مدرسة فرانكفورت في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


مدرسة فرانكفورت في علم الاجتماع:

منذ تأسيس مدرسة فرانكفورت في الثالث والعشرين من شباط 1923، التقى أعضاء معهد الأبحاث الاجتماعية، تجمعهم رغبة تحررية فهم منخرطون في رؤية ماركسية ويرغبون بوضع نظرية نقدية ثورية عن الرأسمالية، لكن على مر الأيام خفّ إيمانهم بإمكانية تقدم التاريخ، وأصبحت الآمال أكثر قتامة وخالية من الوهم، فقد تحول نقد المجتمع بشكل جذري، وغرق في تشاؤم تجاه التغيير، وأيضاً في سخرية مدمرة.

هذا الانزلاق النظري للمعهد لا يمكن فصله بالطبع عن السياق التاريخي، كيف كان للفكر خلال الثلاثينيات والأربعينيات أن يظل غير متأثر بالغيوم الداكنة التي كانت تتجمع فوق أوروبا؟ كان أعضاء المعهد كماركسيين ويهود، مجبرين على المنفى مع وصول النازيين إلى السلطة، انتقل المعهد الذي كان يديره هور كهايمر منذ عام 1930، إلى جنيف وافتتح فرعاً في باريس وآخر في لندن، لكن بدءاً من العام التالي، في 1934، أدى تطور السياق السياسي في أوروبا إلى دفع أعضاء المعهد إلى الاستقرار في نيويورك، مستبقين موجة الهجرة الكبيرة للمثقفين الأوروبيين نحو الولايات المتحدة.

وهكذا يمكن قراءة المسار الجغرافي لمدرسة فرانكفورت كرمز لتباعدها المتزايد عن أوروبا وعن ميراثها الثقافي.

ما من شك في أن أعضاء المعهد في المرحلة الأولى، كانوا يقصدون المحافظة على هويتهم الأوروبية، وكانوا يتصورون أنفسهم كبؤرة أخيرة لمقاومة تدمير الميراث الإنساني الألماني، وهكذا تابعوا إصدار مجلتهم باللغة الألمانية، ومع ذلك في هذا السياق الجغرافي الثقافي الجديد، وفي مواجهة الإقرار بالعجز الثوري والقوة الجهنمية للنزعة الشمولية في أوروبا، فإنّ التشاؤم لم يكن يتزايد.

أصبحت الآمال في تحول المجتمع أفقاً يبتعد شيئاً فشيئاً، وبالتوازي شكك منظرو المدرسة بأحد عناصر النظرية الماركسية، وهو أولوية التهيئة التحتية الاقتصادية على التهيئة الفوقية الثقافية.

إنّ قسماً هاماً من أعمال المنفى تنبع من هذا التحديث النظري، فقد سعى هربرت ماركوز إلى ربط نقده للاستغلال مع نقده للقمع الجنسي، مشدداً في ذلك ثغرات الماركسية، كذلك تتسم أعمال إريك فروم المضادة للأرثوذوكسية الماركسية، بميل للربط بين فرويد وماركس، من أجل إقامة صلة بين اللاوعي والبنية التحتية الاجتماعية الاقتصادية.

ومن وجهة أخرى فرضت دراسة الفاشية نفسها، بدءاً من نهاية الثلاثينيات، كأولوية بالنسبة ﻷعضاء المعهد، وقد فسر قسم هام من الظاهرة بتعابير سيكولوجية، على غرار الربط الذي أقيم بين العالم العمالي وظهور النازية، ورغم هذا الابتعاد عن التحليلات الماركسية الصرفة، فإنّ المعهد مضى في تجاهله بل وإنكاره للظاهرة الشمولية ضمن استقلاليته السياسية.

المصدر: أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط محمد حسن. علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد. محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.مناهج البحث العلمي، محمد الجوهري.


شارك المقالة: