علاقة خمارويه وأحمد بن طولون بالخلافة العباسية

اقرأ في هذا المقال


علاقة أحمد بن طولون بالخلافة العباسية:

لعل المُشكلة الكبيرة التي واجهها أحمد بن طولون، وكادت تقضي على منجزاته وآماله، علاقته بالأمير الموفق أبي أحمد، والد الخليفة أحمد المعتضد الذي سيطر على الشؤون العامة في دار الخلافة، وقاد حركة إصلاحية بهدف النهوض بالسلطة المركزية وتقوية قبضتها على ولاياتها، ومن بينها مصر.

لذلك سعى جاداً للإنهاء على الحكم الطولوني الذي انفصل عن الإدارة المركزية، واستقرت بسلطة مصر، وبدأت تنظر باتجاه بلاد الشام، وظهر التنافر واضحاً بين الطرفين، وقد تصرف الموفق على محورين لتحقيق غايته.

محاور الموفق لإنهاء الحكم الطولوني:

الأول: أنه حاول عزل ابن طولون عن ولاية مصر بواسطة أماجور حاكم بلاد الشام الذي خشي هو الآخر، من مطامع ابن طولون ورغبته في التوسع على حسابه، وعلى الرغم من أن الخليفة المُعتمد كان يتعاطف مع ابن طولون، وتربطه به صداقات ومصالح مُشتركة؛ إلا أنه أُرغم على الموافقة على استدعائه إلى بغداد، وإبعاده عن مصر، ووضعه تحت رقابة السلطة مباشرة، وأعاد ابن المدبر على خراج مصر.

ويبدو أن أماجور فشل في الصمود أمام الطولونيين، فعاد أدراجه إلى بلاد الشام، وكذلك فشل موسى بن بغا الكبير، الذي كلّفه الموفق بإخضاع هؤلاء، بعد فشل أماجور. ويبدو أن الخليفة لم يتجاوب أكثر من ذلك مع الموفق، خاصة وأنَّ الأحداث السياسية والعسكرية أثبتت فشل القادة الذين حلّوا محل ابن طولون في السيطرة على الأوضاع، مما دفعه إلى إعادة ابن طولون إلى حُكّم مصر في عام (262 هجري)/(876 ميلادي).

الثاني: حاول الموفق إبعاد ابن طولون عن منطقة الثغور الشامية، فاتهم الطولونيين بالتقصير في حماية المنطقة من هجمات الأعداء، واستقر الأمر على تعيين ولاة من خارج البيت الطولوني. لكن الأمر لم يستتب بسبب تسلُّط الأتراك وعجزهم عن تهدئة الوضع. وقد شعر سكان المنطقة الثغرية بهذا الفراغ العسكري والاضطراب السياسي، مما دفع سكان لؤلؤة إلى تسليم القلعة إلى البيزنطيين. فاستاء الخليفة من ذلك، ورأى من الأفضل إعادة تسليم المنطقة لابن طولون.

وهكذا أخفقت مساعي الموفق في القضاء على الطولونيين، وأضحى ابن طولون من أهم العاملين في رسم السياسة في بلاد الشام، وحصل من الخليفة، بفضل علاقته الحسنة به وفي غمرة الصراع مع الموفق، على تقليد له لبلاد الشام بالإضافة إلى ثغورها.

أحداث الصراع بين طولون والموفق:

واعتباراً من عام (264 هجري)/(877 ميلادي)، بدأ ابن طولون رحلته إلى المنطقة لاستلامها. فسيطر على فلسطين ودمشق، وحمص، وحماة، وحلب، وأنطاكية. والمصيصة، وأذنة وطرسوس، والرقة التي جعلها مقراً لحُكمه ليكون قريباً من بغداد، حتى أضحت مناطق نفوذه تجاور تماماً حدود العراق.

لكن الموفق لم يركن إلى الهدوء وظل يُعاند ابن طولون ويضايقه، مُتبعاً هذه المرة أسلوباً جديداً في التعامل، يرتكز على إثارة الفتن داخل الأجهزة الطولونية، وقد قطع شوطاً بعيداً في هذا المجال مما أقلق ابن طولون. فقد تمرد عليه ابنه العباس في عام (265 هجري)/(878 ميلادي)، كما خرج عليه في عام(268 هجري)/(881 ميلادي)، غلامه لؤلؤ، الحاكم على حمص وحلب وقنسرين وديار مضر والثغور الشامية.

في غمرة هذه الصراعات، اعتمد ابن طولون على الأسلوب السياسي في محاولة للتصدي لمؤامرات الموفق، فاستغل الجفاء بينه وبين الخليفة المُعتمد ودعا هذا الأخير في عام (269 هجري)/(882 ميلادي)، للتوجه إلى مصر والأقامة فيها للتخلص من سيطرة أخيه. ووعده بحمايته ونصرته، وأقدم في الوقت نفسه على إسقاط اسم الموفق من الخطبة كولي للعهد، ومحا اسمه من الطراز أيضاً، باعتباره خرج على السلطات المخولة له وتعدَّى صلاحياته.

استجاب الخليفة لإغراءات ابن طولون، وحاول الخروج إلى مصر، لكن الموفق كشف المؤامرة وأعاد الخليفة إلى سامراء، وأقدم ابن طولون في الوقت نفسه، على عمل عسكري، مُنتهزاً فرصة انهماك الموفق بحرب الزّنج، فأعاد تثبيت سيطرته على بلاد الشام ومنطقة الثغور ثم تقدم نحو الحجاز، واصطدم بقوات الموفق في مكة.

رد الموفق على موقف خصمه، فمنع الدعاء له، ولعنه على المنابر، واعتبره من المفسدين، وعزله عن مصر والشام، وولَّى إسحاق بن كنداج على أعماله. وهكذا أعطى ابن طولون لنفسه سلطات واسعة تُمثل واقع الفترة.‏ وتُعّبر عن مدى التسلط التركي بما يتلاءم مع قوتهم العسكرية، وقد أَدََى دخول الطرفان في دوامة النزاع إلى إضعاف كل من العراق ومصر، فظهر عجزهِما عن مواجهة المستجدات الأخرى على الساحتين الداخلية والخارجية.

وفعلاً، تراجعت قوة ابن طولون، فانهزمت قوته في مكة ولعن في المسجد الحرام، كما تراجع في منطقة الثغور تحت ضغط حركات التمرد، ومن جهته، فقد وجد الموفق نفسه عاجزاً عن مواصلة النزاع،‏ بفعل إنهاك قواته، مُدركاً في الوقت نفسه أنه لم يكن مُوجّهاً لصالح القوة الإسلامية، إنما لمصلحة الاتجاهين المتنازعين، لذلك مال الطرفان إلى التفاهم. وبدأت المفاوضات بينهما بهدف إحلال السلام. لكن المنية عاجلت ابن طولون في أوائل شهر ذي القعدة قبل أن تنتهي، وذلك في عام (270‏ هجري)/(840 ميلادي).

علاقة خمارويه بالخلافة العباسية:

بايع الجند، بعد وفاة أحمد بن طولون. ابنه خمارويه. وقد حمل إرث والده في مُهمة الدفاع عن الدولة التي أسسها والده في مصر والاحتفاظ ببلاد الشام خاصة، مع استمرار عداء الخلافة للطولونيين، وطمع الأمراء الأتراك المتنافسين، في حكم مصر والشام. كان أول عمل قام به خمارويه هو تنظيم أمور بلاد الشام بسبب أهميتها في دعم سلطته في مصر. فأسند قيادة أهم مُدنها ومناطقها لأفضل قادته كما ترك مُعظم جيشه في منطقة حلب، وأرسل قوة عسكرية رابطت في شيزر.

وكاتب فى الوقت نفسه، الخلافة العباسية لكي تقرّه على ما يملكه من المناطق، بالمقابل الدعاء والطاعة، إلا أن الموفق لم يتقبل الطلب مما كان سبباً لاستمرار الحرب والصدام بين الجانبين. ونجح الموفق في تأليب القوى وتجميعها في حلف ضمَّ خصوم الطولونيين وبعض قادتهم الذين انقلبوا عليهم، ثم دعم هذا الحلف بجيش عباسي بقيادة ابنه أبي العباس.‏ ودفع الجميع باتجاه بلاد الشام.

حققت قوى التحالف انتصارات سريعة أمام تراجع الطولونيين في الرقة والعواصم. ودخلت انطاكية وحلب، وملكت دمشق. واجتاحت فلسطين ووصلت إلى الحدود المصرية حيثُ أشرفت على مصر. انضمام القوة التي أرسلها للتصدي لهذه القوات بقيادة الواسطي إليها. والتقى بأبي العباس على نهر أبي فطرس في جنوبي فلسطين في مكان يعرف بالطواحين وذلك في عام (271 هجري)/(884 ميلادي).

هُزم فيها خمارويه وفرَّ إلى مصر، إلا أن ثبات قائده سعد الأيسر أعطاه فرصة أخرى للنصر، حيث كرَّ على قوات التحالف وتغلب عليها وفرَّ أبو العباس وقُتِل قادته، واستقر الأمر مُجدداً للطولونيين في بلاد الشام. وواصل خمارويه توسعه في الجزيرة والموصل حتى أعاد حدود الدولة إلى ما كانت عليه في أيام والده، من برقة إلى الفرات، ومن آسيا الصغرى حتى بلاد النوبة، وشملت سلطته منطقة أرمينيا، وأضحت الدولة الطولونية قوة تملا مكانها بجدارة.

ورغم هذه الانتصارات التي حققها خمارويه، فقد مال إلى السلام وبادر إلى طلب الصلح،
مُفتتحاً بذلك مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات بين الطولونيين والخلافة العباسية. ومن جهته، شعر الموفق بضرورة إحلال السلام والوفاق بين الطرفين. ومنح الخليفة خمارويه حُكّم مصر وبلاد الشام الورائي له ولأولاده من بعده مدة ثلاثين عاماً، على أن يتوقف عن لعن الموفق على المنابر، وأن يدعوا له مع الخليفة.

وساعدت الظروف خمارويه فى تمتين علاقاته بدار الخلافة بعد وفاة الموفق في عام (278 هجري)/(891 ميلادي)، والخليفة المعتمد في عام (279 هجري)/(892 ميلادي)، واعتلاء
المُعتضد سدة الخلافة. وتدعمت هذه العلاقات بالمصاهرة، حيثُ تزوج الخليفة ابنة خمارويه قطر الندى. فكسب البيت الطولوني بذلك نفوذاً كما كسبت الخلافة حليفاً قوياً يقف إلى جانبها ويُشدُّ إزرُها مادياً وعسكرياً.

المصدر: ❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش ص (197 – 201)❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر


شارك المقالة: