الحركات الثورية في عهد الرشيد

اقرأ في هذا المقال


الحركات الثورية في عهد الرشيد:

لم تنشط من حركات واسعة خلال فترة الرشيد، وإنما كانت حركات محلية قام بها والٍ أغراه سلطانه، وأطمعه نفوذه فيخرج على الخليفة ثم لم يلبث أن يهزم فيُقتل أو يُعفى عنه. ثار يحيى بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب في بلاد الديلم عام (176 هجري)، وكان يحيى نجا من معركة (فخّ) عام (169 هجري).

فدعا لنفسه فبايعه أناس من أهل الحرمين، واليمن، ومصر، وذهب إلى اليمن فأقام مُدةً فيها، ودخل مصر، والمغرب وعاد إلى المشرق فدخل العراق مُتنكراً، وقصد الري وخراسان، ووصل إلى بلاد ما وراء النهر، واشتد الرشيد في طلبه، فانصرف إلى خاقان ملك الترك، ومعه من وأنصاره نحو مائة وسبعون رجُلاً فأقام سنتين وستة أشهر.

وسار إلى طبرستان في بلاد الديلم، وأعلن نفسه فيها، وكثُر من يتبعه، فندب الرشيد للحرب على الفضل بن يحيى البرمكي بخمسين ألفاً، ومعه كبار القادة. وضعف أمر يحيى إذ خاف أن يغدر به ملك الديلم. لأن الفضل البرمكي قد كاتب يحيى ورفق به واستماله، وناشده، وحذره، وأشار عليه، وبسط أمله. كما كاتب صاحب الديلم وجعل له مليون درهم إن حمل يحيى على الصلح وطلب الأمان.

وفعلاً أجاب يحيى إلى الصلح على أن يخاطب له الرشيد ويعطيه الأمان بخط يده ويرسل به إليه، فخاطب الفضل بذلك إلى الرشيد فسرّه ذلك. وكتب أماناً إلى يحيى بن عبد الله، وأشهد عليه الفقهاء والقضاة وجلّة بني هاشم ومشايخهم، منهم عبد الصمد بن علي، والعباس بن محمدن ومحمد بن إبراهيم، وموسى بن عيسى، كما وجه مع كتاب الأمان هدايا، فلما وصل هذا إلى الفضل البرمكي أرسلها إلى يحيى بن عبد الله.

قبل يحيى بن عبد الله هذا فأقبل إلى الفضل فسار به إلى بغداد، فلقيه الرشيد، ورحّب به، ومنحهُ مالاً كثيراً، وأجرى عليه أرزاقاً، وأنزله منزلاً طيباً بعد أن أقام عدة أيام في بيت يحيى بن خالد البرمكي، وكان يتولى أمره بنفسه، وأمر الناس أن يسَلّموا عليه.

لم يلبث الرشيد أن تنكر ليحيى فسجنه عند جعفر بن يحيى البرمكي، فرقّ عليه جعفر وأطلقه، وأرسل الرشيد من أعاده إلى السجن في سرداب؛ ووكّل به مسروراً الخادم، ولم يزل في سجنه حتى مات عام (180 هجري)،‏ وكثرت الروايات عن أسباب موته فمنهم من قال: جوعاً وعطشاً ومنهم من قال: عذاباً، ومنهم من قال: انتهى أجله.

الثورات التي جرت في عهد الرشيد:

ثارت فرقة من قيس وقضاعة في مصر، فقاتلها عامل مصر يوم ذاك وهو إسحاق بن سليمان، وأمدّه الرشيد بهرثمة بن أعين عامل فلسطين فخمدت الفتنة وذلك عام (177 هجري). وثار أهل إفريقية عام (178 هجري)، بإمرة عبدويه الأنباري، فقتل الفضل بن روح بن حاتم، وأخرج من كان بها من آل المهلب، فوجه إليهم الرشيد هرثمة بن أعين فخمدت الفتنة، بعد أن كاتب يحيى بن خالد البرمكي عبدويه رأس الحركة ودعاه إلى الطاعة وأمّنه وأمّله حتى وافق وطلب الأمان، وعاد إلى الطاعة، وقدم إلى بغداد، فوفّى له يحيى، وأحسن إليهن ووصله، وولّاه.

وثار ببلدة (نسا) من خراسان عام (183 هجري)، أبو الخصيب وهيب بن عبد الله النسائي، وكثر أتباعه، ولكنه غلب فطلب الأمان من والي خراسان علي بن عيسى فأعطاه إياه عام (184 هجري)، ثم عاد فخرج ثانية، وغلب على (نسا) و (أبيورد) و (طوس) و (نيسابور)، وزحف إلى (مرو) فهزم هناك، فمضى نحو (سرخس)، وقوي أمره فخرج إليه علي بن عيسى بن ماهان فانتصر عليه عام (186 هجري)، وانتهى أمره.

وثارت العصبية في بلاد الشام فكانت فتنة قوية بين المضرية والنزارية فأرسل لهم الرشيد محمد بن منصور بن زياد فتم الصلح بينهم. وغضب رافع بن الليث بن نصر بن سيّار وخرج إلى سمرقند من بلاد ما وراء النهر لسببٍ تافهٍ، وهو الزواج من امرأةٍ بحيلةٍ فلما رفع الأمر إلى الرشيد، أمر واليه علي بن عيسى على خراسان أن يُفرّق بينهما، وأن يجلد رافعاً، ويعزّره بالطواف به في أسواق سمرقند ليكون عِبرةً لغيره، وسُجن رافع.

فهرب من السجن، وذهب إلى علي بن عيسى إلى منطقة بلخ، فطلب منه الأمان فلم يجبه علي إليه، وسمح له بالعودة إلى سمرقند، فعاد إليها، ووثب على عاملها سليمان بن حميد فقتله، فأرسل إليه علي بن عيسى ابنه عيسى ثم سار إليه بنفسه وذلك عام (190 هجري)، وعظم أمر رافع عام (191 هجري)، وأطاعه أهل (نسف)، ودعمه الأتراك، وقتلوا عيسى بن علي.

قام الرشيد بولاية هرثمة بن أعين على خراسان، وعزل علي بن عيسى عنها. وقاتل هرثمة رافعاً، وتمكن هرثمة من دخول بُخارى وأسر بشير بن الليث أخي رافع وأرسله إلى الرشيد وهو في (طوس) متوجهً لقتال رافع فضرب عنق بشير. واستمر أمر رافع إلى ما بعد أيام الرشيد. أما الرشيد فقد توفي وهو في طوس عام (193 هجري).

وفي عام (181 هجري)، تغلب الزنادقة على جرجان وعاثوا فيها الفساد. وخرجت الخرّمية في أذربيجان عام (192 هجري)، فأرسل إليهم الرشيد عبد الله بن مالك بن هيثم الخزاعي فقتل منهم كثيراً، وأسر، وسبى، فأمره الرشيد بقتل الأسارى، وبيع السبي، ففعل. وثار رجل من بني عبد القيس فأرسل له الرشيد من قتله وذلك عام (190 هجري).

الخوارج في عهد الرشيد:

ازداد نشاط الخوارج أيام الرشيد إلا أن حركاتهم كانت موضعيةً وذات أثر ضئيل محدود، مع العلم أن إفريقية كان فيها إمارتان للخوارج إحداهما للصفرية، والأخرى للأباضية. خرج الفضل بن سعيد الحروري عام (170 هجري)، ولكنه لم يلبث أن قتل.

خرج عام (178 هجري)، بالجزيرة الوليد بن طريف الشاري، وقتل كثيراً من أهلها، ومنهم إبراهيم بن خازم بن خزيمة الذي قُتل بناحية نصيبين، ثم توجّه الوليد إلى أرمينيا. ورجع إلى الجزيرة في العام التالي وقويت شوكته، وكثُر أتباعه، فبعث له الرشيد يزيد بن مزيد الشيباني فالتقى به بالقرب من هيت فقتله. وقد رثته أخته الفارعة بالقصيدة المشهورة التي منها: (أيا شجر الخابور مالك مُورقاً كأنك لم تجزع على ابن طريف فتى لا يُحب الزاد إلاّ من التقى ولا المال إلا من قناً وسيوف).

قام الرشيد بتأدية العمرة في هذه السنة في شهر رمضان شكراً لله على نصره على الوليد بن طريف، وانصرف بعد أداء العمرة إلى المدينة حيث بقي فيها إلى موسم الحج، فسار إلى مكة. وحجَّ بالناس، وأدّى المناسك كلها ماشياً. كما خرج في العام نفسه (179 هجري)، في خراسان حمزة بن أترك السجستاني، وبدأ ينتقل من مكان إلى آخر حتى قويَّ أمره عام (185 هجري)، فعاث فساداً في (باذغيس)، من أرض خراسان، ثم غُلِبَ وفرَّ باتجاه كابُل.

وظهر في منطقة الجزيرة أيضاً عام (180 هجري)، خراشة الشيباني، فذهب إليه مُسلم بن بكار بن مسلم العقيلي فنحر عُنقه، وتتبع أعوانه من الخوارج. وفي عام (184 هجري)، خرج بالجزيرة أيضاً أبو عمرو الشاري، ولكنه لم يلبث طويلاً حتى قُتل. وفي عام (191 هجري)، خرج رجل بسواد العراق يُقال ثروان بن سيف، فوجّه إليه الرشيد طوق بن مالك، فتمكن طوق من الانتصار عليه وقتل عامة أصحابه، وجرح ثروان، فظنه أنه قتل، وفرَّ ثروان جريحاً.

المصدر: ❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر صفحة (152 – 156)❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: