دراسة العالم المادي والطبيعي في الأنثروبولوجيا البيولوجية

اقرأ في هذا المقال


دراسة العالم المادي والطبيعي في الأنثروبولوجيا البيولوجية:

يتراوح الكون المادي والطبيعي من صغير جدًا (مثل الإلكترونات) إلى كبيرة جدًا (على سبيل المثال، الأرض نفسها والمجرات التي خلفها)، وغالبًا ما يصمم علماء الأنثروبولوجيا البيولوجية على البحث لمعالجة كيف ولماذا تؤثر القوى الطبيعية على جسم البشر وطبيعتة. حيث تركز الأنثروبولوجيا البيولوجية أسئلتها على البشر وكذلك أنواع الرئيسيات، الحية منها والمنقرضة، وتطرح أسئلة مثل: ماذا يؤثر على النظام الغذائي للرئيسيات؟ لماذا يمشي البشر على قدمين؟ وما الذي فعله إنسان نياندرتال والإنسان الحديث؟

كما أن هناك عدد قليل جدًا من الأسئلة التي تعتبر محظورة في العلوم، فإن نطاق البحث العلمي يركز بشكل عام على طبيعة الظواهر والعمليات الطبيعية ويستبعد ما هو خارق للطبيعة، والناس في كثير من الأحيان اعتبروا ما هو خارق للطبيعة، سواء كان شبحًا أو حظًا أو إلهًا، يعمل خارج قوانين الكون، مما يجعل من الصعب دراستها بطريقة علمية مقاربة، فالأنثروبولوجيا البيولوجية لا تدعم ولا تتعارض مع وجود قوى خارقة للطبيعة، فهي ببساطة لا تشمل الخارق في تفسيراتها.

التفسيرات العلمية قابلة للاختبار وقابلة للدحض في الأنثروبولوجيا البيولوجية:

هدف علماء الأنثروبولوجيا البيولوجية هو تحديد سؤال البحث ثم تحديد أفضل إجابة (إجابات) لهذا السؤال، (إلى عن على) على سبيل المثال، قد يكشف التنقيب في مقبرة ما قبل التاريخ أن العديد من الأشخاص المدفونين هناك لم يلتئموا الكسور عند وفاتهم، وقد يسأل عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية الرئيسي، لماذا عانى هؤلاء السكان من المزيد من كسور العظام من جيرانهم؟ وقد تكون هناك تفسيرات متعددة لمعالجة هذا السؤال، مثل نقص الكالسيوم في النظم الغذائية، والمشاركة في عمل خطير، أو الصراع العنيف مع الجيران.

وتعتبر هذه التفسيرات فرضيات، حيث أن الفرضية هي تخمين متعلم، لكن في الأنثروبولوجيا البيولوجية، الفرضيات كثيرة أكثر من ذلك، حيث تعكس الفرضية العلمية خبرات العلماء القائمة على المعرفة وأبحاث الخلفية، كما يتم تعريف الفرضية بشكل أفضل على أنها شرح للحقائق المرصودة، حيث تشرح كيف ولماذا الظواهر المرصودة هي على ما هي عليه.

الفرضيات العلمية تولد توقعات قابلة للاختبار في الأنثروبولوجيا البيولوجية:

كما يجب أن تولد الفرضيات العلمية توقعات قابلة للاختبار في الأنثروبولوجيا البيولوجية، على سبيل المثال، إذا كان أفضل تفسير بخصوص أن السكان في عصور ما قبل التاريخ كانوا يعانون من صراع عنيف مع جيرانهم، يجب أن نتوقع أن نجد أدلة، مثل الأسلحة أو الجدران الواقية حول منازلهم، في السجل الأنثروبولوجي لدعم ذلك.

وبدلاً من ذلك، إذا لم يواجه هؤلاء السكان نزاعًا عنيفًا مع جيرانهم، فقد نتمكن في النهاية من جمع ما يكفي من الأدلة لاستبعاد (دحض) هذا التفسير، ويعد الاختبار الصارم جزءًا مهمًا من الأنثروبولوجيا البيولوجية، ومع ذلك، فإن الفرضية القوية هي الفرضية التي لديها أدلة داعمة قوية ولم يتم دحضها بعد.

الأنثروبولوجيا البيولوجية تعتمد على الأدلة التجريبية:

تشير كلمة تجريبي إلى الخبرة التي يتم التحقق منها عن طريق الملاحظة (بدلاً من الدليل المشتق في المقام الأول من المنطق أو النظرية). ففي الأنثروبولوجيا البيولوجية، يتم جمع الكثير من الأدلة حول عالم البشر من خلال الملاحظة ومن خلال العمل الميداني أو في المختبر، وتستند الدراسات الأكثر موثوقية على الملاحظات المسجلة بدقة، وعلماء الأنثروبولوجيا البيولوجية يقدرون الدراسات التي تشرح بالضبط الطرق المستخدمة، لذا فإن عمليات جمع البيانات وتحليلها قابلة للتكرار، وهذا يسمح للعلماء الآخرين بتوسيع الدراسة أو تقديم رؤى جديدة في الملاحظات.

الأنثروبولوجيا البيولوجية تشرك المجتمع العلمي:

لا يتم تنفيذ العلوم الجيدة بمعزل عن غيرها في المختبر بل تتم كجزء من المجتمع. حيث ينتبه علماء الأنثروبولوجيا البيولوجية لما فعله الآخرون من قبلهم، لتقديم أفكار جديدة لبعضهم البعض ونشرها في المجلات العلمية. فمعظم البحث العلمي هو تعاوني، يجلب سويًا باحثين من أنواع مختلفة من المعرفة المتخصصة للعمل في مشروع مشترك، واليوم، بفضل التكنولوجيا والمشاريع العلمية يمكن أن تجمع الباحثين من خلفيات وتجارب ومواقع مختلفة وتوقعات ووجهات نظر متعددة.

حيث أن معظم الأسئلة الأنثروبولوجية الكبرى مثل: أين تطور الإنسان الحديث؟ وما التغييرات الجينية التي تحدث للبشر الفريدين؟ وكيف تطور السلوك التعاوني؟ كل هذه الأسئلة لا يمكن تناولها من خلال دراسة واحدة بسيطة، ولكن يتم اختبارها مع خطوط مختلفة من الأدلة ومن قبل علماء مختلفين بمرور الوقت.

كما أن العمل ضمن مجتمع علمي يدعم أحد أهم جوانب الأنثروبولوجيا البيولوجية وهي تصحيح التفسيرات، حيث يمكن اقتراح تفسيرات، ويمكن إعادة تقييم الدراسات المشكوك فيها، وفي النهاية، الاعتقاد هو أنه من خلالها أفضل التفسيرات ستصمد أمام اختبار الزمن.

الطريقة العلمية في الأنثروبولوجيا البيولوجية:

الطريقة العلمية تؤكد على العديد من المسارات العلمية لاكتشافها، مع الاستمرار في دمج المكونات الرئيسية لإبداء الملاحظات واختبار الأفكار وتفسير النتائج، حيث أن الأفكار العلمية لها العديد من نقاط البداية والتأثيرات المحتملة، وغالبًا ما يكرر علماء الأنثروبولوجيا البيولوجية الخطوات والدائرة مرة أخرى. حيث لا يعتمد جمع الأدلة دائمًا على التجارب في المختبر، وتقييم البيانات كذلك ليس دائمًا ما تكون واضحة، وتكون النتائج مفاجئة أو غير حاسمة في بعض الأحيان، حيث تم في الواقع إجراء العديد من الاكتشافات المهمة عن طريق الخطأ.

كما أن هناك العديد من الأسباب التي قد تجعل علماء الأنثروبولوجيا البيولوجية يختارون سؤالًا بحثيًا معينًا، حيث قد تكون دوافعهم شخصية أو صدمتهم بشيء قرأوا عنه، ففي كثير من الأحيان البحث العلمي يكشف عن أسئلة أكثر من الإجابات، لذلك نادرًا ما يفتقر الباحثون ذوو الخبرة إلى مشاكل لحلها، لكن تحديد سؤال البحث هو مجرد جزء من العملية العلمية، حيث يقضي معظم العلماء وقتًا أطول في استكشاف الأدب ومشاركة الأفكار وطرح الأسئلة والتخطيط البحثي بدلاً من إجراء الاختبار نفسه.

الفرضيات والنظريات والقوانين في الأنثروبولوجيا البيولوجية:

يحدث البحث العلمي في الأنثروبولوجيا البيولوجية على مستويات عديدة، من خلال التحقيق في الحالات الفردية (على سبيل المثال، ما الذي يسبب هذا مرض الغامض؟ وأيضاً لفهم العمليات التي تؤثر على معظم البشر، مثل، ما هو مقدار النوم المثالي للكبار؟ كل هذه الأسئلة مهمة وستولد أنواعًا مختلفة من التفسيرات العلمية القابلة للاختبار، وقد تم استخدم مصطلح “فرضية” لوصف هذه التفسيرات العلمية، والفرضيات هي عادةً تفسيرات تتناول مجموعة ضيقة من الظواهر، مثل، مجموعة معينة أو أنواع رئيسية.

وفي الأنثروبولوجيا البيولوجية، النظرية هي شرح للملاحظات التي تتناول مجموعة واسعة من الظواهر. عكس الفرضيات، حيث تشرح النظريات كيف ولماذا يحدث شيء ما، وتعتمد على الأدلة التجريبية، وهي قابلة للاختبار وقابلة للدحض، ونظرًا لاستخدام مصطلح النظرية غالبًا بشكل عرضي خارج نطاق العلم، فقد يتم سماع أشخاصًا يحاولون رفض بحث علمي والادعاء بأنه “مجرد نظرية”. ففي الأنثروبولوجيا البيولوجية غالبًا ما توجد نظريات متنافسة متعددة، ولكن بمرور الوقت يتم التخلص من بعضها، وترك النظرية أو النظريات التي تشرح أفضل وأكثر الأدلة.

حيث أن النظريات العلمية التي صمدت أمام اختبار الزمن مدعومة من قبل العديد من الأدلة وعادة ما تكون موثوقة، وتُقبل معظم النظريات التي تم اختبارها جيدًا وتشمل نظرية النسبية العامة التي تشرح قانون الجاذبية وعلاقتها بالقوى الأخرى، والنظرية التطورية، التي تصف كيف يمكن للصفات القابلة للتوريث أن تتغير في مجتمع ما بمرور الوقت.

المصدر: محمد الجوهري، مقدمة في دراسة الأنثروبولوجيا، 2007محمد الجوهري، الأنثروبولوجيا الاجتماعية، 2004ابراهيم رزقانة، الأنثروبولوجيا، 1964كاظم سعد الدين، الأنثروبولوجيا المفهوم والتاريخ، 2010


شارك المقالة: