لقد أدى الاهتمام المتنامي من قبل المختصين في العلوم الاجتماعية المختلفة بقضية الشيخوخة، أن يتوجهوا إلى البحوث الميدانية، وقد كانت البداية في أبحاث الشيخوخة متواضعة جداً، وكانت تهدف في مجملها إلى الإجابة عن بعض التساؤلات التي طرحها واقع كبار السن في المجتمعات الصناعية، بعد أن تزايدت معدلاتهم بشكل ملحوظ، الأمر الذي دفع كثيراً من صانعي القرار إلى اللجوء إلى الباحثين في العلوم الاجتماعية لمساعدتهم للتعرف على المشكلات الاجتماعية التي تجابه كبار السن، حتى يتمكنوا من وضع الحلول المناسبة لما يواجههم من قضايا.
النظرية الاستمرارية في مجال الشيخوخة
تأتي النظرية الاستمرارية لتؤكد أهمية النشاط من ناحية، وتضيف أهمية الاستقرار النسبي للأدوار التي اعتاد عليها الفرد في السابق من ناحية أخرى، وتفترض النظرية الاستمرارية أن هذه الشيخوخة الناجحة هي التي تتصف بالقدرة على المحافظة، والاستمرار على الأدوار، والنشاطات والعلاقات في مرحلة التقاعد، فتكيف كبار السن، يتوقف على زيادة الوقت في مزاولة الأدوار والنشاطات التي كانوا يزولونها قبل التقاعد عوضاً عن البحث عن أدوار جديدة.
وتستند هذه النظرية على نتائج الدراسات التي تؤكد أن كبار السن يحلولون التشبث بالطرق التي جربوها عوضاً عن محاولة اتخاذ وسائل جديدة لم يكن لهم بها خبرة سابقة، كما يحاول معظم المتقاعدين أن يجعلوا حياتهم بعد التقاعد مشابهة إلى حد كبير لحياتهم قبل التقاعد.
ونجد العديد من الدراسات التي تدور في فلك الاتجاه الاستمراري، نذكر على سبيل المثال دراسة كافان تؤكد هذه الدراسات أن الناس عادة ما يلجؤون إلى توظيف خبراتهم، في مرحلة ما قبل التقاعد، من ناحية استغلال الوقت والطاقة في مرحلة التقاعد، وكذلك دراسة مودوكس والتي تؤكد أن استقرار الأدوار يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالرضا المعيشي، في حين يؤكد أصحاب هذا الاتجاه أهمية الاستقرار النسبي للأدوار ولا يعطون أهمية كبيرة للجوانب السلبية للتقاعد، ويأخذ هذه الوجهة كل من بريستون وكارب.
ويرى أنصار هذا الاتجاه والذين يقللون من شأن الآثار السلبية للتقاعد، نتيجة لمعرفة الفرد المسبقة، بأن التقاعد أمر حتمي، كما أن العامل يدفع مبالغ من دخله للتقاعد كما يعايش بعض الأقرباء أو الأصدقاء ممن أحيلول على التقاعد، وبذلك يكون الفرد واعياً بدور التقاعد، ويفترضون أن التغيرات السلوكية الناتجة عن التقاعد عادة ما تتم قبل ترك العمل، وعلى عكس من يعتقدون بغموض وضع التقاعد، فإن أنصار هذا الاتجاه يؤكدون أهمية كون التقاعد أصبح من النظم الاجتماعية، وليس ذلك فحسب، بل يؤكدون أيضاً على التوقعات المرتقبة لسلوك المتقاعدين.
