الإمارات في عهد الخليفة المقتفي لأمر لله

اقرأ في هذا المقال


الخليفة المقتفي لأمر لله:

هو المقتفي لأمر الله، أبو عبد الله محمد بن أحمد المستظهر بالله، ولد في الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة (489 هجري)، وأمه حبشية. بويع بالخلافة بعد خلع ابن أخيه الراشد بالله بن المسترشد، وكان عمره إحدى وأربعن سنة، وفي عام (531 هجري)، تزوج أُخت السلطان مسعود فاطمة بنت محمد بن ملكشاه. وخطب لابنه المستنجد بولاية العهد عام (542 هجري).

‎إمارة المرابطون:

توفي علي بن يوسف بن تاشفين عام (537 هجري)، وخلفه ولده تاشفين، فولّى ابنه إبراهيم على مدينة مراكش، وأخل بنفسه مُتابعة أمير الموحدين عبد المؤمن بن علي، وسار تاشفين إلى مدينة تلمسان فدخلها، والتقى الطرفان في معركة، انتقل تاشفين إثرها إلى مدينة وهران ليتخذها قاعدةً له فسار وراءه عبد المؤمن، وحاصره فيها، فحاول تاشفين النجاة فهوى عن صخرة بجواده فقتل عام (539 هجري). تولى بعد تاشفين أخوه إسحاق بن علي، فسار إليه عبد المؤمن بن علي وتمكن من دخول مراكش والقضاء على دولة المرابطين عام (541 هجري).‏

إمارة الموحدون:

بعد أن قضى عبد المؤمن بن علي على دولة المرابطين سار إلى بني حمّاد فملك مدينة بجاية عام (547 هجري)، واستسلم يحيى بن عبد العزيز بن حمّاد آخر ملوك بني حماد، ثم حارب صنهاجة وانتصر عليها، وسار بعدها إلى قلعة بني حماد جنوب غربي صطيف وتمكن من احتلالها، وتقع شمال شط الحضنة في جبال الحضنة شمال شرقي بلدة المسيلة وعلى بعد (25) كم‏ منها، وإلى الجنوب من بجاية على بعد (100) كم‏ منها.

تحالفت بعض القبائل العربية من بني هلال وبني زعب من سُليم وغيرها عام (548 هجري)، لمُحاربة عبد المؤمن بن علي، فانتصر عليهم، وكان روجر حاكم صقلية النصراني قد عرض على هذه القبائل مُساعدته ودعمه لها، فرفضت وأبت أن تستعين بكافر على مسلم. واستطاع عبد المؤمن بن علي أن يفتح مدينة المهدية عام (554 هجري)، وكانت بيد النورمانديين منذ عام (543 هجري)، وبذا دانت المغرب كلها للموحديين أيام عبد المؤمن بن علي الذي بقي حتى عام (558 هجري).

إمارة الأندلس:

استطاع النصارى أن يدخلوا شنترين، وماجة، وماردة، واشبونة عام (540 هجري)، إذ ضعف أمر المرابطين. وفي عام (541 هجري)، بينما كان عبد المؤمن بن علي يحاصر مراكش إذ جاءه وفد من أهل الأندلس يطلب منه مُناصرة المسلمين في الأندلس، فسيّر معهم جيشاً وأسطولاً فسار الجيش نحو إشبيلية، ودخل الأسطول النهر إليها فحاصرها ثم أخذها عنوةً من يد المرابطين.

غير أن النصارى كان وضعهم يسر إلى تحسنٍ في الأندلس، وقد ملكوا المرية عام (542 هجري)، ثم أخذوا عام (544 هجري)، كُلاً من طرطوشة ولاردة، وفي العام التالي حاصر ملك طليطلة النصراني، وهو الأذفونس الملقب بالسليطين قرطبة فبعث له عبد المؤمن جيشاً أجبره على الرحيل عنها.

وتحسن وضع الموحدين بعد الإنتهاء من حروبهم في إفريقية والقضاء على دولة المرابطين، وبني حمّاد وامتلاك كل بلاد المغرب، فانصرفوا نحو الأندلس، وتمكن عبد المؤمن بن علي أن يستعيد مدينة المرية من جزيرة ميورقة مع حمود بن غانية.

إمارة اليمن:

كان بنو نجاح لهم حكمفي منطقة تهامة، وكان حاكمهم فاتك بن منصور الذي مات عام (540 هجري)، وفي أيامه تواجدوا المهديون، فقاموا بالمُهاجمة بقيادة علي بن مهدي على بلاد بني نجاح عام (538 هجري)، غير أنهم هُزموا، وانسحب علي بن مهدي إلى الجبال. وخلف فاتكاً فاتك بن محمد بن فاتك، وبقي حتى عام (555 هجري)، وهو آخر ملوك بني نجاح.

وفي عهده هاجم علي بن مهدي على زبيد فاستنجدوا أهلها ببني الرسّ، وكان حاكمهم المتوكل أحمد بن سُليمان فقام بمُساعدتهم، قام علي بن مهدي بدفع الغارات والذي تمكّن أخيراً دخولها عام (553 هجري). وفي عدن كان يحكم بني زريع الداعي سبأ بن أبي السعود منذ عام (489 هجري)، حتى عام (533 هجري)، حيث توفي، وخلفه ابنه محمد بن سبأ حتى عام (550 هجري)، فخلفه ابنه عمران بن محمد بن سبأ، ولقب بالمُكرم، وبقي حتى عام (560 هجري).

وفي صنعاء حكم حاتم بن أحمد بن عمر اليامي، وهُزِمَ أحمد بن سليمان إمام بني الرس في صعدة (546 هجري)، غير أن أحمد بن سليمان قد عاد واحتل صنعاء عام (550 هجري)، وذهب حاتم إلى حصن جنوب صنعاء وبقي فيه حتى توفي عام (556 هجري). وبالنسبة إلى بني الرسّ فإن أحمد بن سليمان قد برز في صعده، وبقي حتى عام (566 هجري)، ولم يكن وضعه مستقراً.

الصليبيون في عهد الخليفة المُقتفي لأمر لله:

لقد قل عدد الصليبيين في بلاد الشام بسبب ما قُتل منهم، وتوزّعوا في شريطٍ طويلٍ يمتد من الرها إلى أنطاكية فطرابلس فبيت المقدس، وحلّت بهم هزائم كثيرة، فطلبوا معونة أوربا والكنيسة، وكان البابا أربان الثاني قد توفي، ولم يُعدّ تأييد الكنيسة ذا أثر، وبخاصة أنه قام نزاع بين رجال الكنيسة على كُرسي البابوية، وزادت ثروة أوربا، وزادت قوة الملكية في بعض الدول مثل فرنسا وألمانيا وصقلية، ولهذا لم تستطع الكنيسة، كما لم تستطع أوربا تلبية نداء الصليبيين، كما حدث في جمع الصليبيين في المرة الأولى.

لقد نشأت قوةً جديدةً للمسلمين تزعمها عماد الدين زنكي، وبدأ يسعى لتوحيد كلمة المسلمين ولتوسعة رقعة البلاد التي يُسيطر عليها في سبيل الوقوف في وجه الصليبيين ومحاولة طردهم من بلاد المسلمين، غير أن وجود هذه القوة الجديدة قد دفع نصارى أوربا للمُناداة للدفاع عن البلاد التي احتلوها من بلاد الشام، والتي كلفتهم كثيراً.

وتمكّن أحد من أفرادهم أن قام بجمع أعداداً كبيرة من النصارى الحاقدين على المسلمين تحت شعار الدفاع عن المكتسبات التي حصلوا عليها، ولمّا كانت المُلكية قد قويت فى ألمانيا وفرنسا وتريد منافسة الكنيسة لذا فقد انضم إلى هذه الجموع كل من ملك ألمانيا كونراد الثالث ولويس السابع ملك فرنسا، وسارت حملة كبيرة مُتجهة نحو الشرق.

‏أما روجر ملك صقلية وجنوبي إيطاليا فقد اتجه نحو شمالي إفريقية، ودخل طرابلس الغرب، كما دخل المهدية: أولاهما عام (541 هجري)، والثانية (543 هجري)، غير أن اختلافاً قام بينه وبين أمبراطور القسطنطينية عام (544 هجري)، ثم مات وزيره جورج عام (546 هجري)، الذي قام بحملاته الصليبية في شمالي إفريقية فاستراح منه الناس، كما مات هو عام (548 هجري)، بعد أن هاجم بونه ودخلها.

أما الحملة الصليبية الثانية فقد شبعها على الإنطلاق فتح عماد الدين زنكي لإمارة الرها الصليبية عام (539 هجري)، وعندما انطلقت هذه الحملة عام (542 هجري)، كان عماد الدين زنكي قد توفي عام (541 هجري)، واتجهت الحملة إلى بلاد الشام عن طريق البحر للخلاف الذي كان قائماً بين أمبراطور القسطنطينية وبين الصليبيين.

اتجه الفرنسيون نحو أنطاكية على حين سار الألمان نحو عكا. رغبت قادة هذه الحملة الصليبية أن يحتلوا دمشق حاضرة بلاد الشام ولقطع الصلة بين المسلمين شمال بيت المقدس وجنوبه فارتكبوا بذلك خطأً كبيراً، وهو أن أمير دمشق يومذاك وهو مجير الدين كان يخشى من سيطرة آل زنكي على مدينته ويعتمد على الدعم الصليبي فيما إذا اتجه آل زنكي نحوه.

بالإتجاه الصليبي نحو دمشق جعل أميرها مجير الدين يستنجد بنور الدين محمود آل زنكي ضدهم وهذا ما هيأ لنور الدين باحتلال دمشق عام (549 هجري)، وأضاع على الصليبيين مُخططاتهم، واضطر ملك ألمانيا كونراد الثالث بعدها العودة إلى بلاده، كما تبعه ملك فرنسا لويس السابع بعد مُدةٍ وجيزةٍ. وهكذا فشلت هذه الحملة الصليبية الثانية.

أما نور الدين محمود فقد حمل مهمة والده في قتال الصليبيين، وقد استطاع أن يفتح عِدة حصون على الساحل الشامي عام (542 هجري)، كانت للصليبيين. وفي عام (543 هجري)، حاضر الصليبيون مدينة دمشق بجيش قوامه مائة ألف يقوده كونراد الثالث ملك ألمانيا، فاستنجد أميرها مجير الدين بنور الدين محمود صاحب حلب وبأخيه سيف الدين غازي صاحب الموصل، وجاء محمود نور الدين، وانتصر على الصليبيين في بصرى، ولمّا سَمِعَ الصليبيون بقدوم ولدي زنكي إلى دمشق رحلوا عنها.

وفي عام (544 هجري)، دخل نور الدين محمود حصن أفاميا، وسار نحو أنطاكية، وحاصر في طريقه مدينة حارم، وصالحه أهلها على نصف أرزاقهم. غير أنه هزم عام (546 هجري)، عندما سار لقتال جوسلين أمير الرها الصليبي، ثم تمكَّن من أسر جوسلين فيما بعد، واستطاع أن يأخذ إعزاز، وعينتاب، ومرعش.

واستنجد مجير الدين بنور الدين محمود ضد الصليبيين فجاءه ودخل دمشق عام (549 هجري)، ثم سار إلى بعلبك ودخلها عام (550 هجري)، كما أخذ شيزر عام (552 هجري). وأخفقت الحملة الصليبية الثانية، وظهر ضعف الصليبيين في بلاد الشام، وقوي شأن المسلمين إذ أصبحت أكثر بلاد الشام تحت إمرة نور الدين محمود، وحُصر الصليبيون في المناطق الساحلية وبيت المقدس، وقلَّ أملهم في مساعدة، بعض أُمراء المسلمين ضد بعض، وقلَّ عدد النصارى الذين كانوا يأتون لزيارة بيت المقدس، ولم تُعد أوربا تُفكر بإرسال حملة جديدة إلى بلاد الشام لدعم الصليبيين هناك.

المصدر: ❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر الجزء الثاني صفحة (279 – 284)❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: