ظاهرة الاهتمام بالأبراج وقراءة الطالع

اقرأ في هذا المقال


يرى بعض علماء الاجتماع أن ظاهرة الأبراج وقراءة الطالع ظاهرة اجتماعية عالمية وليست بجديدة، حيث كانت موجودة في المجتمعات القديمة، وتتمحور هذه الظاهرة حول الاعتقاد بأنه يمكن معرفة المستقبل وما يخبئه عن طريق ربطه بالأبراج وغيرها من الأمور الأخرى.

ظاهرة الأبراج وقراءة الطالع

واحدة من الدراسات التي أجراها باحثون اجتماعيون أظهرت أن أكثر من 90٪ من الناس يعرفون علامات نجمهم، و50٪ منهم معتادون على قراءة الأبراج ويعتقدون أيضاً أن النصح الموجود في الوصف صحيح، لذلك يعتقد علماء الاجتماع أن هناك تأثير لظاهرة الأبراج وقراءة الطالع، فهذه الظاهرة الاجتماعية لها تأثير على النفسية والشخصية الاجتماعية.

وقد قام عدد من الباحثين في تفسر سبب إيمان الأفراد بأوصاف الشخصية المعممة كما لو كانت أوصافًا دقيقة لشخصيتهم الفريدة، ببساطة يشيرون إلى تأثير ظاهرة الأبراج وقراءة الطالع إلى ميل البشر إلى الاعتقاد بأن المعلومات المقدمة عن شخصياتهم تخصهم بغض النظر عن قابلية تلك المعلومات للتعميم، وهذا التأثير يعتبر بالغ الأهمية في شرح الآليات الكامنة وراء قابلية البشر السلوكية لقبول المعتقدات والممارسات الخارقة مثل الأبراج وقراءة الطالع واختبارات الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

كما ذكر علماء الاجتماع أن أكثر من 50٪ من البشر يؤمنون بأوصاف أبراجهم الصحفية، وسواء كانوا يؤمنون بالأبراج أو باختبارات الشخصية فهم متأكدون من أن الجميع يميل إلى الوقوع في هذا التأثير في مرحلة ما من حياتهم.

الماضي العلمي لتأثير ظاهرة الأبراج وقراءة الطالع

من الأمور التي يجب معرفتها أن ظاهرة الأبراج وقراءة الطالع كانت موجودة منذ 2000 عام على الأقل، ومنذ ذلك الوقت يحب البشر قراءة ملاحظات الأبراج وقراءة الطالع وإجراء تفسيرات عنها، وربما من بين الأسباب الرئيسية وراء قبول البشر لهذه الظاهرة الزائفة هو تأثيرها على النفس البشرية، وبتالي يمكن استنتاج أن الأشخاص الذين يكتبون ملاحظات وأوصاف الأبراج والطالع هم من يفهمون جيداً بعلم النفس البشري ويقومون بتطبيق مبادئه في تفسيراتهم.

كما أنهم يعرفون الكثير عن موضوعات النفس البشرية أكثر مما يعرفه البشر أنفسهم، ولاكن هذه الموضوعات تكون عامه وغير مفصلة، لذلك يتم تسمية معلوماتهم بالزائفة؛ لأنهم يبنيون معلوماتهم بطريقة التخمين دون اكتساب أي معرفة مسبقة حول موضوعهم.

على سبيل المثال يقومون بكتابة بعض الجمل مثل: لديك قدر كبير من الطاقة عند التعامل مع المشاكل التي تواجهها في حياتك، ومع ذلك فأنت لا تعلم بعد بقدرتك، أنصحك بإعطاء بعض الوقت لاكتشاف هذا الجانب من نفسك وسترى ما أعنيه وغيرها الكثير.

كما أنهم جيدون جدًا بلغة الجسد والإيماءات الخاصة بالبشر، حيث إنهم يعرفون كيفية جمع قدر كبير من المعلومات حول حياة المرء وخبراته بطريقة مخادعة، وبعد ذلك يقومون ببناء تخميناتهم بأمان ويستخدمون التخصيص بحيث يأخذهم الأشخاص على محمل الجد ويختارون التنبؤات التي يمكن أن تحدث بالفعل في المستقبل، وهذه هي الطريقة التي تعمل بها ظاهرة الأبراج وقراءة الطالع.

اكتشف علماء الاجتماع بمساعدة علماء النفس أن تأثير ظاهرة الأبراج وقراءة الطالع تعتبر تحيزًا معرفيًا، ففي عام 1948 عندما أجرى علماء الاجتماع تجربة حول مغالطة التحقق من صحة الشخصية، قاموا بإخضاع عدد من الأشخاص لاختبار شخصية وأخبروا كل واحد منهم على حِدا بملاحظات معممة للغاية دون إخبارهم إنه تم إعطاء الجميع نفس الملاحظات.

ومن هذه الملاحظات ما يلي:

1- أنت تميل إلى انتقاد نفسك.

2- الأمن هو أحد أهدافك الرئيسية في الحياة.

3- في بعض الأحيان تكون لديك شكوك جدية حول ما إذا كنت قد اتخذت القرار الصحيح.

4- لديك قدر كبير من السعة غير المستخدمة لم تستغلها لصالحك بعد.

5- سيحدث شيء كنت تنتظره قريبًا وستشعر بمزيد من الثقة.

6- هناك الكثير من الأشخاص من حولك ينتظرون منك أن تفتح عينيك وتجدهم.

7- أنت تحلل نفسك بشكل نقدي في واجباتك.

8- غالبًا ما تكون جيدًا جدًا في تعويض نقاط ضعفك.

9- العدل قيمة أساسية بالنسبة لك.

وبمجرد أن يتلقى الأشخاص ملاحظاتهم قاموا بتقييم دقة ملفاتهم الشخصية على مقياس من 0 (ضعيف) إلى 5 (مثالي)، وأظهرت النتائج الإجمالية أن متوسط معدل الدقة كان 4.3 من 5، وهكذا أخذ جميع الأشخاص تقريبًا ملاحظات علماء الاجتماع على أنها وصف دقيق لشخصيتهم الفريدة، واستنتج الباحثون أن النتائج يمكن أن تُعزى إلى ميل البشر إلى أن يكونوا ساذجين.

مبادئ العمل بظاهرة الأبراج وقراءة الطالع

نتيجة للتجارب التي أجراها الباحثون حول تأثير ظاهرة الأبراج وقراءة الطالع وكيف أن هذا التأثير يستفيد من سذاجة البشر التي ربما تكون مؤثرة عند اتخاذ قرارات تغير الحياة، وجدوا أن من المهم معرفة كيفية عمل هذه الظاهرة من حيث المبدأ.

مبدأ تفضيل الاحتمال

في البداية وجد علماء الاجتماع أن شخصية البشر كمتواضعين ويميلون إلى الإيمان ببيانات إيجابية عن أنفسهم يجعلهم ذلك ياخذون أوصاف الأبراج والطالع بشكل خاص كتنبؤات دقيقة خصوصاً إذا كانت هذه الأوصاف والعبارات تتضمن مرجعًا لحدث مستقبلي مرغوب فيه، وهذا ببساطة لأن الأوصاف الإيجابية التي ينسبها البشر لأنفسم تغذي غرورهم، لأنهم يحبون الصفات الإيجابية التي تجعلهم يشعرون بالإطراء، وبالتالي فهم يقبلوها تلقائيًا كحقائق.

ويعتقد علماء الاجتماع أن هذه هي الطريقة التي يعمل بها تفكير البشر عند التعامل مع ظاهرة الأبراج وقراءة الطالع، فجميع البشر يفضلون أكثر الأشخاص المحبوبين، وذلك بتفضيل السمات المرغوبة اجتماعياً، فمن خلال تصوير البشر أنفسهم على أنهم يمتلكون هذه الخصائص الإيجابية يهدفون إلى الاندماج بشكل أفضل في المجتمع وأن يصبحوا جزءاً من مجموعة اجتماعية، وهذه من وجهة نظر علماء الاجتماع غريزة فطرية ساعدتهم على التكيف مع ظروف الحياة المتغيرة باستمرار منذ بداية تاريخ البشرية.

مبدأ تفضيل النسبية

ثانيًا، يعتقد علماء الاجتماع أن البشر عرضة بشكل طبيعي لأخذ المعلومات التي يمكن ربطها بأنفسهم وربطها بأحداث حياتهم اليومية، بمعنى آخر البشر يؤمنون بالمعلومات التي تتطابق مع توقعاتهم بينما يتجاهلون المعلومات التي لا تتطابق مع تلك التوقعات، وبهذه الطريقة يأخذون الأوصاف المكتوبة في الأبراج والطالع عمومًا على أنها فريدة وينسبون الأجزاء المناسبة إلى تجاربهم في الحياة، ونظرًا لأنهم يتجاهلون نوعًا ما الجزء غير المناسب لتوقعاتهم فإنهم ينسونها ويركزون على الأجزاء ذات الصلة أكثر.

مبدأ التحيز الإيجابي

كما يعتقد علماء الاجتماع أن هذه الظاهرة تقوم على مبدأ التحيز الإيجابي، ببساطة يشيرون إلى أن التحيز هنا هو ميل جميع البشر لتذكر الأحداث الممتعة بشكل أكثر دقة من الأحداث السلبية، ويعتبر ذلك منطقياً حيث لا يوجد أي أحد يود تذكر الأحداث التي تجعلهم يشعرون بالسلبية أو الألم، فالبشر يميلون دائماً إلى تذكر الأحداث السعيدة، ويعتبر مبدأ التحيز من أحد مبادئ العمل بظاهرة الأبراج وقراءة الطالع.

المصدر: علم المشكلات الاجتماعية، الدكتور معن خليل، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الاردن، 1998المشكلات الاجتماعية المعاصرة، مداخل نظرية، أساليب المواجهة، الدكتور عصام توفيق قمر،2000علم الاجتماع والمشكلات الاجتماعية، عدلي السمري ومحمد الجوهري، دار المعرفة الجامعية، القاهرة،1998الظاهرة الاجتماعية عند إميل دوركايم، طالب عبد الكريم،2012


شارك المقالة: