إنذار النبي عليه الصلاة والسلام لأمته من فتنة المسيح الدجال:
أولاً: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم في النّاس فأثنى على الله بما هو أهله ثمّ ذكر الدّجال فقال: “إني لأنذركموهُ وما من نبي إلا وقد أنذرهُ قومه ولكني سأقولُ لكم فيه قولاً لم يقلهُ نبي لقومهِ إنهُ أعورُ وإنّ الله ليس بأعور”. أخرجه البخاري.
ثانياً: عن ابن عُمر رضي الله عنهما قال: كُنّا نتحدثُ بحجة الوداع والنبي عليه الصلاة والسلام بين أظهرنا ولا ندري ما حجّهُ الوداع فحمد الله وأثنى عليه ثمّ ذكر المسيح الدّجال فأظنبَ في ذكره وقال: “ما بعث اللهُ من نبيّ إلا أنذر أمّتهُ أنذره نوحٌ والنبيون من بعدهِ وإنّه يخرجُ فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أنّ ربكم ليس على ما يخفى عليكم ثلاثاً إلى ربّكم ليس بأعور وإنهُ أعورُ عين اليُمنى كأنّ عينه عنبةٌ طافيةٌ” وفي رواية مسلم” كأنّ عينهُ عنبةٌ طافئة” أخرجه مسلم.
شرح الحديثان:
إنّ هذان الحديثان يدلان على خطورة فتنة الدّجال، فما من نبي من لدن نوح عليه السلام إلا أنذرَ أمته منه، والسؤال الذي يطرح هنا: ما وجه إنذار نوح عليه السلام لأمته من الدّجال بالرغم من أنه يخرج في آخر الزمان؟ ويجاب عنه بأن وقت خروجه كان خفياً على نوح عليه السلام؛ أي أنّ نوحاً علم بفتنة الدّجال ولم يعلم بوقت خروجه فأنذر أمته وكذلك سائر الأنبياء، وهذا يعزز أنّ النبي عليه الصلاة والسلام في بداية الأمر قد علم بفتنة الدّجال ثم تبين له في آخر الأمر وقت خروجه؛ لذلك كان إنارُ محمد عليه الصلاة والسلام لأمته من الدّجال أوفى وأكثر تفصيلاً من غيره لوقوع فتنته في أمته.
ومن المعلوم أنّ حجة الوداع كانت في آخر عهد النبي عليه الصلاة والسلام وتضمنت ملخصاً عاماً لرسالة الإسلام وأبرز تعاليمه، ومع كونها كذلك إلا أنّ النبي عليه الصلاة والسلام لم يختصر الحديث عن الدّجال فيها، بل أطنب وأفاض في الحديث عنه، وفي هذا إشارة إلى عظم هذه الفتنة وخطورتها، ويتضمنُ تنبيهاً لأمته للإفاضة في الحديث عنها والتحذير منها. وإذا كانت خطبة الوداع التي تعتبر ملخصاً لرسالة محمد عليه الصلاة والسلام قد تضمنت إطناباً عن فتنة الدّجال، فمن باب أولى أنّ يطنب أتباعهُ في ذكرها والتحذير منها، وليس كما يدعي البعض أنّ ذكر الدّجال وفتنهِ من باب الملهاة للأمة وإشغال لها عن قضاياها، بل على العكس ذكر فتنة الدّجال يقي الأمة من الوقوع فيها من جانب، ومن جانب آخر بعطيها تصوراً لطبيعة الفتن التي نعيشها قبل خروجه، وذلك لارتباط الفتن بفتنة الدّجال؛ لذا لا بدّ أنّ يكون بعض ما نُلابسه من فتن يطابق بعض أوصاف فتنة الدّجال.