الحداد في أصول الفقه

اقرأ في هذا المقال


الدين الإسلامي هو آخر الديانات السماوية، وهو الدين الحق الذي ارتضاه الله -سبحانه وتعالى- للناس أجمعين، وهو التسليم بكلِّ ما أمر الله تعالى من أوامر، والنهي عن كلِّ ما نهى الله -تبارك وتعالى-، وقد بُني الإسلام على أركانٍ خمسة، وهي: الشهادتان، الصلاة، الزكاة، الصيام، حج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا، فمن كان مسلمًا حقًّا فعليه الالتزام بهذه الأركان الخمسة وفق ما حكم الدين، وقد نظَّم الإسلام حياة الناس فضبط كلَّ شؤونهم، ولم يترك أي أمرٍ في حياة الناس إلَّا تناوله وأفتى به، وهذا المقال سيتحدث على موضوع الحداد في أصول الفقه بشكل تفصيلي.

ما هو الحداد:

الحداد يعني التوقف، وهو في اللغة ثياب المأتم والعزاء، والحِداد هو إبراز شعور الحزن على فقدان الميت، فيُقال: لبست المرأة الحدادَ على زوجها أي ارتدت ثياب الحزن، أمَّا الحداد في الإسلام فهو أن تمتنع المرأة عن وضع الزينة مدة زمنية معينة وتمتنع عن الخروج من بيتها مدة زمنية معينة حددها الشرع، وقيل أيضًا في تعريف الحداد في الإسلام هو تربُّصٌ تمسك المرأة فيه عن كلِّ ما يزينها ويجعلها مرغوبة من الطيب والحلي والزينة، وهذا يكون لمدة معينة ويكون في مكان مخصص وأحوال مخصصة أيضًا.

حكم الحداد في الإسلام:

  • المرأة التي ليست حامل: قال الله تعالى في سورة البقرة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالـْمَعْرُوفِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} صدق الله العظيم، وقال ابن القيم: ” وأجمعتِ الأمةُ على وجوبهِ على المتوفَّى عنها زوجها إلّا ما حُكي عن الحسن والحكم بن عتبة”، وهذا يعني أنَّه وجب على المرأة المتوفى عنها زوجها أن تحدَّ أربعة أشهر وعشرة أيام، ولا فرق في هذا الحكم إذا كانت الزوج قد دخل بالزوجة أم لم يدخل بها، وقد قال ابن المنذر: “وأجمعوا أنَّ عدة الحرة المسلمة التي ليست بحامل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرًا، مدخولًا بها أو غير مدخول، صغيرة لم تبلغ أو كبيرة قد بلغتْ”.
  • المرأة الحامل: قال تعالى في سورة الطلاق: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}صدق الله العظيم، أمَّا الحداد على المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها فهو واجب أيضًا، ومدته حتّى تضع حملها فقط، طالت مدّة حملها أم قصرت، وقال ابن المنذر: “وأجمعوا أنَّها لو كانت حاملًا لا تعلم بوفاة زوجها أو طلاقهِ فوضعتْ حملَها أن عدتها منقضية”، والله تعالى أعلم.

حداد المرأة على غير زوجها:

بعد الحديث عن حكم الحداد في الإسلام، جدير بالذكر إنَّه قد تحد المرأة على غير زوجها، وهذا مباح في الإسلام ولكن لثلاثة أيام فقط، فقد روت أم حبيبة -رضي الله عنها- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “لا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ، تُحِدُّ علَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا علَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا”، وبناء على هذا الحديث استدلَّ أهل العلم على جواز حداد المرأة على غير زوجها، شريطة أن تكون مدة هذا الحداد ثلاثة أيام فقط، قال الأذرعي: “والأشبه أنَّ المراد بغير الزوج القريب، كما أشار إليه القاضي، فلا يجوز للأجنبية الإحداد على أجنبي أصلًا ولو بعض يوم، ولم أرَ فيه نصًّا”، والله تعالى أعلم.

الحكمة من تشريع الحداد في الإسلام:

أوجد الدين الاسلامي الحداد لحكمة بالغة، تدور هذه الحكمة حول الوفاء للزوج وحفظ حقه على الزوجة، فالعلاقة بين الزوجين علاقة عظيمة، تستحق أن يبذل الطرفان كثيرًا من الوفاء لهذه العلاقة العظيمة، لذلك شرَّع الإسلام الحداد وفاءً لهذه العلاقة وهذه الآية الإلهية العظيمة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}صدق الله العظيم، فليس من الوفاء أن تتزين المرأة وتضع الحلي والطيب بعد وفاة زوجها مباشرة، وكانت المرأة في الجاهلية تحد عند وفاة زوجها عامًا كاملًا، ولكنّ الإسلام خفف هذه المدة إلى أربعة أشهر وثلاثة أيام، وبناءً على هذا يمكن إظهار الحكمة الإلهية من تشريع الحداد في الإسلام من خلال الأمور التالية:

  • احترام حق الزوج و حماية العلاقة الزوجية التي ربطت المرأة بزوجها لمدّة طالت أم قصرت.
  • احترام مكانة عقد النكاح الذي ينقطع بوفاة الزوج، لذلك كان لا بدَّ على المرأة أن تحترم هذه النعمة وتحد وفق ما قضى لها الشرع ، وعدم السماح للزواج بين المرأة ومن حولها من الرجال بها حتَّى تنتهي مدّة العدة وتصبح محللة للطلب في عقد نكاح على رجل آخر.

شارك المقالة: