لقد كان لنبي الرّحمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم في السنّة النّبويّة الشريفة منهجاً للتربية، ولتقويم الذّات الإنسانية ، بل أضاف للتربية عناوين جديدة بصفاته عليه الصّلاة والسّلام، كيف لا! وهو الصّادق الأمين الّذي عُرِف منذ نشأته عليه الصّلاة والسّلام، تكفر به قريش، وتؤَمِّن عنده الأمانات، صادق في مواعيده، ليقدم للبشريّة ذلك الأنموذج، الّذي تبحث عنه النّفس الإنسانيّة، ليكون قدوة لها.
ولأنَّ الله اصطفاه من البشرية، كان لنشأة سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم أروع أمثلة التربية للذات، وتوجيه النفس الإنسانيّة بروحها وعقلها إلى بارئها، فاعتزال سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم في غار حراء، محاربة للشهوات وملذَّات الحياة التي تصد عن خالقها.
جوانب من التربية في السنة النبوية الشريفة
أولاً : التربية الروحية في سنة النبي صلى الله عليه وسلّم
دعت السنة النّبويّة الشريفة إلى تزكية الروح، بالسير إلى الله تعالى ، وانتقال الإنسان بروحه المزّكاة لله، من إنسان بلا هدف إلى إنسان بهدف، ومن ماجاء في ذلك بسنّة الحبيب المصطفى، علاقة الإنسان بربه عزَّ وجل بدون وساطة، ففي ما روى الصّحابيّ عبدالله بن عبّاس، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال : ((يا غلام، إنّي أعلمك كلمات، إحفظ الله يحفظك، إحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنَّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشي قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ، لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفّت الصُّحف)) رواه الترمذي ، وفي هذا الحديث وغيره من سنّة النّبي صلّى الله عليه وسلّم تحديد لمركزيّة التوجّه إلى خالق الكون، ومالك كل شيْ تغييراً وثباتاً، وعطاءً ومنعاً، لتربية روحه وبث الطمأنينة فيها بأنَّ من للإنسان علاقة به، وهو ربّه، هو من يمتلك كل شيٍْ، فلا يخاف على رزق أو حياة فكلُّ ذلك بيد الله تعالى.
ثانياً : التربية الأخلاقية
دعت السنّة النّبويّة الشريفة بما جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو القدوة الأمثل في حياتنا، إلى ضبط أخلاق الإنسان، يما يتناسب مع الأدب مع خالقها، فكان صلى الله عليه وسلّم يدعو إلى خُلُق الإخلاص والتّقوى ، والصدق والأمانة، فيقول عليه الصّلاة والسّلام في حديث أبي هريرة رضي الله عنه :(( إنّما بعثت لأتمِّم صالح الأخلاق)) رواه أحمد، وجاءت أكثر أفعاله وتقريره عليه السّلام موافقة لأخلاق تهذّب نفس المؤمن وتجعل منه أنموذجاً في الأخلاق.
ثالثاً: التربية الاجتماعية
لقد كان في سنّة الحبيب المصطفى الكثبر من أساليب التّربية الاجتماعيّة التي تنظِّم علاقة الإنسان بربّه وبنفسه وبغيره، لتنشأ في تلك الأساليب أسرة منضبطة متآخية، ومجتمع متلاحم مع بعضه البعض، فكان المجتمع الإسلاميّ بالتشريع الإلاهيّ، وبسنّة الحبيب المصطفى كالجسد الواحد في تآخيه والتفافه حول نفسه، وما كان ذلك إلّا بتوجيهات النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وتنظيمه له، ومن سنّة النّبي صلّى الله عليه وسلّم فيما يدعوا إلى التّربية الاجتماعية، دعوته إلى صلة الرحم، والإحسان إلى الآباء، ومقابلة الإساءة بالإحسان، فهاهو النّبي صلّى الله عليه وسلّم يؤاخي بين المهاجرين والأنصار، ومنع العنصرية والفتنة بين المهاجرين والأنصار، لأنَّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يريد أن يُعلِّم الأمّة درساّ في أنَّ الأمّة المفكَّكة لن يصلح حالها،
رابعاً : التربية العقلية
لقد كان في سنّة محمّد صلّى الله عليه وسلم وسيرتة الشريفة، ما يوجّه العقل إلى نفيِ الخرافات، والبِدع وما يخالف العقل الإنساني، الّذي يجب أن يؤمن بأنّه لا شي مخالف للعقل، وفوق العادة، إلَّا معجزات الأنبياء، وفي هذا أسلوب شامل لمحاربة الخرافات بأنواعها، ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلّم في يوم موت ابنه إبراهيم عليه السّلام وكسوف الشمس يومها، واصفاً الشمس والقمر بايتين من آيات الله ((إنَّهما لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته)) ففي هذا تربية للإنسان أن لا يسلّم أنّ لآيات الله تأثيراً في الجدْب والقحط، والبلاء والمصيبة، وإرجاع ذلك لله تعالى وحده بقدرته.
الخاتمة
من ما سبق ذكره نجد أنّ سنة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، هي دستور للتّربية والتّعليم والتّهذيب، توجهنا إلى بناء نفسٍ إنسانيّة، مؤمنة مطمئنّة، وتتمتَّع بأخلاق جاذبة لأصولها وفطرتها، تحارب الخرافات والبدع، وتجعل من قرآنها دستوراً لها ومن نبيّها مرجعاً وقدوة.