دراسة الأسرة المتغيرة كمشكلة اجتماعية

اقرأ في هذا المقال


تهدف دراسة علماء الاجتماع للأسرة المتغيرة كمشكلة اجتماعية على معرفة أشكال الأسر في المجتمع حيث هناك أنواع مختلفة من الأسر والعائلات التي من شأنها أن تقدم الدعم لأفرادها أو تساهم في ظهور العديد من المشاكل لهم بسبب الإهمال.

ما هي الأسرة المتغيرة

الأسرة هي مجموعة من اثنين أو أكثر من الأشخاص الذين تربطهم صلة الدم أو الزواج أو التبني، أو التزام متبادل والذين يهتمون لبعضهم البعض، ومن خلال تعريفها بهذه الطريقة تكون الأسرة عالمية أو شبه عالمية، فلقد وجد علماء الاجتماع أن معنى الأسرة المتغيرة يشير إلى إنه هناك شكل من أشكال الأسرة في كل مجتمع أو في كل بيئة تقريبًا، فمن الصحيح أيضًا وجود العديد من أنواع العائلات ويشير السجل الثقافي والتاريخي إلى أن هذه الأشكال المختلفة للعائلة يمكنها جميعًا العمل، فهي توفر الدعم العملي والعاطفي لأفرادها ويقومون بإقامة علاقات اجتماعية مع أطفالهم.

ومن المهم أن يتم وضع هذه العبارة الأخيرة في الاعتبار لأن الناس حتى العقود القليلة الماضية كانوا يفكرون في نوع واحد فقط من الأسرة وهي الأسرة النواة أي زوجان متزوجان من جنسين مختلفين وأطفالهم الصغار يعيشون بمفردهم تحت سقف واحد، وتوجد الأسرة النووية في معظم المجتمعات التي يعرفها العلماء، والأسرة الممتدة والتي تتألف من الآباء والأمهات وأطفالهم وغيرهم من الأقارب، وهذه العائلة كانت شائعة جداً في المجتمعات ما قبل التاريخ.

وتبدأ العائلات كعائلات نووية ذات والدين وتنحل عند الطلاق أو الانفصال أو في حالات نادرة بوفاة أحد الوالدين، وفي العقود الأخيرة أصبحت العائلات ذات الوالد الواحد أكثر شيوعًا بسبب الطلاق والولادة خارج إطار الزواج، لكنها في الواقع كانت شائعة جدًا على مدار معظم تاريخ البشرية لأن العديد من الأزواج توفوا في وقت مبكر من الحياة ولأن العديد من الأطفال ولدوا خارج إطار الزواج، وعلى الرغم من أن العديد من مجتمعات ما قبل التاريخ كانت تتميز بالعائلات النووية إلا أن بعض المجتمعات التي درسها علماء الاجتماع لم تكن تمتلكها.

وفي هذه المجتمعات الأب لا يعيش مع امرأة بعد أن تنجب طفله ويراهم إما بشكل غير منتظم أو لا يراهم على الإطلاق، وعلى الرغم من غياب الأب وعدم وجود أسرة نووية يبدو أن هذا النوع من الترتيب الأسري قد نجح في هذه المجتمعات، وعلى وجه الخصوص تتم رعاية الأطفال وينمون ليصبحوا أعضاء منتجين في مجتمعاتهم، وهذه الأمثلة لا تبطل حقيقة أن الأسر النووية تكاد تكون عالمية، لكنها تشير إلى أن وظائف الأسرة النواة يمكن أن تتحقق من خلال ترتيبات عائلية أخرى.

وإذا كان هذا صحيحًا فربما يكون القلق الذي كثيرًا ما يُستشهد به بشأن انهيار الأسرة النووية على غرار الخمسينيات غير مستحق إلى حد ما، كما هو مبين في الأمثلة يمكن للأطفال أن يزدهروا بدون والدين، وأن قول هذا لا يعني تمجيد الطلاق والولادة خارج إطار الزواج والأسر اليتيمة ولا التقليل من المشاكل التي قد تنطوي عليها بدلاً من ذلك يُقصد به ببساطة الإشارة إلى أن الأسرة النووية ليست هي الشكل الوحيد القابل للتطبيق من تنظيم الأسرة.

وبلمضي قدمًا في تاريخ البشرية حدث تغيير مهم في العائلات خلال الأربعينيات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية،  وخلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بدأت النساء في دخول القوى العاملة، ولقد فعلوا ذلك لزيادة دخل أسرهم وتحقيق قدر أكبر من الإشباع الذاتي، وفي نفس الوقت تقريبًا ارتفعت معدلات الطلاق لعدة أسباب وبدأت التغييرات في الأسر ومعها خلافات ومشاكل مختلفة.

الأسرة المتغيرة كمشكلة اجتماعية

يرى بعض علماء الاجتماع إنه لم يكن العنف المنزلي موجودًا في السابق، إذ لم تفعل الأسر التقليدية في الماضي ما تفعله الأسر ذات الوالد الواحد والأزواج المثليين والأزواج بين الأعراق والأمهات العاملات خارج المنزل والأزواج من جنسين مختلفين الذين قرروا عدم إنجاب الأطفال أو الأشكال والمواقف العائلية الأخرى الشائعة بشكل متزايد اليوم، وعلماء اجتماع آخرون يرون أن العنف المنزلي كان موجودًا بالطبع لكنه لم يكن شيئًا صورته البرامج التلفزيونية ووسائل الإعلام الشعبية الأخرى في ذلك الوقت، وتوجد أيضًا أشكال وحالات الأسرة الأخرى إلى حد ما ولكنها أصبحت أكثر شيوعًا اليوم.

وأعطت الدراسات الاجتماعية السابقة في الخمسينيات من القرن الماضي وغيرها بعض التصور للعائلات المحبة والسعيدة التقليدية التي تعيش في الضواحي، حيث كان الأب يعمل خارج المنزل وتبقى الأم في المنزل لرعاية الأطفال والقيام بالأعمال المنزلية، وكان أطفالهم صغارًا يتمتعون بصحة جيدة ونادرًا ما يتعرضون للمشاكل وبالتأكيد لم يتعاطوا المخدرات أو يمارسوا الجنس.

واليوم هناك عائلات حديثة، التي تضم عائلة تقليدية واحدة من والدان من جنسين مختلفين وأطفالهم أو عائلتين غير تقليديتين من واحدة مع رجل أكبر سنًا وامرأة أصغر وطفلهم، والأخرى مع رجلين مثليين وطفلهما المتبنى، وهناك العديد اليوم من الأزواج أو الأفراد المطلقين والعنف المنزلي ومراهقين يتعاطون المخدرات أو يرتكبون جرائم.

فلقد تغيرت العائلات بالفعل، علاوة على ذلك ربما لم يكن للتغييرات في العائلات منذ ذلك الوقت كل الآثار الضارة التي يزعمها العديد من المراقبين، إذ تشير الأدلة التاريخية والمتعددة الثقافات إلى أن العائلة في الخمسينيات من القرن الماضي كانت ظاهرة حديثة وغير نمطية نسبيًا وأن العديد من الأنواع الأخرى من العائلات يمكن أن تزدهر تمامًا كما فعلت هذه العائلات، ويتوسع علماء الاجتماع في دراستهم للأسرة المتغيرة من خلال ألقاء نظرة على عائلات اليوم والتغييرات التي مرت بها، كما يبحثون في بعض الخلافات والمشاكل التي تحيط الآن بالعائلات والعلاقات.

وجهات النظر الاجتماعية حول الأسر المتغيرة

تندرج وجهات النظر السوسيولوجية حول عائلات اليوم ومشاكلها عمومًا في المناهج الوظيفية والصراع والتفاعل الاجتماعي، إذ يذكر المنظور الوظيفي ويؤكد أن المؤسسات الاجتماعية تؤدي العديد من الوظائف المهمة للمساعدة في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والحفاظ على عمل المجتمع، وهكذا فإن الفهم الوظيفي للأسرة يؤكد على الطرق التي تساعد بها الأسرة كمؤسسة اجتماعية في جعل المجتمع ممكنًا، وعلى هذا النحو تؤدي الأسرة العديد من الوظائف الهامة.

كما أن المنظور الوظيفي للأسرة يؤكد أن التغييرات المفاجئة أو بعيدة المدى في هيكل وعمليات الأسرة التقليدية تهدد استقرار الأسرة وبالتالي استقرار المجتمع، على سبيل المثال أكدت معظم الدراسات الاجتماعية في علم الاجتماع والزواج والأسرة خلال الخمسينيات من القرن الماضي أن الأسرة النووية هي أفضل ترتيب للأطفال لأنها توفر للأسرة الاحتياجات الاقتصادية وتربية الأطفال، وحذروا من أن أي تغيير في هذا الترتيب سيضر بالأطفال.

وبالتالي بالأسرة كمؤسسة اجتماعية وحتى المجتمع نفسه، ولم تعد هذه الدراسات الاجتماعية تحتوي على هذا التحذير، لكن العديد من المراقبين المحافظين ما زالوا قلقين بشأن تأثير ذلك على أطفال الأمهات العاملات والأسر ذات الوالد الواحد.

أولاً، الأسرة هي الوحدة الأساسية للتنشئة الاجتماعية للأطفال، ولا يوجد أي مجتمع أساساً بدون التنشئة الاجتماعية الكافية لأفراده، وفي معظم المجتمعات تعتبر الأسرة هي الوحدة الرئيسية التي تحدث فيها التنشئة الاجتماعية من الآباء والأشقاء، وإذا كانت الأسرة ممتدة وليست نواة فإن الأقارب الآخرين يساعدون جميعًا في التنشئة الاجتماعية للأطفال منذ ولادتهم.

ثانياً، تزود الأسرة أفرادها بهوية اجتماعية، حيث يولد الأطفال في الطبقة الاجتماعية والعرق والدين وما إلى ذلك لوالديهم، ويتمتع بعض الأطفال بمزايا طوال الحياة بسبب الهوية الاجتماعية التي يكتسبونها من والديهم، بينما يواجه البعض الآخر العديد من العقبات لأن الطبقة الاجتماعية أو العرق التي ولدوا فيها تقع في أسفل التسلسل الهرمي الاجتماعي.

المصدر: علم المشكلات الاجتماعية، الدكتور معن خليل، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الاردن، 1998المشكلات الاجتماعية المعاصرة، مداخل نظرية، أساليب المواجهة، الدكتور عصام توفيق قمر،2000 علم الاجتماع والمشكلات الاجتماعية، عدلي السمري ومحمد الجوهري، دار المعرفة الجامعية، القاهرة،1998 الظاهرة الاجتماعية عند إميل دوركايم، طالب عبد الكريم،2012


شارك المقالة: