نمط الإنتاج عند ماركس في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


نمط الإنتاج عند ماركس في علم الاجتماع:

رأى ماركس أن العمل هو أساس الحياة الاجتماعية، وأن إنتاج الثروة المادية هو العامل الأساسي المحدد للتطور الاجتماعي، وإنتاج وسائل الحفاظ على الحياة البشرية ثم عملية توزيع تلك المنتجات هما أساس البناء الاجتماعي بأسره، ففي جميع المجتمعات التي ظهرت في التاريخ كانت الكيفية التي توزع بها الثروة، وينقسم بها المجتمع إلى طبقات أو أنظمة تعتمد على ما ينتج والكيفية التي يتم بها التوزيع.

ويتطلب هذا الإنتاج موضوعات للعمل، كما يتطلب أدوات يستخدمها في معالجة هذه الموضوعات، فبالنسبة للمزارع مثلاً لا بدّ من الأرض والبذور بوصفها موضوعات للعمل، ولا بدّ كذلك من الفأس أو المحراث بوصفها أدوات يعالج بها موضوعات، هناك إذن الموضوعات والأدوات، وهناك كذلك الإنسان العامل الذي يستخدم هذه الأدوات في معالجته لهذه الموضوعات، فأدوات العمل وحدها لا يمكن أن تنتج ثروة مادية، ومن الضروري أن لا تصنع فحسب ولكن أن تستخدم أيضاً، والإنسان هو صانعها ومستخدمها وعلى هذا فإن الإنسان العامل عنصر جوهري في الإنتاج، ويطلق على الموضوعات والأدوات والإنسان العامل اصطلاح قوى الإنتاج.

وتحدد قوى الإنتاج علاقات الإنسان بالطبيعة وسيطرتها عليها والإنسان العامل هو العنصر الرئيسي في القوة الإنتاجية، إلا أن القوى الإنتاجية ليست هي العوامل الوحيدة في الإنتاج المادي، فالناس لا يمكنهم الإنتاج إلا إذا انتظموا في علاقات اجتماعية، ذلك أن العمل بطبيعته نشاط اجتماعي، وهذه العلاقات والروابط الاجتماعية يقتضيها الإنتاج ويستحيل دونها.

ويطلق على رابطة الناس في عملية الإنتاج اصطلاح علاقات الإنتاج، وهناك وحدة لا تقبل الانفصال بين قوى الإنتاج وما يقابلها من علاقات إنتاج، وقد كان العمل دائماً منذ فجر التاريخ هو الرابطة بين الناس.

وتعتمد علاقات الإنتاج اعتماداً جوهرياً على ملكية وسائل الإنتاج (الموضوعات والأدوات)، فالذي يملك موضوعات الإنتاج (الأرض أو المناجم أو الغابات أو المواد الخام مثلاً)، وأدوات الإنتاج (الفؤوس والمحاريث والآلات)، يتحكم في عملية الإنتاج وفي توزيع عائدها، ويتوقف على ملكية وسائل الإنتاج، ووضع المجموعات الاجتماعية المختلفة في المجتمع، فالذين يملكونها يتمتعون بوضع السيطرة والنفوذ، ويحصلون على أكبر جزء من عائدها، والذين لا يملكون خاضعين ويكون نصيبهم من الإنتاج أقل، وإذا كانت ملكية وسائل الإنتاج عامة أي ملك فئات الشعب، فإن رابطة الإنتاج تكون رابطة تعاونية وتبادلية خالية من الاستغلال، كما هو الحال في البلدان الاشتراكية، أما إذا كانت ملكية وسائل الإنتاج فردية أي ملك أقلية ضئيلة من المجتمع فإن رابطة الإنتاج تكون رابطة سيطرة وخضوع.

ويعتمد شكل التوزيع على ملكية وسائل الإنتاج، ففي المجتمع الرأسمالي وفي ظل الملكية الفردية لوسائل الإنتاج يحصل المالك على أكبر نصيب من الثروة المنتجة على الرغم من أنه لا يشارك بطريقة مباشرة في الإنتاج، أما في المجتمع الاشتراكي وفي ظل الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج فإن توزيع عائد الإنتاج يتم تبعاً للعمل.

وهكذا نرى أن علاقات الإنتاج تضم شكل ملكية وسائل الإنتاج وما ينجم عنها من وضع المجموعات الاجتماعية في الإنتاج وأشكال توزيع الثورة، وهناك وحدة لا تقبل الانفصال بين قوى الإنتاج من جانب وعلاقات الإنتاج من جانب آخر، ويطلق على هذين الجانبين معاً نمط الإنتاج.

إلا أن الإنتاج لا يتوقف عند حد معين، ولكنه ينمو ويتطور دائماً، ذلك أن الناس لا بدّ أن ينتجوا الثروة المادية من أجل الحفاظ على حياتهم ولا بدّ أن تزايد هذا الإنتاج، ويتحسن دائماً فعدد السكان في تزايد مستمر كما أن متطلباتهم تتزايد باستمرار.

فالإنسان البدائي لم يكن يحتاج سوى القليل جداً، طعام بسيط وجلد حيوان وسقف يستظل به ونار إلى جوار كوخه، ولكن الإنسان الحديث أصبحت له متطلبات مادية وثقافية هائلة وهي تتزايد باستمرار، والوسيلة الوحيدة لإشباع الحاجات المتزايدة للأعداد المتزايدة من الناس هي زيادة الإنتاج وتحسينه، وقوى الإنتاج الموضوعات والأدوات والإنسان، هي المحرك الرئيسي للتغير والتطور.

وقرر ماركس أن الإنسان من خلال عمله الاجتماعي، يطور ويغير ويعدل من أدواته، وليس أدل على ذلك من التقدم التكنولوجي المستمر في عصرنا هذا، والذي يتيح للإنسان مزيداً من الطاقة والتحكم في عالمه المادي، وتطور أدوات الإنتاج إذن هو نقطة البدء في التغيير الاجتماعي.

إلا أن هذا التطور من شأنه أن يحدث خللاً في التوازن القائم بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، بحيث لا تعد علاقات الإنتاج على انسجام مع قوى الإنتاج، فمع تحسن أدوات الإنتاج وتطورها يتطور الناس أيضاً فتنمو قدراتهم ومهاراتهم وتظهر قدرات جديدة لم تكن موجودة من قبل.

المصدر: مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.


شارك المقالة: