تاريخ النظرية البيولوجية لعلم الجريمة

اقرأ في هذا المقال


ترتكب الجرائم لأسباب مختلفة ولكن وفقًا للنظرية البيولوجية لعلم الجريمة، فإنّ هذه الأسباب بيولوجية، وتعرف على كيفية استخدام هذه النظرية واستكشف الأدلة الداعمة لها وأوجه القصور، وتحاول النظريات البيولوجية للجريمة شرح السلوكيات المخالفة لتوقعات المجتمع من خلال فحص الخصائص الفردية، ويتم تصنيف هذه النظريات ضمن نموذج يسمى الوضعية (المعروف أيضًا باسم الحتمية) والذي يؤكد أنّ السلوكيات بما في ذلك السلوكيات المخالفة للقانون، ويتم تحديدها من خلال عوامل خارجة عن السيطرة الفردية إلى حد كبير.

النظرية البيولوجية

علم الجريمة هو دراسة الجريمة والعقاب، كما إنّه يحاول الإجابة على أسئلة مثل: “ما الذي يجعل الناس يرتكبون جرائم؟” فلا توجد إجابة بسيطة على هذا السؤال، تمامًا كما لا توجد طريقة سهلة لمعرفة سبب خروج شخص وآخر خجول، ولكن إحدى النظريات في علم الجريمة تؤكد على الاختلافات البيولوجية بين الناس وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على استعدادهم لارتكاب الجرائم.

تنص النظريات البيولوجية للجرائم على أنّ ارتكاب الأشخاص للجرائم يعتمد على طبيعتهم البيولوجية، ويمكن أن تشمل الخصائص البيولوجية التي ترتبط بها النظريات البيولوجية لادعاء الجريمة بالإجرام عوامل مثل الوراثة أو علم الأعصاب أو التكوين الفيزيائي، وعلى الرغم من أنّ العديد من النظريات البيولوجية الحديثة للجريمة تنظر في تأثير الظروف السياقية والبيئية (ما يسميه علماء الجريمة النظريات البيولوجية الاجتماعية)، فإنّ النظريات البيولوجية للجريمة تميز نفسها عن النظريات الاجتماعية في تركيزها على العوامل الداخلية، وتطورت النظريات البيولوجية للجريمة بالتوازي مع نظرياتها الاجتماعية.

تاريخ النظرية البيولوجية

أصبح علم الأحياء الشرعي علمًا في حد ذاته لأول مرة في إيطاليا في القرن التاسع عشر وكان الأب المؤسس لها سيزار لومبروسو (Cesare Lombroso)، بحيث طور لومبروسو مفهوم المجرم المولود تحت تأثير كل من علم فراسة الدماغ، وهي دراسة لم تعد موجودة الآن لسمات الجمجمة كدليل على القدرة العقلية وسمات الشخصية وكذلك نظرية داروين للتطور.

على الرغم من أنّ علماء الإجرام غالبًا ما يرسمون النظريات البيولوجية للجريمة في مقابل النظريات الاجتماعية، إلّا أنّ لومبروسو تأثر بعمل إحصائيي الجريمة الفرنسيين مثل أندريه ميشيل جيري (André-Michel Guerry) وأدولف كويتيليت (Adolphe Quetelet)، فقد سجل إحصائيو الجرائم عدد الجرائم وتوزيعها من خلال جمع البيانات الإحصائية وتحليلها، وإنشاء روابط بين العمر والجنس والأصل الاجتماعي والجريمة.

كما تشير هذه الإحصائيات إلى فرضية أنّ الجريمة كانت نتيجة عوامل بيئية واجتماعية إلى جانب عوامل بيولوجية، وسوف يميل طلابه بشكل أكبر إلى هذه الفرضية مما ينتج عنه نظريات بيولوجية اجتماعية متكاملة للجريمة.

طورت نظرية لومبروسو الإجرامية مجموعة كبيرة من الأتباع في العالم الناطق بالألمانية، وإحدى بقايا هذا ما يلي كانت ما يسمى بأطروحة الانحطاط التي روج لها عالم الجريمة إميل كريبلين (Emil Kraeplin)، ووفقًا لأطروحة الانحطاط انحرف المجرمون من الناحية المرضية والوراثية عن النوع الجيني العادي، ومع ذلك لا يمكن تحديد هذا النوع الجيني إلا من خلال الخصائص النفسية وليس الجسدية.

ستستخدم كل من جمهورية فايمار (Weimar Republic) والرايخ الثالث (Third Reich) أطروحات التفسخ والمنحطة كمبرر لما يسمى بمشروعات الصحة العرقية، وهكذا وصف الرايخ الثالث العديد من الأقليات العرقية بأنّها إجرامية وراثية ودونية، والناس الذين يمكن ويجب أن يُنكر عليهم كل حق.

استخلص ممثلون مثل فرانز إكسنر (Franz Exner) وإدموند ميزجر (Edmund Mezger) مبررات علمية من الدراسات المزدوجة التي أجراها يوهانس لانج (ohannes Lange)، وأبحاث الأنساب التي أجراها فريدريك ستومبفل (Friedrich Stumpfl)، ودراسات أخرى جادلت في أنّ الإجرام لا يمكن تفسيره إلّا من خلال الاستعداد الجيني البشري.

اشتراكيو الأمة (أي الحزب النازي) استمدوا أيضًا تأثيرهم من النظريات الفسيولوجية البحتة للجريمة مثل نظرية إرنست كريتشمير (Ernst Kretchmer) في السلوك، ووفقًا لكريتشمر يمكن أن تكون التشوهات الفسيولوجية المؤدية إلى الجريمة في الدماغ أو الجمجمة وكذلك في بنية الجسم.

بسبب عواقبها القاتلة في النظام النازي فقدت النظريات البيولوجية للجريمة أهميتها العلمية إلى حد كبير بعد الحرب العالمية الثانية، وتخلى معظم علماء الأحياء الإجرامية عن فكرة أنّ الانحراف لا يمكن تفسيره إلّا من خلال الانحرافات البيولوجية في الجاني، مفضلين بذلك الأساليب التي تجمع بين علم الأحياء وعلم الاجتماع، وتعتبر نظرية المسارين لتيري موفيت (Terrie Moffit) مثالاً على ذلك، ومن الجدير بالذكر بأنّ كل من النظريات التي تم تناولها عبر التاريخ لها نقاط قوتها وضعفها، ولديها ثغرات وقد تكون قابلة للتطبيق فقط على أنواع معينة من الجرائم دون غيرها ولا توجد نظرية صحيحة أو خاطئة.

نتائج النظريات البيولوجية

من الملاحظ أنّ بعض الأشخاص ينتهي بهم الأمر في نظام العدالة الجنائية بينما لا يفعل الآخرون ذلك، ومن الممكن أن يتساءل المرء ما الذي يجعلهم مختلفين عن بعضهم البعض، وهل من الممكن مثل صفة الطول.

وهنا تساءل سيزار لومبروسو عن نفس الشيء في إيطاليا في القرن التاسع عشر، وكان أحد الآباء المؤسسين للنظرية البيولوجية لعلم الإجرام، والتي تقول إن الأفراد الذين ينخرطون في الجرائم يختلفون بيولوجيًا عن أقرانهم، واليوم يتم استكشاف نظرية لومبروسو في مجالين رئيسيين وهما: علم الوراثة وعلم الأعصاب، وقد جلب رسم خرائط الحمض النووي البشري معلومات جديدة وأسئلة جديدة للعلماء، ومثلما يبحث العديد من العلماء عن الجين المحدد الذي يمكن أن يسبب أمراضًا معينة يبحث البعض عن الجين الوحيد الذي يمكن أن يتسبب في نشاط إجرامي.

من دراسات التوائم يبدو أنّ هناك نوعًا من التأثير الجيني، فعلى سبيل المثال أظهرت بعض الدراسات أنّ التوائم المتطابقة التي نشأت بشكل منفصل من المرجح أن تنخرط في نشاط إجرامي أكثر من الأخوة غير التوأم الذين نشأوا بشكل منفصل، ونظرًا لأنّ التوائم المتماثلة تشترك في نفس الحمض النووي، ولكن الأشقاء الآخرين يشاركون فقط جزءًا من الحمض النووي الخاص بهم، فإنّ هذا يشير إلى أنّه ربما يوجد جين يخالف القانون في مكان ما في جسم الإنسان ولكن حتى الآن لم يعثر عليه العلماء.

المجال الثاني الذي تستكشفه النظرية البيولوجية لعلم الإجرام هو علم الأعصاب أو دراسة الدماغ، فنظرًا لأنّ تقنيات تصوير الدماغ أصبحت أكثر تفصيلاً وأقل توغلاً يتحسن العلماء بشكل أفضل في رسم خرائط للدماغ البشري واكتشاف الاختلافات في أدمغة الناس، وحتى الآن أظهرت الدراسات أنّ هناك بعض الاختلافات الهيكلية والكيميائية في أدمغة الأفراد الذين يخالفون القانون عند مقارنتها بأدمغة الأفراد الذين يطيعون القانون.

على سبيل المثال أظهرت إحدى الدراسات أنّ الأشخاص الذين يرتكبون الجرائم لديهم نشاط أقل في جزء الدماغ المسؤول عن الإثارة والخوف، والنظرية هي أنّهم يشعرون بخوف أقل من العواقب، وبالتالي فإنّهم يتصرفون بطرق غير مسؤولة.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017. أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: