الحدّ بالقرينة الظاهرة، وهي وجود المسروق في حوزة المتهم:
إن من خلال بحث ابن القيم عن اعتبار القرائن وشواهد الأحوال الظاهرة والحكم بموجبها، فقد ضرب لها المثالُ بإقامة الحدّ على المتّهم بالسرقة إذا وُجد المسروق عنده. وقد قرر ابن القيم رحمه الله الرأي الأصح من قولي أهل العلم هو أن وجود المسروق في حوزة المتهم يوجب القطع، وأن الحكم بهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار، لأنهما خبران يتطرّق إليهما الصدق والكذب، فإن المستفاد منهما هو الظن الغالب. أما وجود المسروق في حوزة المتهم فيُستفاد منه اليقين.
ولا يزالُ الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتهم، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار، فإنهما خبران يتطرّق إليهما الصدق والكذب، ووجود المال معه نصٌ صريح لا يتطرق إليه شبهةً. أما الصحيح هو أنه يُقام الحدّ على المتهم بالسرقة إذا وجد المسروق عنده.
الدليل على هذا القول:
قال تعالى:”قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ– قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ– قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ“يوسف:73-75. فالدليل في هذه الآيات الكريمة على أن وجود المسروق بيد السارق كافٍ في إقامة الحدّ عليه. بل هو بمنزلة إقراره، وهذا هو أقوى البينة، وغاية البينة أن يُستفاد منها الظن، وأما وجود المسروق بيد السارق يستفادُ منه اليقين.
خلاف العلماء على هذه المسألة:
إن الحديث عن الخلاف في خصوص هذه القضية فرع عن الحديث في الحكم بالقرينة الظاهرة، هل يُقضى فيها بكل شيء من حقوق الله أو من حقوق العبد أو تقبل فيما عدا الحدود؟ أو تُقبل في حقوق العباد وفي بعض الحدود دون بعض.
أما المالكية: فينبغي أن يكون هذا هو مقتضى مذهبهم لأنهم يُصرحون بالحدّ بالقرينة الظاهرة بالحبل في الزنا والرائحة في الخمر، ولكن لم يوجد هناك أي تصريح في حد السارق بوجودِ المسروق في حوزته.
ولم يزل ابن القيم متطلعاً إلى الوقوف على أقضية الصحابة رضي الله عنهم، ولكن لم يتيسر الوقوف عليها ولم يرى في هذه المسألة بحثاً، ولكن الهدف من هذا الأمرِ هو الوقف حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين بالوقوف على قضايا السلف في هذا وكلام أهل العلم.