قصة زمار هاملين ذو الزي الغريب

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأعمال الأدبية الصادرة عن الأدب الألماني، وقد تم التطرق من خلالها إلى حادثة لاجتياح الفئران لإحدى البلدات التي كانت من أجمل البدان، إلا أنه بسبب الأوساخ والقذارة تحولت إلى موطن لتلك الفئران.

قصة زمار هاملين ذو الزي الغريب

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول بلدة صغيرة تقع في دولة ألمانيا، وتلك البلدة تقع على ضفاف أحد الأنهار المشهورة، ففي القديم كانت تتصف تلك البلدة بالهدوء والمناظر الخلابة، ولكن منذ ما يقارب على الخمسين عامًا أصبحت تلك البلدة مهملة للغاية من قِبل المسؤولين، كما أنها أصبح من أقذر البلدان الموجودة في المنطقة، إذ بدا كل من يسيرون في الشوارع يرمون الأوساخ هنا وهناك، كما كانوا سكان تلك المنطقة يخرجون القمامة من منازلهم ويكبونها في الشوارع العامة دون أن يتم وضعها في الأماكن المخصصة للقمامة.

كان العمدة لتلك البلدة يرى تلك المناظر البشعة والمقززة هنا وهناك، إلا أنه لم يبدي أي اهتمام بذلك، ونتيجة تلك القذارة والأوساخ التي عمت المكان امتلأت المدينة بالفئران والجرذان، وبسبب تكاثر واستيطان الفئران في تلك البلدة بدأوا سكان البلدة يوماً عن يوم يصابون بالعديد من الأمراض، كما أدى انتشار الفئران في تلك البلدة إلى جرأتها في التعمق في المنازل، كما كانت تلك الحيوانات المؤذية تعض الأطفال ويأكلون الطعام من الأواني ويفتحون صناديق السمك المملح ويغوصون بها.

وفي ذلك الوقت لم يكن هناك حتى حذاء ولا قبعة ولا خرم صغير في المنزل، إلا كانت الفئران تبني به بيوتها، كما لم تكن هناك عائلة من العائلات تعرف معنى الراحة بسبب ذلك الانزعاج الشديد الذي يصدر منهم، وفي يوم من الأيام اتفقت حشود كبيرة من سكان البلدة أن يتوجهوا نحو منزل العمدة ويطلبون منه المساعدة في أن يتخلصوا من ذلك الأمر المنزعج للغاية، وأول ما وصلت تلك الحشود إلى أمام منزل العمدة أخذوا بالهتاف.

وحينما سمع العمدة أصواتهم خرج إليهم وقال: ما هي مشكلتكم، فردت جماعة منهم وقالوا: نريد منك أن تتخذ إجراءاتك المناسبة بخصوص استيطان الفئران بكافة أرجاء البلدة، وأنه ينبغي عليك التصرف على الفور، وفي حال لم تقوم بذلك سوف نخلعك من منصبك، وهنا رد على طلبهم العمدة وقال: سوف نعقد اجتماع في الحال ونجد الحل المناسب.

وفي تلك الأثناء اقتنع الناس بحديث عمدة البلدة وبدأوا ينتظرون ليروا ما هو الحل الذي سوف يتم التوصل إليه، وبالفعل عقد العمدة اجتماع فوري مع مستشاريه وبعد حوار مطول وعدة مناقشات استمرت لساعات لم يتمكنوا من الوصول إلى حل لتلك المشكلة، وفي تلك اللحظات طرق أحدهم الباب، وحينما سمحوا له بالدخول كان الطارق رجل، ولكن هذا الرجل كان أغرب رجل قد شاهدوه في حياتهم، إذ أنه كان يرتدي معطف طويل وغريب بعض الشيء، حيث أن مقسوم إلى نصفين من حيث الألوان، النصف الأول لونه أحمر والنصف الثاني لونه أصفر، كما كان ذلك الرجل جسده نحيل ويحرك أصابعه بشكل سريع ويبدو وكأنه يعزف على المزمار، وأول ما شاهدوه سخروا من منظره جميع الموجودين في الاجتماع.

وأول ما بدأ بالحديث قال لهم: إنني أمتلك سحر خاص في العزف على آلة المزمار، وذلك السحر من خلاله بإمكاني أن أستدعي كافة المخلوقات، ولا يهم نوع المخلوق سواء كان يزحف أم يطير أم يسير على الأقدام، وأنا أستعمل هذا السحر على كافة المخلوقات حتى ولو كان فأر، وحينها قالوا له: إن كلامك صحيح هيا قم واعزف على مزمارك واستدعي لنا تلك الفئران، وهنا قال وقد وجهه كلامه للجميع: قبل فترة من الوقت حررت إحدى البلدات الإفريقية من اسراب الناموس العملاق أنا أجوب العالم لأنقذ الناس.

وهنا طلب منه جميع الحاضرين مرة أخرى أن يستقطب لهم تلك الفئران ويخلصهم منها، فرد عليهم: حسنًا ولكن في المقابل أريد من العمدة أن يعطيني أجري على ذلك ألف جلدر، وهنا أجابه العمدة وقال: بالطبع كل ما تريد سوف يحضر لك، ثم ومن أجل أن يؤكد العمدة على كلامه للرجل الغريب سأل الموجودين في الاجتماع، والذين بدورهم أكدوا على كلام العمدة، وطلب منه العمدة أن يباشر بعمله على الفور.

وفي تلك اللحظة خرج العازف إلى الشارع وأخرج آلته بكل هدوء وبدأ يعزف عليها، وبالفعل كان ذلك العزف يتميز بسحر خاص وفريد، حتى أنه تمكن من خلاله إخراج كافة تلك الحيوانات من الجحور، وقد كانت من فصيلتين أحدهما تتميز باللون الأبيض والأخرى باللون الرمادي، وبدأوا يسيرون خلف العازف خطوة بخطوة إلى أن وصلوا إلى حافة النهر، وفي تلك الأثناء كانوا جميع سكان البلدة يشاهدون ذلك الأمر وهو تعتريهم الدهشة، وفي تلك الأثناء قام العازف بالقفز على صخرة موجودة في وسط النهر، وهنا دون أن تدرك تلك الحيوانات القذرة وجود مياه سقطت جميعها في النهر وغرقت واحدًا تلو الأخر وسرعان ما اختفت.

وهنا تحررت المنطقة بأكملها من الفئران، وبعد أن انتهى الرجل الغريب من مهمته ذهب يطلب المكافأة من العمدة، وحينما التقى به أشاد العمدة بعمله ووصفه بأنه ممتاز جداً، إلا أنه قال له: ألف جلدر كثيرة على مهمة لم تستغرق سوى بضعة ساعات، كما أن هذا المبلغ كبير جداً على يوم واحد فقط، وهنا رد الرجل الغريب على العمدة وقال: إذن أنت تخلف وعدك، فأجابه العمدة بقوله: سوف أدفع لك مائة فقط، فرد عليه الرجل الغريب وقال: هذا أمر غير عادل، ولكن سوف أريك ماذا بوسعي أن أفعل.

وفي ذلك الوقت غادر العازف وخرج إلى الشارع، ومن ثم قام بإخراج آلته ثانية وأخذ بالعزف من جديد، ولكن في هذه المرة كانت النغمات مختلفة تماماً، وعلى أثر ذلك بدأ الأطفال يدرون رؤوسهم ويتوجهون نحوه، ومن هنا بدأ العازف يسير في الطريق وتبعه الأطفال، وحينها وقف الآباء والحراس مذهولين مما يشاهدون وهم ليس بمقدورهم الحركة؛ وذلك لأن ذلك العزف أصابتهم بالشلل وصار العازف من فوق أحد الجسور في البلدة، ثم بعد ذلك سار نحو الجبال، وحينما وصل إلى أحد الجبال حتى فتحت بوابة ضخمة في الجبل ودخلها مع الأطفال وأغلقت خلفهم البوابة، ولم يتبقى من هؤلاء الأطفال سوى طفل واحد أعرج لم يتمكن من الوصول للبوابة وبعد أن توقفت النغمة سار الأهالي نحو الجبل.

لكنهم في تلك الأثناء لم يجدوا سوى هذا الطفل، وحينما سألوه عن باقي الأطفال، قال للجميع: أنهم دخلوا البوابة ولكنها أغلقت قبل أن أتمكن من الوصول، وهنا سألوه الأهالي مرة أخرى: لما تبعتموه، فأجاب الطفل وقال: لقد وعدتنا النغمة أن تأخذنا إلى مكان فيه حلوى وبسكويت وكعك، كما أخبرتني أنني سوف استعيد صحتي وأجري في كل مكان، شعر الأهالي بالحزن وأخذوا يبكون على أبنائهم ولكن دون جدوى.

وفي النهاية استدعوا العمدة إلى الجبل وألقوا اللوم عليه فيما حصل مع أطفالهم، وهنا قال العمدة: أنا فقدت طفلي كذلك أنني أعتذر على ما بدر مني، وهنا سرعان ما همّ بإحضار ألف جلدر وعرضهم على العازف من خلف الجبل، وحين قدم له العمدة ألف جلدر انفتحت البوابة وركض الأطفال يعانقون أباءهم وشكروا العمدة، وقال حينها: لن أخلف وعدي مرة أخرى في حياتي، وهنا قال العازف لهم: سوف تعود الفئران مرة أخرى من جديد.

وحينما سألوه عن السبب، أجابهم بقوله: إن مدينتكم قذرة للغاية، وهذا ما يجلب القوارض والحشرات فينشرون الأمراض في البلدة وسرعان ما يمرض الأطفال وسوف تفقدونهم، فقال العمدة أمام الجميع: أنا عمدة البلدة وسوف أتولى مسؤولية إبقائها نظيفة مدى حياتي، وأخيراً قالوا الأهالي: سوف نلقي القمامة في السلال المخصصة فقط، كما سوف نعمل ما بوسعنا لنبعد عن بلدتنا الفئران والحشرات.

المصدر: كتاب حامل الإكليل قصص مختارة من الأدب الألماني المعاصر - إبراهيم أبو هشهش - 1969


شارك المقالة: