نظرية الاتفاق البنائي الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


ما هي نظرية الاتفاق البنائي الاجتماعية؟

تعتبر نظرية الاتفاق البنائي من الطرق التقليدية، التي يفسر بها علماء الاجتماع نظام الحياة الاجتماعية، تكون عن طريق اعتبار السلوك البشري على أنه سلوك مكتسب (مُلقّن)، وهذا المدخل معروف بنظرية (الاتفاق البنائي)، والعملية الأساسية التي تؤكد عليها تلك النظرية تسمى التنشئة الاجتماعية.
وهذا المصطلح يشير إلى الطريقة التي يتعلم بها البشر أنواع السلوك المتوقع منهم في المواقف الاجتماعية التي يجدون أنفسهم فيها، من خلال وجهة النظر هذه تختلف المجتمعات؛ ﻷن أنواع السلوك التي تعتبر مناسبة في هذه المجتمعات تختلف، فالناس في مجتمعات أخرى يفكرون ويتعرفون بشكل مختلف؛ ﻷنهم تعلموا قواعد مختلفة عن كيفية التصرف والتفكير.
ونفس الأمر يحدث مع المجموعات المختلفة في نفس المجتمع، وتختلف التصرفات وأفكار المجموعة الواحدة عن تصرفات وأفكار مجموعة أخرى؛ ﻷن أعضائها تم تهيئتهم اجتماعياً وفق قواعد مختلفة.

ماذا يطلق علماء الاجتماع المهتمين بنظرية الاتفاق على السلوك؟

يُطلق علماء الاجتماع المهتمين بنظرية الاتفاق على القواعد التي تحكم الفكر والسلوك في مجتمع ما اسم “الثقافة”، فالثقافة موجودة قبل الناس (الأشخاص) الذين يتعلموها، فعند الميلاد يواجه البشر عالماً اجتماعياً موجوداً بالفعل.
ويتضمن الالتحاق بهذا العالم تعلم كيف أن الأشياء تتم في هذا العالم، حيث عن طريق تعلم القواعد الثقافية للمجتمع، يستطيع الشخص التفاعل مع الآخرين، وﻷنهم تم تهيئتهم اجتماعياً بشكل متماثل، فإن الأشخاص المختلفين سوف يتصرفون بشكل متشابه.

وتقول نظرية الاتفاق أن القواعد الثقافية للمجتمع تحدد سلوك أعضائه، وتقوم تلك القواعد بدورها بنفس الطريقة التي يشكل بها البناء الخارجي لمبنى معين من تصرفات الأشخاص الذين يسكنون بداخله.
ولنأخذ مثلاً سلوك الطلاب في المدرسة، فعندما يكون الطلاب بداخل المدرسة فإنه سوف يتبنوا أنماطاً منظمة للسلوك، فجميعهم سوف يسيرون بامتداد الطريقة من أعلى إلى أسفل على السلالم، وداخل وخارج صف الدراسة، ومن خلال اﻷبواب وهكذا.
وبوجه عام فإنهم لن يحاولوا حفر الأرضيات أو تكسير الحوائط أو التسلق عبر النوافذ، فتصرفاتهم (تحركاتهم) الجسدية مقيدة بالبناء المدرسي، وﻷن هذا يؤثر على كل الطلاب بشكل متشابهة، فإن سلوكهم داخل المدرسة سوف تكون متشابهة وسوف يعرض ويبين أنماط محددة إلى حد ما.
وفي نظرية الاتفاق يكون نفس الشيء صحيحاً بخصوص الحياة الاجتماعية، فسوف يعترف الأفراد بشكل متشابهة في نفس الوضع الاجتماعي، ﻷنهم مقيدين بالتساوي بقواعد ثقافية، وعلى الرغم من أن هذه التركيبات الاجتماعية غير مرئية في التركيبات الخارجية، فإن المشتركين في هذه القواعد يجدون أنها محددة للسلوك بشكل متماثل.

مستويات القواعد الثقافية في نظرية الاتفاق:

إن المستويات التي تعمل فيها هذه القواعد الثقافية تتنوع، فبعض القواعد كالقوانين مثلاً، تعمل على مستوى المجتمع ككل، وتكون سلوك كل شخص يعيش فيه، والقواعد الأخرى لا تأخذ هذا الشكل العام بنسبة كبيرة، ولكنها تكون سلوك الأشخاص في مواقف اجتماعية محددة.
فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يعترف الأطفال في الفصل الدراسي بأسلوب منظم ودقيق، وفي الفناء المدرسي يتم اعطاؤهم رخصة للتصرف بحرية أكثر، في حين أنه عندما يكونون خارج المدرسة يختلف هذا السلوك عن السلوك الذى يتبعونه أثناء الدراسة.
وبالمثل عندما يكون ضباط الشرطة أو الممرضات أو أعضاء القوات المسلحة في واجبهم الوظيفي، فإن هناك قواعد معينة تحكم وتُكوّن تصرفاتهم بشكل محدد.

ويُسمي علماء الاجتماع الأوضاع في البناء الاجتماعي “بالأدوار” وتسمى القواعد التي تكوّن وتشكّل سلوك من يحتل تلك الأوضاع الاجتماعية (بالمعايير)، وهناك بعض القواعد الثقافية التي لا ترتبط بأي دور أو مجموعة من الأدوار الاجتماعية.
وهناك ما يسمى بالقيم، وهي خلاصة مشاعرنا للطرق المعيشية التي تنال الاستحسان، والتي تقوم بدور الأساس الذي ينشأ منه معايير معينة، كذلك على سبيل المثال، أن التعليم ينبغي أن يكون مفتاح النجاح، وينبغي أن تكون العلاقات الأسرية أهم كما ينبغي حمايته، والاعتماد على النفس ينبغي أن يكون الوسيلة التي يستطيع الفرد من خلالها تحقيق الذات.
فكل هذه الأشياء قيم توّفر مبادئ عامة تشتق منها المعايير التي توجه السلوك في المدارس والجامعات وفي المنزل وفي العمل.
وفقاً لهذه النظرية الاجتماعية فإن الارتباط والتوافق الاجتماعي داخل دائرة المعايير والقيم ينتج الناس حول السلوك والمعتقدات المناسبة، والتي بدونها لا يمكن أن يبقى المجتمع البشري على قيد الحياة، ولهذا السبب تسمى هذه النظرية بنظرية الاتفاق البنائي، فعن طريق الارتباط الاجتماعي تشكل القواعد الثقافية السلوك، وتضمن التوافق حول السلوك المتوقع، وبذلك تكفل النظام الاجتماعي.

المصدر: الإشكاليات التاريخية في علم الاجتماع السياسي، عبد القادر جغلول، 1982.التفكير الاجتماعي نشأته وتطوره، زيدان عبد الباقي، 1972.النظرة الارتقائية، محمد الطالبي، 1979.السببية والحتمية عند ابن خلدون، مها المقدم، 1990.


شارك المقالة: