أثر التعاليم الدينية في تطور الرعاية الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


تُشير الرِّعاية الاجتماعية إلى الجهودِ المُنَظَّمةِ سواء الحكومية أو الأهلية، والتي تستهدف الوقاية أو العلاج للمشكلات الاجتماعية أو تحسين ظروف الحياة بالنَّسبة للأفراد والجماعات والمجتمعات. وتضمُّ الرعاية الاجتماعية العديد من التخصصات المِهْنيَّة التي تقوم على تحقيق جهودها كالتعليم والخدمة الاجتماعية.

ومفهوم الرعاية الاجتماعية حظيَ بالاهتمام في القرن العشرين بوصفه أنَّه يُمَثل التَّطوُّر لمفاهيم الإحسان أو العمل الخيري والإصلاح الاجتماعي للفترةِ التي سبقت هذا العصر.

التعاليم الدينية

إنَّ الإحسانَ هو المفهومُ الذي كان يُطلق على نسقِ المساعدةِ الذي يضمُّ أو يُحدّدُ العلاقة بين القادر وغير القادر في المجتمع قبل ظهور الأديان، وبظهور الأديان بدأت تأخذ هذه العلاقة صورة أخرى ترتكز على اتِّباع التَّعاليم الدِّينية السَّماوية، وبظهور قانون الفقر الأول بإنجلترا عام ١٦٠١ نجدّ أنَّ البداية كانت على أساس دعم وتقديم المُساعدات للفقراء ولكن مع مرور الوقت أخذت الأوضاع تستقرُّ لكي يظهر دور الدولة دون الاعتماد على الهِبات والتَّبرعات، وبذلك تحدَّدت مسؤولية الحكومة أو الدولة عن الفقراء، وكان ذلك من مُنطلَق الإيمان بأنَّ رعاية الفقراء هي وسيلةُ القضاءِ على مُشكلات التسوُّل في المجتمع أو الحقد ومضايقات الفقراء لغيرهم داخل المجتمع.

التطور الذي مرت به الرعاية بالنسبة إلى التعاليم الدينية

هذا التطوُّر الذي أثمرَ في النهاية عن قيام الدولة بتحمُّل المسؤولية لا ينفي ولا يقلِّل من الدور الذي لعبته التعاليم الدينية بالنسبة لرعاية الفقراء؛ حيث أنَّ هناك بعض الأفكار التي كانت تسبق هذه التعاليم الدينية، والتي كانت ترى في الفقر صورة من صور العقاب لبعض الأفراد، وأنَّهُ لا يجب على المجتمع أن يقدِّم المساعدة للفقراء ؛ لأنَّهُ بذلك يعترَّض على قوى أعلى، وهي التي فرضت هذه العقوبة أو كان يُنظر إلى الفقراء على أنهم أقلُّ مرتبةً أو شأناً من غيرهم أو أقلُّ آدمية.

ولكن مع مجيء الإسلام ظهرت المساواة والحثّ على مساعدة الفقراء، وبذلك كان المدخل الحقيقي لكي تقوم الدولة بعد ذلك بتحمُّل المسؤولية كاملة، كما أنَّ التعاليم الدينية كانت قدّ نبَّهت الأذهان إلى ربط الحياة بالمجتمع أولاً، وبالبحث عن التَّقرُّب إلى الله بالأعمال الخيرية، ثُمَّ محاولة التأثير في الحياة نفسها بوصفها عطاء الله الذي يجب أن تصل لهُ ما خُلِقَ من أجلهِ.

التأثير الإيجابي للتعاليم الدينية في تطور الرعاية الاجتماعية

تأتي التعاليم الدينية في مختلف الأديان كمصدر للإلهام والتوجيه الأخلاقي، ولطالما كانت هذه التعاليم لها دور كبير في تشكيل وتوجيه القيم والأخلاق في المجتمع. يظهر أثر التعاليم الدينية بوضوح في تطوير مفهوم الرعاية الاجتماعية، حيث تعزز قيم الرحمة والعدالة والإحسان الاجتماعي. في هذا السياق، سنلقي نظرة على كيفية تأثير التعاليم الدينية في تطور الرعاية الاجتماعية.

1. الرحمة والعناية:

تعتبر التعاليم الدينية مصدرًا رئيسيًا لتعزيز قيم الرحمة والعناية في المجتمع. تحث الأديان الرئيسية على التعاطف ومساعدة الفقراء والمحتاجين. على سبيل المثال، في الإسلام، يتعين على المسلمين أداء الزكاة وإظهار الرعاية للأيتام والمساكين، وهو مفهوم ينبع من تعاليم الإسلام.

2. التضامن وتوجيه الثروة:

تشجع التعاليم الدينية على التضامن وتوزيع الثروة بشكل عادل في المجتمع. في المسيحية، على سبيل المثال، يُشجع المؤمنون على تقديم المساعدة للآخرين والمشاركة في العمل الاجتماعي لتحسين حياة الفقراء والمحرومين.

3. العدالة الاجتماعية:

تركز التعاليم الدينية على أهمية العدالة الاجتماعية ومكافحة الظلم في المجتمع. في اليهودية، يشجع مفهوم “تيكون عولام” (إصلاح العالم) على السعي للعدالة الاجتماعية والمساهمة في إحداث التغيير الإيجابي.

4. الأخوة والتآخي:

تعزز التعاليم الدينية مفهوم الأخوة والتآخي في المجتمع. في الإسلام، يُعلم المسلمون بأهمية التعاون والتضامن والتكافل بين أفراد المجتمع، مما يؤدي إلى تعزيز التلاحم والروابط الاجتماعية.

5. التحفيز الإيجابي للعمل الخيري:

تشجع التعاليم الدينية على القيام بالأعمال الخيرية والعمل الاجتماعي. في الهندوسية، يُعتبر “كرما يوجا”، أو ممارسة الأعمال بناءً على واجبات دينية، وسيلة لتحسين النفس وخدمة المجتمع.

إن تأثير التعاليم الدينية في تطور الرعاية الاجتماعية لا يقتصر على مجرد توجيه للأخلاق والقيم، بل يمتد إلى تحفيز الفرد والمجتمع على العمل الإيجابي والمشاركة الفعّالة في تحسين جودة حياة الآخرين. يتمثل الإلهام الديني في السعي لتحقيق عدالة اجتماعية والتفاني في خدمة الإنسانية.


شارك المقالة: