ما هي النظريات الاجتماعية المساندة في الشيخوخة

اقرأ في هذا المقال


لعل ظاهرة التقدم في السن من الظواهر المألوفة في حياتنا اليومية، فنحن نلاحظ هذه الظاهرة مماثلة أمامنا فيمن نعرفهم من أقرباء وأصدقاء، ومن لا نعرفهم من أفراد المجتمع الذين نعيش معهم، ونتفاعل معهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، هناك معرفة متراكمة عن ظاهرة التقدم في السن في عقولنا من خلال تجاربنا الشخصية وعيشتنا الواقعية، وهناك معرفة غزيرة عن كبار السن، وعن التقدم في العمر معرفة عبر العصور والثقافات والمجتمعات.

ما هي النظريات الاجتماعية المساندة في الشيخوخة

كانت ظاهرة الشيخوخة ولا تزال شغل الإنسان الشاغل، أشغله من ناحية البحث عن الأسباب التي تؤدي إلى الشيخوخة، والبحث عن الترياق الذي يلغي هذه المرحلة، أو على الأقل يؤجلها إلى حين أو يخفف مما يرتبط بها من معاناة أو مشكلات، هناك العديد من الكتابات التي ترجع إلى الحضارات القديمة والموغلة في القدم، كما نجد ذلك لدى الفراعنة والفلاسفة الأغريق الذين أعطو هذه المرحلة من العمر اهتماماً كبيراً من خلال ما كتبوه عنها.

على الرغم من قدم وتراكم المعرفة عن ظاهرة الشيخوخة، إلا أنها في مجملها انطباعات شخصية، لا تستند إلى ركائز منطقية أو منهجية، وهي في مجملها اجتهادات شخصية تولدت من واقع التجربة الحياتية والتأملات الذاتية، تختلف النظرية عن الانطباعات الشخصية التي نكونها في كون بناء النظرية محاولة واعية منهجية موضوعية لتفسير حدث من الأحداث أو ظاهرة من الظواهر، ومحاولة حل السؤال الجوهري وهو لماذا حدثت هذه الظاهرة بهذه الصورة أو الكيفية؟

والنظرية العلمية بما فيها النظرية الاجتماعية تستند على مجموعة مترابطة من المعطيات المنطقية أي المعتقدات، وكل معتقد من هذه المعتقدات تقبل الاختبار من خلال البحث التجريبي، وهذه المعتقدات يمكن أن تكون معطيات مستمدة من الدراسة الموجودة فعلاً أو عبارة عن تنبؤات مستمدة من المعرفة الموجودة فعلاً.

والمشكلات المرتبطة بالتقدم في العمر رغم جذورها المتأصلة في تاريخ البشرية إلا أنها لم تكن في يوم من الأيام ظاهرة اجتماعية ملحة كما هي في العصر الحديث، لقد أحدث العصر الحديث في إنجازاته العلمية وتطوراته الانمائية تغيراً كبيراً في الهرم السكاني، أدى بصورة خاصة إلى زيادة كبار السن حتى في المجتمعات الأخذة في النمو.

لا تقف أهمية التطور في العصر الحديث على التطورات التي أصابت المنظومة الصحية من علاجية ووقائية الأمر يتجاوز ذلك إلى الرعاية المتكاملة التي هيأت حياة أفضل لنسبة كبيرة من السكان والتي لم يكن يتمتع بها في المجتمعات القديمة سوى نسبة ضئيلة من السكان، إذن ظاهرة الزيادة الكبيرة في أعداد كبار السن ظاهرة حديثة.

وإذا كان في المجتمعات القديمة مسنون، فإنهم لا يمثلون نسبة ذات أهمية في تلك المجتمعات، وما دامت أعدادهم ضئيلة، فإن أمر العناية بهم لا يمثل أعباء جسيمة على كل المستويات حيث لا يمثل وجودهم هما اجتماعياً أو أسرياً أو اقتصادياً، هذه من ناحية ومن ناحية أخرى فإن المعرفة الإنسانية بغض النظر عن اهتماماتها، قد تطورت في العصر الحديث كماً وأسلوباً ومنهجاً، المعرفة الإنسانية اليوم أكثر اتساعاً وشمولاً وتنظيماً من أي وقت مضى.

أهمية النظرية الاجتماعية في ظاهرة التقدم بالعمر

تنطلق أهمية النظرية الاجتماعية من قدرتها على وضع الأسس المنطقية التي ننطلق منها لتقصي جانب أو أكثر من جوانب ظاهرة التقدم بالعمر، كما تعيننا على التنظيم والتنميط، كما يجب أن ندرك أن النظرية ليست السبيل الوحيد إلى تنظيم المعرفة، كما يشير إلى ذلك كلاهون، فاللغة وثقافة الحياة اليومية تزوداننا بالقدرة على التصنيف، ولكن عندما ننتقل إلى دائرة التحليل، نصبح في دائرة التنظير بشكل واضح، وهذا يعني بالدرجة الأولى التحليل السيء، ولكن يجب علينا في نظرتنا إلى النظرية الاجتماعية أن نعطي فرصة للتحليل المنطقي للظواهر الاجتماعية.

هناك العديد من النظريات التي استطاعت بأسلوب مباشر أو غير مباشر أن تلج إلى قضية التقدم في العمر، وهناك العديد من النظريات التي يمكن سحب معطياتها أو بعضها على الأقل على جوانب مختلفة من ظاهرة التقدم في العمر، نظريات لم يكن في حسبان واضعيها قضية الشيخوخة.

نستطيع أن نعود إلى الفكر الإيجابي عن المسنين عند أفلاطون، والذي أعطى لكبار السن منزلة رفيعة، فرأى فيهم التجربة القادرة وإدارة دفة الحياة السياسية، وقد نعود إلى أبقراط الذي اهتم بالحياة الصحية والبدنية لكبار السن، وقد نعود إلى الماضي القريب جداً وبالذات عند إميل دور كايم، في محاولته لتقسيم المجتمعات الإنسانية من حيث نوعية التعاضد الاجتماعي إلى تعاضد عضوي آلي.

المصدر: مرض الخرف انتشاره والخصائص المرتبطة به، سامي الدامغ، 2001.التوجيه التربوي لكبار السن، ترجمة محمد عبد المنعم نور، 1980.تطور مفهوم القوة الاجتماعية في الفكر الاجتماعي، ابراهيم العبيدي، 1996.دور النظريات الاجتماعية في أبحاث الشيخوخة، ابراهيم العبيدي، 1989.


شارك المقالة: