الخصائص الذهنية الانفعالية للتخلف الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


الوجود المتخلف معاش روحي أكثر مما هو مُشكلاً ومنظماً عقلياً، فبينما نرى خضوع العقلانية والحياد الانفعالي على طريقة مقاومة الواقع والوقوف لمشكلاته في الدول الصناعية، نلاحظ أن شخص العالم المتخلف يقع تحت ثقل انفعالاته التي تفيض على العالم.

الخصائص الذهنية الانفعالية للتخلف الاجتماعي

إن العالم وقضاياه تعاش عن طريق الذات، عن طريق قوالب التفكير المنطقي، ولذلك فإن درجة الموضوعية تنحصر في أغلبية الأوقات كي تزول كلياً في حالات خاصة، وخصوصاً في الأوقات الصعبة، وبينما تحتاج أمور الحياة الصعبة المزيد من الموضوعية والعقلانية كي يمكن مواجهتها بكمية معقولة من الكفاءة والفعالية، نرى الشخص المتخلف يغوص في تلك اللحظات بالذات في تيار جارف من الانفعالات، يجعله يضيع التحكم على الواقع، ويدفع به إلى الارتماء في التفكير الخرافي والسحري وغير الموجود، كوسيلة وحيدة باقية للخلاص من المأزق.

إن اضطهاد الانفعالات وما يصاحبها من تراجع على مستوى العقلانية، ظاهرة معروفة في الأزمات، ولكنها عند الشخص المتخلف تكاد تكون الأسلوب الرئيسي في الوجود، ﻷنه بالتحديد يعاني من أزمات خطيرة تأخذ طابع المأزق المعيشي، الذي لا يجد لذاته خلاصاً منه.

هذه الأزمة تجعله يعيش في حالة مستمرة من التوتر الانفعالي الذي ينبث في حنايا شخصيته معطلاً القدرة على الحكم الموضوعي، والنظرة العقلانية إلى الأمور، وهكذا فإن التوتر الانفعالي، بمقدار ما يتصعد يخلق عقبات معرفية متفاقمة أمام الشخص المضطهد، إذ إن تثبيت الواقع وما يتطلبه من حياد نفسي، يستلزم ضبط الانفعالات ضمن حدود لا تتعداها.

هذه الحدود تتلخص بمد الذهن بالقوة الدافعة للاهتمام بالعالم بالمرء إلى حالة من البرود وعدم الاكتراث التي قد تصل حد الجمدة، مما يجعله يدير ظهره آلة صمّاء، أو يلقي به في الأسلوب الهجاسي، في مقاومة الأمور.

ويتلخص هذا الأسلوب الأخير في عقلانية مفرطة ومتزمتة، في حال من هوس التحليل والدقة والتركيز حول التفاصيل التي ترهق المرء وتفقد حياته كل حرارتها، هذه الحالة تلاحظ حالياً في الكثير من قطاعات الصناعة المتطورة التي تقوم على الضبط الرياضي والدقة العلمية المفرطين، محولة الشخص إلى مجرد آلة، أو ترس في آلة الإنتاج الضخمة.

هذا التوازن ضروري بين الانفعال والوجدان، وبين المنطق والعقل، ولا يتيسر لشخص العالم المتخلف لمسببات كثيرة، وأهمها القهر وانعدام مشاعر الأمن وطغيان مشاعر الدونية، كلها عوامل تصد الذهن نظراً لما تولده من قلق.

المصدر: أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.


شارك المقالة: