النظريات الدائرية أو نشوء وسقوط الحضارات

اقرأ في هذا المقال


أصحاب النظريات الدائريَّة في تفسير التغيُّر الاجتماعي يقولون أنَّ الحضارات كائنات حيّة تولد وتنمو وتموت.

أوزفولد شبنجلر

عرض شبنجلر تحليلاته النظريَّة للحضارة والثقافة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بين الدُّول الأوروبية في كتابه الذي حقَّق شهرة واسعة في ذلك الوقت، وهو( سقوط الغرب) واستخدم مفاهيماً تاريخيَّة وفلسفيَّة واسعة في هذه التحليلات، منها: الحضارة والثقافة والانحدار والتَّسامي، أي اتصال الحضارات وتوارثها، وهو يرى أنَّ الحضارة تمرّ بمراحل دائرية في تطوُّرها من ولادة ونضوج وموت، تماماً كما يمرّ الإنسان بهذه المراحل. لكنْ بينما يمتدُّ عمر الإنسان ليصل مئة عام على أكبر تقدير فإنَّ عمر الحضارة يصل إلى ألف عام في المتوسط، وعلى أساس هذا المعيار تنبأ بسقوط الحضارة الغربية التي بدأت في القرن التَّاسع الميلادي، ومع نهاية القرن التَّاسع عشر الميلادي تكون قد اكتمل عمرها وهو ألف عام كاملة.

ومن الواضح أنَّ هذا المعيار الذي استخدمه شبنجلر معيار تعسُّفي أدَّى إلى انهيار تنبؤاته جميعها، والحضارة الغربية لم تنهار بعد ألف عام، وإنَّما ازدادت قوَّة وتقدُّماً وحيوية نتيجة قدرتها على مواجهة التحديات البيئية والدوليَّة بنجاح بفضل ما تنتجه من وسائل ماديَّة وغير مادية تساعدها على ذلك.

وقد ميَّز شبنجلر بين الحضارة والثقافة، والحضارة في رأيه تعني الهبوط والانحدار أمّا الثقافة فتتوافق مع مرحلة الصُّعود في المجتمع، مُقَدِّماً فرضيَّة التحجُّر الحتمي، فبعد أنْ تسود الحضارة وتُحاط بالمدن والتَّرف تتراجع الثقافة وبخاصة عناصرها التي تؤدِّي إلى الابتكار، والتجديد والزَّخم. وميّز شبنجلر بين ثماني حضارات كبرى وهي:

  • المصرية.
  • اليابانية.
  • الهندية.
  • الصينية.
  • المكسيكية.
  • اليونانية الكلاسيكية.
  • العربية.
  • الغربية.

وتحليله لتاريخ كل منها وتطوُّرها والمقارنة بينها جعلته يُقَدّم تصوُّراً دائرياً للتطوُّر، أو التغيُّر في المجتمع إذ تتواجه الثقافة والحضارة معاً وتتفاعلا باستمرار، وتتعاقب السِّيادة في المجتمع في حالتي الصُّعود والانحدار حيث تسود الحضارة في حالة الإنحدار.

نشوء وسقوط الحضارات: دراسة في النظريات الدائرية

تاريخ الإنسان مليء بنشوء الحضارات وسقوطها، وهو موضوع شغف للعديد من الباحثين والفلاسفة على مر العصور. تحاول النظريات الدائرية فهم هذا الدوران الطبيعي للحضارات، حيث يتبدل النمو والازدهار بالانهيار والانحطاط. هذا الموضوع يلقي الضوء على بعض النظريات الرئيسية حول هذا التبادل المستمر بين النشوء والسقوط.

تأثير البيئة والموارد: إحدى النظريات الرئيسية تركز على دور البيئة والموارد في نشوء وسقوط الحضارات. يقول المؤرخون إن توفر الموارد الطبيعية والقدرة على استدامتها يمكن أن يشجع على نشوء الحضارات، في حين أن نضوب هذه الموارد يمكن أن يؤدي إلى انهيارها. مثلاً، حضارات كانت تعتمد بشكل كبير على مصادر محددة مثل المياه أو الأراضي الزراعية قد انهارت عندما تأثرت هذه المصادر.

التطور التكنولوجي والابتكار: نظريات أخرى تركز على دور التطور التكنولوجي والابتكار في تكوين وانهيار الحضارات. على سبيل المثال، قد تنهض حضارة جديدة بفضل تقدمها في مجال التكنولوجيا والابتكار، ولكن عندما يصبح التطور التكنولوجي متوقعًا أو مستدامًا، يمكن أن يؤدي الركود التكنولوجي إلى ضعف الحضارة وانحدارها.

العوامل الثقافية والاجتماعية: تشير بعض النظريات إلى دور العوامل الثقافية والاجتماعية في تكوين وسقوط الحضارات. قد يكون التغير في القيم والمعتقدات الاجتماعية، أو الصراعات الثقافية، هو المحرك وراء تحولات كبيرة في المجتمعات.

التفاعل بين العوامل المتعددة: غالبًا ما ترتبط هذه النظريات معًا، حيث يتفاعل العديد من العوامل لتشكيل مسار الحضارات. التاريخ يظهر لنا أن الحضارات نادراً ما تستند إلى عامل واحد فقط في تكوينها أو انهيارها، بل يتداخل العديد من الجوانب.

استنتاج: على مر العصور، كانت الحضارات تظهر وتختفي، والنظريات الدائرية تساعدنا على فهم هذا النمط. تظهر هذه النظريات كيف يمكن أن تكون الحضارات حساسة للتغيرات في البيئة والتكنولوجيا والثقافة. وفهم هذه العمليات يمكن أن يساعدنا في التعامل مع التحديات المعاصرة والمحافظة على استدامة حضاراتنا في المستقبل.

التحولات التاريخية للحضارات ودور العوامل المتعددة في نشوء وسقوطها

تأثير البيئة والموارد: على مر العصور، كانت الحضارات تعتمد بشكل كبير على توفر الموارد الطبيعية. حضارات مثل حضارة مصر القديمة ازدهرت بفضل نهر النيل وتربته الخصبة. ومع ذلك، تشير التاريخ أيضًا إلى أمثلة على انهيار حضارات بسبب تدهور الموارد، سواء كان ذلك بسبب التغيرات المناخية أو استنزاف الموارد الطبيعية.

التطور التكنولوجي والابتكار: التكنولوجيا والابتكار لعبت دورًا هامًا في تطوير الحضارات. حضارات مثل الإغريق القديمين والإمبراطورية الصينية القديمة ازدهرت بفضل تقدمها في مجالات مثل العلوم والرياضيات والطب. ومع ذلك، قد تواجه الحضارات التي تعتمد بشكل كبير على الابتكار صعوبات عندما يبدأ التطور التكنولوجي في تراجعها أو عندما تتجاوزه حضارات أخرى.

العوامل الثقافية والاجتماعية: القيم والمعتقدات الثقافية يمكن أن تكون محركات قوية لتكوين الحضارات. حضارات مثل الإسلام العربي وحضارة الهند القديمة ازدهرت بفضل تأثيراتها الثقافية والدينية. ومع ذلك، تشير السجلات التاريخية أيضًا إلى أمثلة على انهيار حضارات بسبب صراعات ثقافية أو اجتماعية، مثل الصراعات الدينية أو الحروب الأهلية.

التفاعل بين العوامل المتعددة: في النهاية، يبرز التاريخ أهمية التفاعل بين هذه العوامل المختلفة. عندما تتزايد التوترات في إحدى الجوانب، قد تؤدي إلى تأثير سلبي على العوامل الأخرى. على سبيل المثال، نضوب الموارد يمكن أن يؤدي إلى صراعات ثقافية واجتماعية، مما يزيد من فقدان التوازن ويسهم في انهيار الحضارة.


شارك المقالة: