أن نتكل على الخرافة أسهل من أن نفهمها

اقرأ في هذا المقال


على مر العصور والتاريخ والخرافات والقصص الشعبيىة تتناقلها وتتداولها الأجيال بلا وعي أو أسس منطقية تنظم انتقالها، أو تعرفنا بأصولها، فالموروث الشعبي يعجّ بالخرافات وقصص عن مصاصي الدماء والزومبي وآكلي لحوم البشر، وفي تراثنا العربي نجد السعلوة والعفاريت وساحرة الأسطح وأبو رجل مسلوخة وأبو لسان وغيرها عديد من القصص الخرافية.
كانت الجدات والأمهات تتخذ من تلك الحكايات الخرافية وسيلة لإيصال بعضًا من القيم الى الأبناء والأحفاد، أو ليخوفنهم في أحيان أخرى لإبعاد الطفل عن فعل سلوك معين، وليس هناك وسيلة أفضل من أن يثرن الخيال لترسيخ الأفكار خاصة إذا كان صاحبها ذا أسلوب سردي متقن، وكذلك أسلوبه مقنع، هذا بالإضافة إلى التهويل والتضخيم للشخصية الخيالة، بشكل خاصة إذا كان الراوي شخصًا موثوقًا بكلامه كالأم والجدة أو الأب، الأمر الذي يجعلها أكثر تصديقًا من قبل الأطفال وحتى الكبار من قليلي الوعي.

الإثارة والتشويق في القصص الخرافية:

لا يستطيع المرء أن ينكر الكم الكبير من الإثارة والتشويق التي تثيرها الحكايات الخرافية القديمة والقصص الخيالية في الأفراد والمجتمعات، وحتى أفلام ومسلسلات الكرتون التي تروي قصص خرافات الشعوب حول العالم، على سبيل المثال كرتون “في جعبتي حكاية أو حكايات عالمية أو حكايات لا ننساها”، فكل تلك المسلسلات والأفلام الكرتونية نقلت لنا موروث الشعوب وحكاياتها القديمة والأساطير والخرافات التي كانت سائدة، والتي كان الناس يؤمنون بها إيمانًا لا يدع مجالًا للشك، غير أنه مع تطور الحياة وتقدمها وتطور العلم أضحت تلك الخرافات مجرد حكايات لما قبل النوم، وليس شيئًا يجب تصديقه كما كان في السابق.

الأثر النفسي للخرافات في الأفراد والمجتمعات:

لا يمكن لأحد أن ينكر أن للخرافة أثرها النفسي القوي جدًّا، والذي يظهر بشكل واضح في أوقات الملمات والمصائب أو الحروب أو حتى في تلك الظروف البيئية الصعبة، إذ يصبح سهلًا تداولها وتناقلها وانتشارها، ذلك أنها تحمل عن المرء أعباء الحياة، وكما أنها تدفعه لأن يرمي همومه على عوامل خارجية، لا يملك سيطرة عليها، ولا قدرة عنده ليتحكم فيها، كأن يعتقد المرء أن الفشل في الحياة سببه الحسد أو الحظ السيء، أو أن مشاكله الزوجية سببها السحر والشعوذة، أو أن يعتقد من يعيش في بلد تسوده الفوضى أنه لن ينجح حتى لو حاول جاهدًا، ومع أن للظروف أثرها على النجاح، غير أنه ليس أكثر من خمسة بالمئة من نسبة النجاح، والدليل أن هناك شخصيات ناجحة كثيرة عاشت في ظروف صعبة لكنها حاربت ضعفها، وغيرت وضعها، مثل: “اوبرا ونيفري”، حيث إنه لدى البعض اعتقاد أن حياتهم تعيسة بسبب السحر أسهل من محاسبة نفسه على ما يجعل حياته تعيسة ويحاول إيجاد الحل.

ما هي الخرافة؟

للتعرّف بشكل أكبر على الخرافة وجب علينا أن نستذكر معناها، إذ إن الخرافة هي اعتقاد أو قصة مشهورة أو حدث غير واقعي أو نصف خيالي مرتبط بشخص أو بعادة ما عند شعب من الشعوب، ولربما تكون قصة واقعية نصف خيالية، لاسيما تلك التي تشكل جزءًا من المذاهب الفكرية، وعلى الرغم من أن المرء لا يصدق سوى ماتراه عيناه،  فهذا لا يعني أن رؤيته كاملة، أو أن الذي يراه حقيقيًا وصحيحًا، كما أن الرؤية لا تعني سلامة الاعتقاد.

دور التطور العلمي في انتشار الخرافات:

 في يومنا هذا ومع ما يشهده العالم من تقدم وتطور تقني، صارمن السهولة بمكان أن تنتشر الخرافات ويتداولها الناس، لا سيما أن مواقع  التواصل الاجتماعي لا رقابة عليها، وكما أن القائمين عليها لا يحملون تلك الدرجة العالية من الوعي والتي تتيح لهم أن يميزوا بين الخرافة والحقيقة، وهم حتى لا يميلون إلى أن يوجهوا المجتمع إلى التمييز بينهما، وهم كذلك لا يريدون للمرء أن يلزم جانب الحذر من الخرافة بوسائل وطرق علمية، ولربما هم في كثير من الأحيان يروجون لخرافة بحدّ ذاتها لمصالح شخصية، أو لأغراض التضليل والتشويه أو التحريف، وهذه المسؤولية تتحملها كذلك وسائل الإعلام لما لها من دور كبير في التوعية والإرشاد والتوجيه الصحيح .

خرافات شائعة في عصر التكنولوجيا:

خرافات كثيرة شاع تناقلها في الفترة الأخيرة لعل من أشهرها أن أعمدة الكهرباء في إحدى مناطق بغداد يحقق الأمنيات لكل شخص طلب منه، أو أن نسمع عن دجال يمكنه علم الغيب وسره باتع، وكذلك خرافات الزواج  لها حظ وفير من الإيمان بها من قبل شريحة كبيرة من الناس ومن مختلف الطبقات والمستويات، إذ نجد مهندسة تؤمن بأن حظ الجميلات رديء؛ لأن غير الجميلات أخذنه منهن، فالخرافة تزين لهن أنه لا يعقل أن تحمل المرأة الجمال والحظ معًا، ولا نزال نجد معلمة في يوم عرسها تؤمن بأن الدعس على قدم العريس في يوم العرس سوف يجعلها تسيطر عليه، وكأنها تحتاج لأن تدعس حتى تسيطر.
لا يزال الكثيرون ينثرون الملح على العرسان ليلة الزفاف لاعتقادهم أنه سوف يجلب لهم الحظ الجيد والحياة السعيدة وكأن المشاكل سوف تخاف من الملح وتذهب بعيدًا عن حياتهم، والإيمان بالخرافات ليس حكرًا على شخصية دون غيرها فحتى مع الوصول إلى مراتب عليا في العلم، فما يزال هناك الكثير من الناس يتأثرون بالخرافات ويؤمنون بها، ولو بواحدة او اثنتين منها.
لعل من أكثر الخرافات تأثيرًا وشيوعًا تلك التي تجعل من بعض الأشياء نذيرًا للشؤم، إذ انتشر الإيمان والاعتقاد بها بشكل كبير، فعلى سبيل المثال اعتقاد بعض الناس بأن الحمامة إذا ما غردت بالقرب من البيت فبالتأكيد إن مكروهًا سيحلّ في ذلك البيت، ومثال آخر على التشاؤم عند العرب البومة، والتي طالما كانت ولا تزال عندهم نذيرًا للشؤم؛ ذلك أنها تجلب النحس، مع أن طائر البوم في الدول الأوربية ما هو إلا نذير خير، وفي ألمانيا على وجه التحديد يعتبر طائر البوم دليلًا على الحكمة؛ لأن إله الحكمة لديهم وهي “أثينا” كانت تحمل البومة على كتفها؛ لذلك أصبحت البومة رمزًا للحكمة، كما أن عند العرب خرافة الحذاء المقلوب الذي يطرد الملائكة من البيت، وهذا فيه ذنب كبير؛ وذلك لأنهم يربطون الملائكة وتقديرها بشيء يوضع بالرجل.

خطورة الخرافات على الفرد والمجتمع:

 إن الذي يجعل من الخرافات أمرًا غاية في الخطورة، وقد يؤدي إلى انهيار الحياة أو يتسبب في الموت في بعض الأحيان، هو أن يسلم المرء بها وكأنها أمر واقع وصحيح لا يقبل الشك، ففي علم النفس المعتقدات هي التي تشكل حياتنا الخارجية فكل ما نعتقد به سنجده ماثلًا في حياتنا بشكل أو بآخر، ربما بموقف أو بشخص أو صفة أو سلوك، وهذا القول العلمي صحيح.
في الدين يجد المرء ما يدل على صحة الكلام أعلاه، إذ يشير الحديث القدسي إلى أهمية أن ينتبه المرء إلى ما يعتقده وما يؤمن به، حيث يقول: “أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء”، وكذلك قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “كل متوقع آتٍ”، وكذلك قول الله عز وجل: ” والظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء”، والدلائل والحجج القرآنية كثيرة، وهذا يدل على أن ما يؤمن به المرء يجده واقعًا بصرف النظر عن كونه جيدًا أم غير جيد، وعليه فإن الخرافات والقصص الخيالية، باتت تشكل الكثير من معتقدات الناس، وبالتالي فهي تتحكم بسلوكيات البشر وتصرفاتهم، وينعكس تأثيرها على حياتهم في نهاية الأمر، فلا حمام قد يجلب النحس عند التوكل على الله عز وجل، ولا بومة تجعل المرء يتشاءم، وهو يثق في قضاء الله عز وجل وقدره، ولا سحر يؤذي الشخص إلا بأمر الله سبحانه وتعالى، ولا حسد يؤخر المرء عن نجاح إذا ما أراد الله عز وجل أن نكمل الطريق، وبالتأكيد لا تعاسة مع العقل والفكر والتوجه الصحيح.

كيف نتخلص من الخرافات؟

لعل من أهم الوسائل التي من الممكن أن تحد وتخفف وبشكل كبير، أو حتى تقتل الخرافات وتقضي عليها بشكل نهائي، هي أن يتعلم المرء مهارة التفكير العميق الناقد، وكذلك أن يطرح التساؤلات، وأن يبحث عن الإجابات المنطقية العلمية لكل ما يتم تداوله وتناقله في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، أو حتى تلك التي تشيع على ألسنة العوام، كذلك وجب على المرء أن يعرف الله عز وجل حق المعرفة، لتجعله يمتلك الدليل الذي يمنحه المعرفة التامة بكل شيء يسمعه، أهو يملك مرجعًا وأصولًا صحيحة، أم أنه مجرد قصص خيالية خرافية ليس لها أساس من الصحة، حتى لو كان معه دليل صور أو صوت أو فيديو، فلربما زاوية الرؤية والتصوير هي التي غيرت المشهد بالكامل. 

المصدر: الخرافة: مقدمة قصيرة جدًّا، إيه سيجال،ترجمة مؤسسة هنداوي،1993الخرافات هل تؤمن بها؟ سمير شيخانى، 2011معجم اعلام الاساطير و الخرافات في المعتقدات القديمة، جورج اليسون، 1999الإنسان والخرافة،أحمد علي موسى،2003سيكولوچية الخرافة والتفكير العلمي، عبدالرحمن الصاوي، 1982


شارك المقالة: