ما هي علاقة قصة إبراهيم عليه السلام بالإخلاص؟

اقرأ في هذا المقال


علاقة قصة إبراهيم عليه السلام بالإخلاص:

الإخلاص: وهي حقيقة الدين: وهو مفتاح دعوةٍ الرسل عليهم السلام، وبه يرفع العملُ ويُقبل. والشرك يُحبط العمل، وكل العباد مأمورون بالإخلاص له وحده بالعبادة بغيره جلّ وعلا كم قال تعالى: “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ” البينة:5. وتحقيق الإخلاص يؤدي إلى الجنة، والتهاون به يؤدي إلى النار. قال ابن القيم في معنى الإخلاص: هي إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة.

إخلاص إبراهيم عليه السلام في أمور حياته:

إن الإخلاص هي سمةُ بارزة للأنبياء، ولا سيما خليلُ الله إبراهيم، فقد قال تعالى عن خليله عليه الإسلام: “وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِإِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ” ص:45-46. وهنا ذكره الله تعالى بالعمل الصالح وقوته بالعبادة والطاعة.
لقد وصف الله خليله عليه السلام بأنه صاحب قلب سليم، فقال عنه تعالى: “إذا جاءَ رَبّهُ بقلبٍ سليم” الصافات:84. وهو القلب المخلص لله وحده البعيد عن الشك والشرك، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي شهادة أن لا إله إلا الله، وبهذا اصطفاه الله فكان خليلاً له تعالى، واستحق أن يكون من أولي العزم من الرُسل، فقد جاء لربه بقلبٍ طاهرٍ من الشرك والمعاصي، وهذا القلب هو الذي ينفع المسلم يوم القيامة، ولهذا فإنه عليه السلام في دعوته لقومه بينّ لهم أن الناجي يوم القيامة، هو من يأتي الله بقلبٍ سليم: “إلّا من أتى الله بقلبٍ سليم” الشعرا:89. وهو القلب الحي بلا إله إلا الله، السليم من الشرك وغوائله.
وما كان اصطفاء إبراهيم عليه السلام بالخلّة، إلا؛ لأنه تفرد بحب الله في قلبه، وقد ظهر ذلك حينما وهبه الله الولد، إسماعيل في كِبره، فتلعلق في قلبه في قلبه شيءٌ من الحب لولده، فأمره الله بذبح ابنه، فامتثل صلأمر الله وبهذا خلص القلب لله تعالى، وعليه اتخذه الله خليلاً، وكان المقصد هو تأكيد النفس على الامتثال لأموامر الله تعالى.
ولقد بينت الآيات في سورة البقرة شدة إخلاص نبي الله إبراهيم عليه السلام، وذلك حينما عرضت الآيات بناءه للبيت الحرام بأمر من الله تعالى، ويظهر ذلك جليّاً في دعائه عليه السلام لله سبحانه وتعالى أن يتقبل منه العمل وهو بناء البيت، كما قال تعالى: “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” البقرة:127. ففي الآية الكريمة وصف للحال التي كان عليها هو وولده إسماعيل عليهما السلام، وهو الخوف من عدم القبول لعملها، وهذا من قمة الإخلاص الذي كان عليه خليلُ الرحمن، ومثله ما ذكرهُ الله في كتابه، عن إخلاص المؤمنين فقال تعالى: “وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ” المؤمنين:60. أي منهما فعلوا من صالح الأعمال فلا يزالون في خوفٍ أن لا يتقبل الله منهم، وفي هذا إشعارٌ بالاعتراف بالتقصير من العبد في حق الله وإن اجتهد في الطاعة.
ولا شك أن دعوة إبراهيم عليه السلام كانت إلى الإسلام وإخلاص الدين لله، ولهذا أمرنا الله أن نتبع ملة إبراهيم عليه السلام، فقال تعالى: “ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” النحل:123. وملة إبراهيم عليه السلام هي الحنفية، فقد قلنا أن الحنيفية هي الميل عن الشرك إلى التوحيد، وقد كان عليه السلام مخلصاً لله وحده متوجهاً إليه بكليته نحو التوحيد والإخلاص له جلا وعلا، وقد بين القرآن وجهته عليه السلام حينما ذكر مقولتهُ بعد دعوته لعبدة الكواكب معلناً اتجاهه لله سبحانه وتعالى فقال: “إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ” الأنعام:79. أي خلصت ديني الله سبحانه الذي خلق السماوات والأرض، بعيداً عن الشرك، ومن هذا يعرف أن من معاني الحنيفية الإخلاص، وقد دعانا الله سبحانه أن نتوجه إليه بالعبادة الخالصة له جل وعلا فقال تعالى: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” الروم:30. والآية تضمنت الصدق والإخلاص، فإن من إقامة الوجه للدين، هو أن يقصد بالعمل فقط الله سبحانه. وترك إبراهيم عليه السلام في ذريتهِ أساس التوحيد، وهي كلمة لا إله إلا الله كما قال الله في كتابه العزيز:”وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” الزخرف:28. فكانت كلمة لا إله إلا الله هي أساس التوحيد والإخلاص باقيةً فيمن بعده من ذريته يعلمون، ويخضعون الله بها.
ولا بدّ للمؤمن أن يحرص على الإخلاص في كل شأنه، شأن إبراهيم عليه السلام في إخلاصه، فإن الإخلاص أساس العبادة والمرتكز عليها في قبول العمل أو لا، وعلى المؤمنين وخاصةً الدعاة إلى الله أن يجددوا نياتهم، ويجعلوها لله خالصةً، ويقتفوا أباً الأنبياء في ذلك؛ حتى يفوزوا بسعادة الدارين الدنيا والآخرة.


شارك المقالة: