الخليفة المقتدر بالله جعفر بن أحمد المعتضد

اقرأ في هذا المقال


الخليفة المُقتدر بالله جعفر بن أحمد المُعتضد:

هو جعفر بن أحمد المعتضد، ولد في ليلة الجمعة لثمان بقين من رمضان من عام (282 هجري)، وأمّه أم ولد تُكنى (غريب)، ولمّا مرض أخوه المُكتفي سأل عنه وعلم أنه بلغ الحلم فعهد إليه، ولا يزيد عمره على الثلاث عشرة سنة، ولم يلِ الخلافة قبله أصغر منه وبويع
يوم الأحد لأربع عشرة مضت من ذي القعدة من عام (295 هجري).

وقد استصغره الوزير العباس بن الحسن وجماعة من الأعيان فعملوا على نزع الولاية منه، وتولية عبد الله بن المعتز، فقد وافق ابن المعتز بشرط ألا يُراق دم وبلغ المُقتدر ذلك فأرضى الوزير العباس بن الحسن بالمال فرجع عما عزم عليه، وأما الآخرون فقد ركبوا عليه في العشرين من ربيع الأول وكان جعفر بن أحمد صغيراً يلعب لما جاءوا إليه، فهرب ودخل، وأُغلقت الأبواب، وقتل دونه الوزير وجماعة معه، وأرسل إلى ابن المعتز فجاء وبايعوه بالخلافة، ولقّبوه (الغالب باللّه)، ونفذت الكُتب بخلافة ابن المعتز.

أرسل ابن المعتز للمقتدر ويعطيه أوامر بالانتقال إلى بيت محمد بن طاهر كي يذهب ابن المعتز إلى بيت الخلافة فتقبّل المقتدر، فهو صغير ولم يكن لديه قوة، إذ لم يبقَّ عنده سوى مجموعةٍ صغيرةٍ فشجّعوا أنفسهم وهجموا على جماعة ابن المعتز فخافوا، وفرّوا من أمامهم فلحِقوا بهم، وساروا إلى مكان ابن المعتز فهرب ومعه وزيره وقاضيه، وحدثت فوضى في بغداد، وقبض جماعة المُقتدر على الذين بايعوا ابن المعتز وقتلوا أكثرهم.

وسّجن ابن المعتز، وأُخرج بعد فترةٍ ووجِدَ أنهُ ميت، واستقام الأمر للمقتدر، فاستوزر أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات، فسار أحسن سير، وكشف المظالم، وحضّ المقتدر على العدل. أَمَرَ المقتدر ألا يُستخدم اليهود، ولا النصارى. ثم ولي الوزارة عام (301 هجري)، علي بن عيسى فسار بعفة وعدلٍ وتقوى، وأبطل الخمور، وأبطل من المكوس ما ارتفاعه في العام خمسمائة ألف دينار.

ذهبَ مؤنس الخادم المُلقّبٍ بالمظفّر إلى المُقتدر لأنه أخبرهُ أنهُ يُريد أن يولي إمرة الأمراء هارون بن غريب مكانه، وأخرج المُقتدر من دار الخلافة، وحُبس في دار مؤنس، وأحضر أخوه محمد بن المُعتضد وبايعوه ولقبوه القاهر بالله.

ولكن لم يبق سوى يومين إذ طالبه العسكر بالأرزاق فلم يدفع لهم، فهاجوا وتصايحوا وذهبوا إلى دار مؤنس وأخرجوا المُقتدر وأعادوه إلى الخلافة، أما القاهر بالله فقد بدأ يبكي فأقبل إليه المقتدر وقبّله وقال له: يا أخي أنت لا ذنب لك.وفي عام (320 هجري)، رَكِبَ مؤنس الخادم على المقتدر وجرت بينهما معركة قتل فيها المقتدر وذلك لليلتين بقيتا من شوال.

صفات الخليفة المُقتدر:

كان المقتدر في الربع من الرجال ذو حسن العينين والوجه، بعيد المنكبين، وذو شعر حسن، ووجهٍ مدور، مشرباً بحمرة، حسن الخلق، قد شاب رأسه وعارضاه، وقد كان مِعطاءً جواداً، وله عقل جيد، وفهم وافر، وذهن صحيح، وكان كثير الصدقة والإحسان إلى أهل الحرمين وأرباب الوظائف، وكان كثير التنفّل بالصلاة والصوم والعبادة، ولكنه كان مؤثراً لشهواته ومبذراً، كثير العزل والولاية والتلوّن، وقد غلب النساء عليه وكانت مُدة خلافته خمس وعشرين سنة إلا قليلاً وقد عاش ثمان وثلاثين سنة.

الحركات الثورية مع الروم في عهد المُقتدر:

تمت مفاداة بين المسلمين والروم عام (295 هجري)، وكان عدد أسرى المسلمين ثلاثة آلاف أسير. وعاد الغزو فقاد الصائفة عام (297 هجري)، القاسم بن سيما، وبعدها فادى مؤنس الخادم الأسارى الذين وقعوا بأيدي الروم. ثم غزا حسين بن حمدان الصائفة عام (301 هجري)، وأسر مؤنس الخادم مائة وخمسين بطريقاً مع أعداد كبيرة من الروم.

وطلبت الروم عقد هُدنة بين الطرفين وأرسلت الهدايا، وتمت المُفاداة وذلك عام (305 هجري). ودخل الدمستق ملك الروم ملاطية وعاث فساداً فى سواحل بلاد المسلمين عام (314 هجري)، وفي العام التالي دخل الروم سميساط على الفُرات كما هاجموا ثُغر دمياط في بلاد مصر ودخلوه فوثب المسلمون على الروم فأجلوهم عن المناطق التي دخلوها.

كما انتصر المُسلمون على الروم عام (319 هجري)، في جهات طرسوس، وأسروا ثلاثة آلاف رومي، وفي الوقت نفسه تقدّم الروم نحو سميساط فوقع الذُعر بين أهلها واستنجدوا بأمير الموصل سعيد بن حمدان فأنجدهم ففرَّ الروم، ومرّوا على ملاطية فنهبوها فلاحقهم سعيد بن حمدان، ودخل بلادهم، وقتل كثيراً منهم. وفتحت فرغانة عام (312 هجري)، علي يد والي خراسان.

الحركة الثورية مع القرامطة في عهد المُقتدر:

انتهت حركة قرامطة الشام بعد موت يحيى بن زكرويه عام (290 هجري)، ثم موت أخيه الحسين عام (291 هجري)، وانتشروا في البلاد وابتعدوا، كما انتهت حركة قرامطة في العراق بعد خروج زكرويه بن مهرويه ومقتله عام (301 هجري)، وكذلك فقد دالت دولة قرامطة اليمن بعد موت علي بن الفضل مسموماً عام (303 هجري).

ولكن زادت شوكة قرامطة البحرين في هذه الآونة وهم أخبث القرامطة وأكثرهم فساداً، فبعد أن قتل أبو سعيد الجنابي عام (301 هجري)، على يد خادمه في الحمام قام مقامه ابنه سعيد إلا أن أخاه سليمان أبو طاهر قد تغلب عليه وقاد القرامطة، وقد عاث في المنطقة فساداً وأرهب الناس، وارتكب المُنكرات، وهتك المحارم، وما ترك رذيلة إلا وفعلها، واستطاع أن يدخل البصرة عام (311 هجري)، والكوفة عام (313 هجري).

وفعل بالأهالي الأفاعيل، وسار في وادي الفُرات حتى شمال دير الزور حالياً، كما اتجه إلى الشمال الشرقي فاقترب من الموصل، وفي كل أرض كانت تطأها أقدام قرامطته ينتشر الرعب ويعُّم الفساد، وتُنتهك الأعراض بأبشع العادات، ومن منطقة الموصل انتقل نحو مكة فضجت الأعراب والبوادي من أفعاله حتى انقطع الحج، وقد انتصر على جيش المُقتدر وذلك كله عام (316 هجري).

وفي العام التالي دخل مكة المكرمة في أثناء الموسم وقتل الحجاج ورمى جُثثهم في بئر زمزم وخلع الحجر الأسود وقام بحمله معه إلى هجر حيث بقي حتى عام (339 هجري)، ثم سار إلى الكوفة فانقطعت قلوب أهل بغداد عام (319 هجري)، هلعاً إذ أُشيع أنه سائر إليهم.

المصدر: ❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر الجزء الثاني صفحة (107 – 110)❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: