبح من الصعب الهجرة بشكل عام في جميع الدول تقريباً، حيث أصبحت تتركز فقط حول الأسرة والحالات الإنسانية.

أثر الهجرة على كل من الدول المظيفة والمرسلة

يعتقد علماء الاجتماع أن التطورات الاقتصادية والمناخ الاقتصادي الجيد والزيادة في النمو المالي المرتفع والانخفاض الملحوظ في معدل بطالة القوة العاملة في الدول المتقدمة وكذلك التحسينات الديموغرافية والسياسية مما أدى في نهاية المطاف  إلى وجود قوة عمالية تتصف بالشيخوخة إلى جانب انخفاض في عدد الأشخاص الذين في سن العمل، وفي ضل هذه الظروف وهذه البيئات بدأ أصحاب الأعمال يواجهون الكثير من المشاكل والصعوبات في إيجاد قوة عاملة لديها مؤهلات مطلوبة.

مما جعل أصحاب القرار وصناع السياسات إلى تجديد الاهتمام بخدمات العمال الذين يأتون من الدول الأخرى، وقد تزامن هذا مع حاجة الأشخاص إلى الهجرة بسبب تنامي مشكلة البطالة في العالم، وفي نفس الوقت تميل السياسات في الدول ذات الدخل المرتفع إلى تحسين قراراتها وذلك بوضع شروط وآليات متعددة بهدف تلبية ما يحتاجة سوق العمل بشكل أحسن، حيث كانت تلك السياسات الجديدة التي تخص الهجرة تتميز بأنها انتقائية من حيث طبيعتها.

أي تستهدف الأشخاص الذين يمكنهم الاستجابة بشكل كلي لاحتياجات ومطالب سوق العمل ويمكنهم الاندماج بكل سهولة مع تلك الدول المضيفة والمستقبلة، وذلك خلق صعوبات وتحديات جديدة في اقتصاد الدول المرسلة، وفي ظل تلك السياسات الحكومية الجديدة أصبح صياغة القرارات الاقتصادية الفعالة من أبرز أهدافها هو التوفيق بين مصالح الشعوب في الدول المتقدمة والمستقبلة وبين مصالح ورغبات الكثير من الأشخاص الذين يطالبون بالهجرة من أجل تحسين ورفع مستوى معيشتهم بشكل أفضل.

والموضوع الأكثر صعوبة والذي يجب حله هو ضرورة الأخذ في الاعتبار أن هذا العالم مترابط عالمياً وأن أي قرار في أي دولة من المؤكد أن يؤثر على الدول الأخرى، سواء أثار إيجابية أو سلبية، كما تأثر مشكلة الرغبة بالهجرة على نطاق واسع بصور وأشكال العلاقات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية بين الدول المرسلة والمستقبلة، إذ يرى البعض من علماء الاجتماع أن التفاوتات بين الدول بسبب العوامل الاقتصادية وأنماط الفقر وتدهور البيئة إلى جانب عدم وجود السلام والأمن وغياب حقوق الإنسان، كلها تشكل عوامل لها تأثير على مشكلة الهجرة الحدودية.

كما أن السياسات التي وضعتها الدول المتقدمة بما يخص شروط هجرة القوة العاملة من الدول النامية قد أحدثت تحديات كبيرة وجديدة على اقتصادات تلك الدول الأقل نمواً، حيث إن فقدان هذه الدول للقوة العاملة المؤهلة ساعد على زيادة الوضع سوءاً من حيث الوضع الاقتصادي المنخفض، وبالمقابل زيادة الاستقرار والنمو الاقتصادي في الدول المتقدمة، لذا يجد الباحثين أن فقدان الموارد البشرية المؤهلة للعديد من بلدان المنشأ هو أكثر ما تم الاستشهاد به مشكلة الرغبة بالهجرة.

نتائج دراسة مشكلة الرغبة بالهجرة

قام العديد من العلماء والباحثين ببحوث ودراسات حول الأثار المترتبة على هجرة القوة العاملة على كل من الدول الأقل نمواً والدول ذات الدخل المرتفع، وتوصلوا بعد التحريات الأولية إلى ضرورة وجود دراسات مكثفة أكثر لموضوع الهجرة.

وفي ضوء الدراسات والبحوث العلمية المكثفة والمخصصة لمشكلة الرغبة بالهجرة والتي أجراها باحثون وعلماء اجتماعيون تم تقدير النتائج التي تم التوصل إليها إلى ما يلي:

1- إنه لمين الآمن القول أن الهجرة الحدودية يمكن أن يكون لها آثار إيجابية على كل من الدول الأصلية والدول المستقبلة، حيث تزود الدول الأصلية بالحوالات المالية وتزود الدول المتقدمة بالموارد البشرية المؤهلة.

2- كما أن الهجرة الحدودية تساعد على تسهيل تبادل ونقل القدرات والمهارات بين الدول، كما لديها القدرة على المساهمة في الإثراء الثقافي بين المجتمعات والثقافات، ومع ذلك لابد من التأكيد على أن الهجرة لها أثار تنطوي على أن الدول المرسلة تخسر مواردها البشرية المؤهلة وتساهم في حدوث العديد من المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين الدول.

المصدر: علم المشكلات الاجتماعية، الدكتور معن خليل، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الاردن، 1998المشكلات الاجتماعية المعاصرة، مداخل نظرية، أساليب المواجهة، الدكتور عصام توفيق قمر،2000علم الاجتماع والمشكلات الاجتماعية، عدلي السمري ومحمد الجوهري، دار المعرفة الجامعية، القاهرة،1998الظاهرة الاجتماعية عند إميل دوركايم، طالب عبد الكريم،2012


شارك المقالة: