الصناعة في عهد الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود

اقرأ في هذا المقال


تعد الصناعة هي حجر الأساس في عملية التنمية الاقتصادية، فمن خلالها يتكون تطوير الدولة، ومن المعروف أنّ جزيرة العرب منذ القدم نشأت فيها صناعات متنوعة تدرجت وتطورت مع تقدم الزمن واختلاف العصور. ولقد كانت الصناعة في بداية الأمر تعتمد على الجهود الفردية من قبل الصناع والعمال وممن يزاولون الحرف التقليدية والتي كان الهدف منها هو تأمين الحياة اليومية وسد حاجة الاستهلاك المحلي.

هناك الكثير من الصناعات اليدوية التي كانت في الماضي تحقق اكتفاءً ذاتياً وتدل على مهارة وذوق وفن، وقد اندثر معظمها وبقي منها شيء قليل لا يزال في الأسواق.

تطور الصناعة في عهد الملك سعود:

استمرت الصناعات على الوضع التقليدي البسيط بسبب قلة رأس المال اللازم لشراء المعدات الإنتاجية الحديثة، وقد ترتب على هذا هبوط معدلات الإنتاج، وظل الوضع كذلك حتى كان ظهور النفط واستخراجه في المملكة منذ عام 1307/ 1938 ميلادي، نقطة تحول مهمة في حياة سكان البلاد حيث توافرت للدولة عوائد مالية ضخمة مكنتها من البدء في وضع برامج تنموية ساهمت في رفع مستوى معيشة السكان، وزيادة القوة الشرائية لديهم.

ومن ثم اتهجت البلاد نحو تلبية متطلبات سكانها المتزايدة من السلع الصناعية عن طريق استيرادها من الخارج فامتلأت بها الأسواق، ولم تستطع الصناعات الحرفية التقليدية الصمود أمام منافسة السلع الأجنبية المستوردة، والتي تتميز عنها بكونها أكثر جمالاً وأقل كلفة، وقد أسهم هذا في انكماشها واختفاء الكثير منها للأبد، يضاف إلى ذلك هجرة معظم أصحاب تلك الصناعات للعمل في صناعة النفط، لكن الحكومة لم تعمل على تشجيع الصناعة خاصة بعد اكتشاف البترول الذي كان فاتحة ازدهار الصناعة في المملكة.

خاصة عندما أسست شركة بترومين الوطنية 1989/ 1370 ميلادي التي توسعت حتى شملت الإسهام في صناعة النفط بجميع مراحله، وذلك يعود إلى أنّ المملكة العربية السعودية تعد الدولة الثانية في إنتاج البترول، وهي من البلدان المنتجة للنفط والأغنى في العالم به، ومن أجل تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد الدولة المكتشفة مثل البترول ومنتجاته، والمعادن الفلزية كالحديد والذهب والنحاس والكروم  والزنك والرصاص وغيرها والمعادن اللافلزية كالباریت والفلورايت الملح والجبس ورمل الزجاج أحجار الزينة كالزمرد والعقيق وأحجار البناء ومواد الإسمنت.

فقد وقّعت المملكة العربية السعودية مجموعة من الاتفاقيات على مدى سنوات من أجل البحث واستغلال تلك المواد. ففي عام 1377/ 1957 ميلادي وقعت اتفاقية الشركة العربية اليابانية للتنقيب عن البترول في المنطقة المحايدة على شاطئ الخليج العربي، وكانت العقود أفضل بكثير من سابقتها حيث كان من ضمنها مبدأ المشاركة، وبلغ أول إنتاج لها 93,700,000 برميل، تضاعف الإنتاج في عام 1383 ھجري إلى 24,100,000 برميل. وفي عام 1384 هجري، وقعت اتفاقية بين المملكة وشركة البترول العربية أوكسيراب للتنقيب عن البترول في البحر الأحمر.

وتعهدت هذه الشركة بألا تقل نسبة الأيدي العاملة في جميع أعمال الشركة عن 75٪ من الموظفين والعمال في الشركة، سواء كانوا فنيين أم تقطنيين. وأصبح هناك تقدم ملموس في الصناعة السعودية بتوفير المواد الخام والمعادن المنتشرة في بلادنا الواسعة لكون البترول من أهم تلك المعادن، إزاء ذلك أخذت الصناعة تخطوا نحو الأمام لأن حكومة جلالة الملك أخذت تولي الصناعة الكثير من عطفها وتشجيعها على ذلك.

قام الملك في إعفاء الآلات والمعدات التأسيسية للمصانع وما تحتاج إليه من قطع الغيار من الرسوم الجمركية. واقترحت الوزارة إنشاء مصلحة عامة للصناعة لتنظيمها وذلك لكون وزارة التجارة هي المسؤولة عن الصناعة، ومهمة هذه المصلحة تنظيم الصناعة وحمايتها وتقديم المشورات الفنية، وإجراء تخطيط صناعي شامل يهدف إلى السير الصحيح.

وقد تواجد المهندسين والمختصين من شباب المملكة في شؤون المعادن والتعدين، وقد ساهمت الدولة ونشطت بإيجاد فرص الابتعاث والتخصص في شؤون البترول لإيجاد خبرات علمية بمستواها الجامعي، من أجل ذلك أنشئت كلية البترول والمعادن في عام 1993/ 1383 ميلادي في قلب المنطقة الشرقية حيث تتركز صناعة الزيت والصناعات الأخرى.

تم إنشاء أول هيئة حكومية مسؤولة عن تشجيع الصناعة ودعمها وهي إدارة شؤون الصناعة، والتي اعتمدت في 1281، ضمن جهاز وزارة التجارة، ثم صدر نظام حماية الصناعة الوطنية وتشجيعها في الوقت نفسه، وتبعه في عام 1383 ھجري نظام استثمار رأس المال الأجنبي.

وقام الملك في منح الأراضي لإقامة المصانع بالمجان، إلى جانب الكثير من التسهيلات والمساعدات الأخرى. وأشرف جلالته على افتتاح حفلات المصانع والمشروعات ذات الصبغة الصناعية تشجيعاً لأصحابها، وكذلك ظهور الأسواق الاستهلاكية التي ساهمت الدولة في نشرها في مختلف أرجاء المملكة نظرة لازدياد كثافة السكان من جهة، وانتقال أغلبهم للعمل في المجال الصناعي من جهة أخرى، وهذا ساعد على توافر الموظفين الذين تتركز عليهم الوظائف الإدارية.

قامت الدولة في تشجيع للأفراد ورجال الأعمال، وذلك بإقامتها المشروعات صناعية كبرى وأساسية تتطلب زمناً طويلاً في التأسيس، ورؤوس أموال ضخمة، ونفقات تشغيلية كبيرة مما يعجز عنه القطاع الأهلي مادياً وفنياً وزمنياً. ومن ثم بعد نجاح المشروع تعمل على طرح المشروع للاكتتاب لإعطاء فرصة للأفراد للاشتراك في هذا العمل إذا رغبوا، بعد ذلك تم تأسيس مشروع شركة الغاز والتصنيع السعودية والتي من أهم أعمالها نقل الغاز الطبيعي من المنطقة الشرقية إلى الرياض.

وكذلك الاشتراك في المعارض الدولية بقدر ما تقضي به الحاجة، وذلك لتعريف العالم بالنهضة الواسعة والتقدم الكبير الذي أحرزته المملكة في المجال الصناعي وغيره من المجالات. قامت الدولة في محاولة توفير العناصر الأساسية التي تقوم عليها الصناعة وتساعد على نجاحها وتطورها وتتلخص في الوقود وهو متوافر في المملكة، وخاصة بعد اكتشاف البترول الذي يعد الثروة الحقيقية التي غيرت اقتصاد البلاد وطورته، وأصبحت الصناعة تفوق على التجارة بفضل هذا الاكتشاف.

إنّ مواد الخام تنقسم إلى المنتجات الزراعية، ومنتجات المناجم، والثروات المعدنية، والناقص من هذه المواد تعمل الدولة على استيراده من الخارج. إنّ رؤوس الأموال والعمال والتنظيم الفني فهي متوافرة في الدولة. ولا تشعر البلاد بأي نقص فيها يدعو إلى قلة نهوض الصناعة أو الحد من نشاطها، فقد أدت صناعة البترول إلى زيادة رؤوس الأموال المتداولة ووفرتها بشكل واضح، وجميع هذه الأموال تعمل الدولة على استثمارها مرة أخرى في مجالات مربحة، ومما لا شك فيه أن جانب كبير منها لا بد أنه يتجه إلى الاستثمار الصناعي.

أهم الصناعات في المملكة:

إنّ أهم الصناعات في المملكة هي صناعة المنتجات البترولية، حيث قامت الدولة بإنشاء شركات ومشروعات ساهمت المؤسسة العامة للبترول والمعادن في رأس مالها داخل وخارج المملكة، والهدف منها الاشتغال في صناعة البترول والمعادن ومشتقاتها، فهناك مشروعات لصنع الحديد، وإنتاج البلاستيك، وصناعة أنواع السماد المختلفة، كذلك قاموا بتصنيع زيوت التشحيم.

صناعة الأثاث والمفروشات:

بدأت تنشأ في الدولة مصانع خاصة بإنتاج المفروشات وصناعة الأثاث المعدني، والتي قام بها رجال الأعمال، من أجل منافسة المستورد ومن هؤلاء ناصر الحميد الذي أنشأ أول مصنع حديث في الرياض عام 1370 هجري، كذلك أسس أحد المواطنين في العام نفسه مصنعاً للأثاث الخشبي، وذلك لتصنيع غرف النوم وغرف الجلوس وغرف الطعام، وكان يغلب عليها الطابع التركي والمصري المذهب، وكانت هذه الأنواع تجد رواجً، ومعظم عمال هذا المصنع من المصريين وبعض الخبراء الإيطاليين.

تطور صناعة الطاقة الكهربائية:

بدأ استثمار الطاقة الكهربائية في المملكة العربية السعودية لأول مرة عام 1352، عندما أصدرت الدولة نظام منع امتیاز صناعة توليد الكهرباء وفق أسس صحيحة وسليمة، ويعد هذا أول نظام من نوعه في المملكة اهتم بهذه الصناعة الحيوية، وفي السابق في بعض المناطق كان الناس يستخدمون السرج، والأتاريك التي تعمل بالكيروسين، فلم تكن الكهرباء موجودة فكان الطلاب يتلقون علومهم حولها، وكذلك من له حاجة تقضي حول تلك الإنارة.

فلم يكن هناك شركات تهتم بتوليد الطاقة الكهربائية، وإنما كان هناك بعض المولدات الفردية خلال الخمسينيات الهجرية، حيث بدأت الدولة في استيراد مولدات كهربائية لاستخدامها في إنارة قصر الملك وقصور الأمراء وبعض مباني كبار الموظفين، وتزويد المباني الحكومية والمساجد، وكان جيران المسجد يستفيدون من هذه الخدمة بعض الشيء. فكان استخدام الكهرباء خلال هذه المرحلة مقصوراً على أعمال الإنارة فقط ولمدة ثلاث ساعات بعد صلاة المغرب.

ثم صدر قرار بتأسيس الشركة الوطنية السعودية للكهرباء بالرياض وضواحيها، تمكنت الشركة بموجبه من تسويق الطاقة الكهربائية على المشتركين بداية من يوم 1371/3/11 هجري حيث شهد هذا اليوم حدثاً تاريخياً مهماً بالنسبة لصناعة توليد الطاقة الكهربائي.

ثم شهد عام 1381 الاهتمام بتطوير الكهرباء، حيث تم تشكيل إدارتي شؤون الكهرباء، وشؤون الصناعة في وزارة التجارة وذلك لتشجيع الاستثمارات الأهلية وإعطاء التراخيص ووضع ضوابط للنهوض بالصناعة والكهرباء. ولقد شجعت الحكومة القطاع الخاص على الاستثمار في قطاع الكهرباء فقدمت الفروض والإعانات، والتسهيلات في الحصول على الأراضي والوقود لمحطات توليد الطاقة الكهربائية، ولعل من أهم ما قامت به الدولة في أواخر هذه المرحلة هو إصدار نظام حماية الصناعات المحلية وتشجيعها.

المصدر: التعليم في عهد الملك سعود بن عبد العزيز أل سعود تأليف حصة بنت جمعان الهلالي الزهراني الطبعة الأولىتاريخ الدولة السعودية في عهد سعود بن عبد العزيز تأليف امين سعيد الطبعة الأولىالمملكة من الداخل تاريخ السعودية الحديث نقلة إلى العربية خالد بن عبدالرحمن العوض الطبعة الرابعةتاريخ ملوك آل سعود للأمير سعود بن هذلول الطبعة الأولى 1380 هجري


شارك المقالة: