ذكر فتوحات قتيبة بن مسلم في بلاد ما وراء النهر

اقرأ في هذا المقال


فتوحات قتيبة بن مسلم في بلاد ما وراء النهر:

حقق قتيبة بن مسلم خلال حكمه لبلاد ما وراء النهر لمدة عشر سنوات تقريباً الكثير من الإنتصارات، وكانت هذه المنطقة واقعة في شرق نهري جيجون وإلى الجنوب الشرقي من خوارزم، وأيضاً من ناحية الغرب والجنوب لنهر سيحون وفرغانه.
عاد قتيبة إلى مرو وعقد لواء الحرب لأخيه صالح بن مسلم؛ حتى يقوم بمقاتلة أخشيكت عاصمة فرغانه، ثم قام بعبور نهر سيحون وقام بمهاجمة مدينة قاشان وعاد سالماً منها، وبذلك تكون سنة 86هـ انتهت بهذه الإنتصارات، وفي عام 87هـ أكمل قتيبة فتوحاته واستقر أمره في أخرون وشومان ومنطقة جنوب ما وراء النهر، حيث قام بمراسلة ملك باذغيس ويسمَّى نيزك بجنوب مرو، وبدأ يهدده بالقتال إذ لم يطلق سراح أسرى المسلمين، وأطلق سراحهم وعقدا صلحاً.
وتعتبر مقاطعة الصغد من أهم مقاطعات المنطقة إذ يوجد نهر الصغد، وسمرقند وبخارى وكش ونسف وبينكر تعتبر من أهم المدن هناك، وتعتبر سمرقند من أجمل بقاع الأرض؛ بسبب جمال بساتينها وأراضيها الخضراء.
وعندما وصل جيش قتيبة إلى مرو كان المفضل بن المهلب قد حضَّر جيشاً حينها ليقاتل أخرون وشومان، فقام قتيبة باستكمال هذه المهمة بدلاً منه، فتقدم إلى الطالقان وخضع له قادة بلخ وصالحوه، وسار معه القادة إلى صغنيان، ورحب به الملك ترحيباً كبيراً وأهداه مفاتيح المدينة والكثير من الهدايا، وقام قتيبة بمصالحة ملوك أخرون وشومان مقابل دفعهم للفدية.
قرر قتيبة بن مسلم بأن يغزو بيكند الواجعة جنوب بُخارى، فسار إلى آمُل ثم إلى زم وبعدها عبر نهر جيحون من هناك وحاصر بيكند، ولكن أهلها طلبوا المساعدة من أهل الصغد، فسمعوا ندائهم وحاصروا قتيبة حصاراً قوياً، ولم يستطع قتيبة أن يرسل أي رسالة إلى مرو والعراق لأكثر من شهرين، ودارت معارك طاحنة بين الطرفين وكان النصر حليفاً للمسلمين.
وعندما أراد قتيبة أن يقوم بهدم سور المدينة حتى يقتحمها، طلب منه قاتدها أن يتم الصُلح فيما بينهم، وتمت موافقة قتيبة على أن يجعل عليهم أحداً من قومه بني باهلة، ولكن عندما غادر من المدينة نقض سكانها العهد، وقتلوا عامل قتيبة عليهم، وعاد بعدها قتيبة إليهم فحاربهم وفتح المدينة وقتل مقاتليهم وحصد كثيراً من الغنائم.
وفي عام 88هـ قام قتيبة بغزو مدينة بغزو مدن نومُشَكَث وراميثنة وقاموا بمصالحته شريطة أن يدفعوا الجزية، ولكن عندما كان قتيبة عائداً إلى مرو قام بمهاجمته الترك والصغديين والفرغانيين ومعهم جمع كبير يقدَّر بمائتي ألف جندي، ودارت معركة كبيرة وكان النصر حليفاً لقتيبة وجيشه، وكان نيزك ملك باذغيس يقاتل بجانب المسلمين في هذه المعارك، وثم عاد الجيش إلى مرو عن طريق ترمذ ثم بلخ.
وفي عام 89هـ أعطى الحجاج بن يوسف الثقفي الأمر لقتيبة بن مسلم بأن يغزو بُخارى وهي من أعظم مدن بلاد ما وراء النهر ، ونفذ قتيبة الأوامر وعبر نهر جيحون عند زَم وقام بمحاربته أهل الصغد وسكان كِش ونَسف وكان النصر حليفاً له، ولكنه لم يتكمن من فتح مدينة بُخارى نفسها، فعاد إلى الحجاج وأخبره بذلك، وقام بلومه وطلب منه أن يرسم خارطة لبُخارى ففعل.
أعدَّ الحجاج خطة لفتح بخارى وأخبر بها قتيبة، وفي عام 90هـ قام قتيبة بمهاجمة مدينة بُخارى، وطلب ملكها العون من الصغد والترك الذين ساعدوه، ولكن قتيبة انتصر عليهم وقام بفتح المدينة، وبعد نصره العظيم قام ملك الصغد طرخون من قتيبة أن يتم الصلح بينهم، فوافق قتيبة على طلبه وكان نيزك مشاركاً في تلك المعارك.

إنقلاب نيزك ملك باذغيس على قتيبة بن مسلم:

بعد أن عاد قتيبة بن مسلم من فتح بُخارى وكان معه نيزك إلى خراسان، ذهب كل منهم إلى مدينته وأعلن نيزك الثورة على قتيبة؛ لأنه خاف من أن يمتد حكم قتيبة إلى جميع البلاد بشكل مباشر وليس عن طريق الحكام المحليين، وكان يظن أن قتيبة سيقبل الصلح إذا لم تتم هذه الثورة؛ لأنه كان يقبل الصلح دائماً.
إستطاع نيزك بأن يقنع ملوك الطالقان والفارياب والجوزجان وبلخ ليثوروا على قتيبة ويعلنوا العصيان، واتفقوا بأن يقوموا بغزوة في فصل الربيع، فقام نيزك بخلع ملك طُخارستان ويدعى جبغويه الذي كان موالياً لقتيبة، وقام نيزك بنصب نفسه مكان جبغويه وطرد محمد بن سليم الناصح الذي كان عاملاً لقتيبة في المنطقة، وتحصن في شُعب خُلم وهو مكان ضيق يصعب دخوله، فذهب قتيبة للطالقان وفتحها وقتل الكثير من أهلها.
وكانت سنة 91هـ مليئةً بالحروب التي قام بها قتيبة بن مسلم؛ لأن الثورة التي قام بها نيزك لم تقتصر فقط على مناطق طُخارستان بل أنها امتدت لبلاد ما وراء النهر، فقام قتيبة بجمع عدد كبير من الجنود من مدن خراسان، وذهب بهم إلى المدن التي قامت بإعلان التمرد والعصيان، فقام أغلبها بالإستسلام بدون أن يتم أي قتال فيها، وولّى عليها حُكاماً عرب.
استطاع قتيبة بن مسلم أن يعبر شُعب خُلم حتى يصل إلى القلعة التي يتحصَّن بها نيزك، وذلك رغم أنها كانت مرتفعة ومحصنة بشكل عظيم، وتم إطلاق لقب قلعة الشمس؛ عليها بسبب إرتفاعها الشاهق، ولم يتقدم الجيش إلا بعد أن أخبر أحد الحكام المحليين عن وجود طريق سري للقلعة، فقام نيزك بالهروب إلى الشمال، وعبر نهر فرغانة وقام قتيبة باتباعه حتى وصل لمكان يُدعى الكرز.
حاصر قتيبة نيزك في الكرز لمدة تقارب الشهرين، وقد عانى من الجوع والمرض واستسلم حينها بعد أن منحه قتيبة الأمان، ولكن قتيبة قام بقتل نيزك وصلبه بعد أن طلب الأمر من الحجاج بن يوسف رغم الأمان الذي أعطاه له.

قيام قتيبة بن مسلم بإخماد الثورات:

قام قتيبة بن مسلم بمهاجمة مدن شومان وكش ونسف؛ لأن ملوكها قاموا بإعلان التمرد ضده، وطردوا العمال العرب الذين قام قتيبة بتعيينهم، ففتح المدن جميعها، وقبل أن يعود لمرو قام بإرسال أخيه عبد الرحمن بن مسلم إلى طرخون ملك الصغد؛ حتى يقوم بقبض الفدية منه والتي تم الإتفاق عليها عند الصلح، فقبضها والتحق بأخيه إلى مرو.
أما أهل الصغد قاموا بالثورة ضد طرخون ملك الصغد، واتهموه أنه صنيعة العرب لقيامه بدفع الجزية، وقاموا بطرده ووضعوا غورك بدلاً منه، فقرر طرخون حينها الإنتحار.
وفي سنة 92هـ قام قتيبة بغزو منطقة سجستان التي تقع جنوب خراسان؛ حتى يخضع رتبيل الذي قام بإعلان عصيانه، فقام رتبيل بطلب الصلح وقبل قتيبة بمصالحته ووضع عليهم عبد ربه بن عبد الله بن عُمير الليثي وعاد إلى قتيبة إلى مرو.
وفي سنة 93هـ شهدت أعظم الفتوحات التي قام بها قتيبة على الإطلاق، إذ قام بفتح بفتح منطقة خوارزم التي تقع شمال خراسان، وتحد بحر أورال ومدينة سمرقند، والتي تعتبر أعظم مدن الصغد وما وراء النهر، وكان السبب في فتح قتيبة لخوازم أن ملكها شاه كتب لقتيبة بأن يأتي إليه حتى يسلمه بلاده، وذلك نكاية بأخيه الصغير الذي عاث في الأرض الفساد، وأرسل له مفاتيح ثلاث مدن في خوازم ليعلن صدق نواياه.
وقام قتيبة بالذهاب إلى خوازم وفتحها، وقام بتسليم شاه أخيه الأصغر وذلك حسب اتفاقهما، وقام الملك بقتل أخيه وأهدى جميع ممتلكاته لقتيبة، ثم توجه إلى سمرقند لفتحها ولم يكن أهل الصغد يتوقعون أن سيقوم بالمزيد من الفتوحات، ودارت معركة طاحنة بين جيش قتيبة وأهل سمرقند وانتهت بفوز عظيم لقتيبة، وحصد الكثير من الغنائم من المدينة.
وفي عام 94هـ أعطى قتيبة بن مسلم اهتمامه لفتح مناطق جديدة لم يقم بغزوها من قبل؛ وذلك بهدف الفتح وتلك المناطق فرغانة وطشقند، واستعد لهذه الحملة وجهز حوالي عشرين ألف جندي من خوارزم والصغد، وقام بتوجيههم إلى طشقند، فعبروا نهر سيحون، أما قتيبة فتوجه إلى خُجُندة التي تقع على الضفة الجنوبية من نهر سيحون وفتحها بعد أن قاتل قتالاً عظيماً.
ولكن هذه الحملة لقتيبة بن مسلم لم تحقق كل الأهداف التي سعى إليها، أي أنه لم يستطع فتح طشقند، أما في عام 95هـ أمدَّ الحجاج قتيبة بالجنود والسلاح؛ حتى يقوم بفتح طشقند وغيرها من المدن، وعندما كان قتيبة محاصراً لطشقند وصله خبر وفاة الحجاج بن يوسف الثقفي قائده الأعلى، فأعطى الأمر برفع الحصار عنها، وفي نفس السنة وصل له كتاب من الخليفة الوليد بن عبد الملك، ليؤكد له بقائه على منصبه، ومدح الجهود الحربية التي قام بها.

المصدر: كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار، علي محمد صلابيكتاب الدولة الأموية والأحداث التي سبقتها ومهدت لها ابتداء من فتنة عثمان، يوسف العشكتاب الحجاج بن يوسف الثقفي طاغية بني أمية، منصور عبد الحكيمكتاب تاريخ الدولة الأموية، محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: