مستحقي الزكاة:
الذي يستحق الزكاة هم الثمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن: وهم الفقراء والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب، والغارمون، وفي سبيل الله، وابن السبيل فأمّا الفقير فهو الذي له بلغة من العيش.
والمسكين الذي لا شئ معه.
وأمّا العاملون عليها: فهم الذين يسعون في جباية الصدقات.
وأمّا المؤلفة: فهم الذين يتألفون ويستمالون إلى الجهاد.
وفي الرِّقاب: وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون تحت الشدَّة العظيمة.
وقد روي أنَّ من وجبت عليه كفارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطأ وغير ذلك، ولا يكون عنده، يشترى عنه ويعتق.
والغارمون: هم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا فساد.
وفي سبيل الله: وهو الجهاد.
وابن السبيل: وهو المنقطع، أي الذي إنقطعت فيه السبل في بلدٍ لا يُعرف فيها.
وقيل أيضا: إنّه الضيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجاً في الحال، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.
فإذا كان الإمام ظاهراً، أو من نصبه الإمام حاصلاً، فتحمل الزكاة إليه، ليفرقها على هذه الثمانية الأصناف.
ويقسم بينهم على حسب ما يراه.
ولا يلزمه أن يجعل لكل صنف جزءاً من ثمانية، بل يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض، إذا كثرت طائفة منهم وقلت آخرون، وإذا لم يكن الإمام ظاهراً، ولا من نصبه الإمام حاصلاً، فتفرق الزكاة في خمسة أصناف:
وهم الفقراء، والمساكين، وفي الرقاب، والغارمين، وابن السبيل.
ويسقط سهم المؤلفة قلوبهم، وسهم السُعاة، وسهم الجهاد، لأنَّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام.لأنَّ المؤلفة قلوبهم إنَّما يألفهم الإمام ليجاهدوا معه، والسُعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جمع الزكوات، والجهاد أيضا إنَّما يكون به أو بمن نصبه.
فإذا لم يكن هو ظاهراً ولا من نصبه، فرق فيمن عداهم.
والذين يفرق فيهم الزكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحق معتقدين له.
فإن لم يكونوا كذلك، فلا يجوز أن يعطوا الزكاة، فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق، لم يجزِّئه، وكان عليه الإعادة.
ولو أنّ مخالفاً أخرج زكاته إلى أهل نحلته، ثمَّ استبصر، كان عليه إعادة الزكاة، ولا يجوز أن يعطى الزكاة من أهل المعرفة إلّا أهل الستر والصّلاح.
ولا بأس أن تعطى الزكاة لأطفال المؤمنين، ولا تعطى لأطفال المشركين.
ولا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النفقة عليه مثل الوالدين والولد والجد والجدَّة والزوجة والمملوك.
ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعم والخال والعمّة والخالة وأولادهم، والأفضل أن لا يعدل بالزكاة عن القريب مع حاجتهم إلى ذلك إلى البعيد.
فإن جعل للقريب قسط، وللبعيد قسط، كان أفضل، ومتى لم يجد من تجب عليه الزكاة مستحقا لها، عزلها من ماله، وانتظر بها مستحقها، فإن لم يكن في بلده من يستحقها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر، فإن أصيبت الزكاة في الطريق أو هلكت، فقد أجزأ عنه.
وإن كان قد وجد في بلده لها مستحقاً، فلم يعطه، وآثر من يكون في بلد آخر، كان ضامناً لها، إن هلكت، ووجب عليه إعادتها.
ومن وصي بإخراج زكاة، او أعطي شيئاً منها ليفرقه على مستحقيه، فوجده، ولم يعطه، بل أخَّره، ثمَّ هلك، كان ضامناً للمال.
ولا تحلُّ الصدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة، وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين، عليه السلام، وجعفر بن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب، وعباس بن عبد المطلب.
فأمّا ما عدا صدقة الأموال، فلا بأس أن يعطوا إياها، ولا بأس أن تعطى صدقة الأموال مواليهم، ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضاً صدقة الأموال، وإنّما يحرَّم عليهم صدقة من ليس من نسبهم، وهذا كله إنّما يكون في حال توسعهم ووصولهم إلى مستحقهم من الأخماس، فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الأضطرار.
ولا يجوز أن تعطى الزكاة لمحترف يقدرعلى اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله، فإن كانت حرفته لا تقوم به، جاز له أن يأخذ ما يتَّسع به على أهله. ومن ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته، لم يجز له أن يأخذ الزكاة، وإن كان معه سبعمئة درهم، وهو لا يحسن أن يتعيَّش بها، جاز له أن يقبل الزكاة، ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزكاة، فيتسع به على عياله.
ومن ملك داراً يسكنها وخادماً يخدمه، جاز له أن يقبل الزكاة، فإن كانت داره دار غلّة تكفيه ولعياله، لم يجز له أن يقبل الزكاة فإن لم يكن له في غلتها كفاية، جاز له أن يقبل الزكاة.
وينبغي أن تعطي زكاة الذَّهب والفضَّة للفقراء والمساكين المعروفين بذلك، وتعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التجمل.
فإن عرفت من يستحق الزكاة، وهو يستحيي من التعرُّض لذلك، ولا يؤثر أن تعرفه، جاز لك أن تعطيه الزكاة وإن لم تعرفه أنَّه منها، وقد أجزأت عنك.
وإذا كان على إنسان دين، ولا يقدر على قضائه، وهو مستحق لها، جاز لك أنتقاصه من الزكاة.
وكذلك إن كان الدين على ميت، جاز لك أنتقاصه منها، وإن كان على أخيك المؤمن دين، وقد مات، جاز لك أن تقضي عنه من الزكاة.
وكذلك إن كان الدين على والدك او والدتك او ولدك، جاز لك أن تقضيه عنهم من الزكاة، فإذا لم تجد مستحقاً للزكاة، ووجدت مملوكا يباع، جاز لك أن تشتريه من الزكاة وتعتقه.
فإن أصاب بعد ذلك مالاً، ولا وارث له، كان ميراثه لأرباب الزكاة.
وكذلك لا بأس مع وجود المستحق أن يشتري مملوكاً ويعتقه، إذا كان مؤمناً، وكان في ضرٍّ وشدّة، فإن كان بخلاف ذلك، لم يجز ذلك على حال.
ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها، وكان مستحقاً للزكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره، اللهم إلّا أن يعين له على أقوام بأعيانهم.
فإنَّه لا يجوز له حينئذ أن يأخذ منها شيئاً، ولا أن يعدل عنهم إلى غيرهم، وأقل ما يعطي الفقير من الزكاة خمسة دراهم او نصف دينار، وهو أول ما يجب في النصاب الأول.
فأمّا ما زاد على ذلك، فلا بأس أن يعطي كل واحد ما يجب في نصاب ، وهو درهم إن كان من الدراهم، او عشر دينار إن كان من الدنانير، وليس لأكثره حد، ولا بأس أن يعطي الرَّجل زكاته لواحد يغنيه بذلك .